«وصلة» تناقش مفهوم «صناعة الديكتاتور» في عددها الثاني

أفردت مجلة «وصلة» الشهرية، التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، إحدى الهيئات التابعة لوزارة الثقافة، ملفا عن «صناعة الديكتاتور»، وذلك في عددها الثاني الصادر مؤخرا، في محاولة لفهم جوانب شخصية الديكتاتور، من الناحيتين النفسية والسياسية.
يبدأ الملف بتحديد للفارق بين النظامين الديمقراطي والديكتاتوري، ففي الأول يخضع الحاكم للنظام، ويأتي لتنفيذ سياسات الدولة والحفاظ على كيانها القائم مسبقا، بينما في الثاني يخضع النظام للحاكم الديكتاتور الذي يخلق سياسات الدولة ويحدد شكل كيانها، ويتخذ قرارات مصيرية بمفرده، مثل تعديل الدستور أو إعلان الحرب.
ويعود الملف إلى بداية نشأة مصطلح الديكتاتور في التاريخ، ويكشف أن الدلالات السلبية التي تحملها الكلمة لم تكن ترتبط بها عند بدء استخدامها، إذ كانت تشير الكلمة لمنصب رسمي عرفته روما القديمة في عصر الجمهورية عام 510ق.م.
فقد كان نظام الحكم وقتها يقوم على قنصلين يديران شؤون البلاد، مما يجعل اتخاذ القرار صعبًا في بعض الأحيان، لذا رأى مجلس الشيوخ أن يوجد «ديكتاتور» يأمر فيطاع عند حالات الطوارئ، وفي الأوقات التي يحتاج اتخاذ القرار فيها إلى السرعة والحسم، ولكن لم يكن يسمح له بالبقاء في منصبه هذا لأكثر من 6أشهر.
وبعد أكثر من مائة عام على نشأة منصب الديكتاتور، حدث التغيير، حين تم تعيين «لوشيوس كورنيلوس سولا» ديكتاتورًا، دون تحديد فترة زمنية لبقائه، فتمتع بسلطة مطلقة، وحكم عامين، أعدم خلالهما الآلاف من الرومانيين، ثم خلفه يوليوس قيصر الذي منح لقب «ديكتاتور مدى الحياة».
يأتي نابليون بونابرت أول ديكتاتور في العصر الحديث، إذ وصل إلى السلطة في ظروف مشابهة لتلك التي كان يصل فيها الديكتاتور الروماني، حينما كان قائدا عسكريا أثناء الثورة الفرنسية التي تحولت خلالها فرنسا من مملكة إلى جمهورية في عام 1789، وشهدت الكثير من الإعدامات والانقلابات والفوضى.
وفي مقال بعنوان «دليلك إلى فهم الديكتاتور» يتضح أن نظام الحكم الديكتاتوري يكون، في العادة، شموليا، وهو ما يعني أن يسيطر الديكتاتور سيطرة تامة على الإعلام، ويقوم بتوجيه الجماهير من خلاله، مما يضمن احتفاظه بالسلطة، كما تعني الشمولية أيضا التجسس على المواطنين، من خلال الشرطة السرية، مما يحد من حرية المواطنين، أو يجردهم من الحرية تماما في بعض الأحيان.
ويمضي الديكتاتور في استغلال الإعلام، ليبث أفكار في الناس تنزهه عن منزلة البشر، وتصوره في هيئة الشخص المنزه عن الخطأ والنواقص البشرية، حتى يصل الأمر إلى حد الادعاء بأنه شخص ذو طبيعة إلهية، أو مفوض من قبل الإله لحكم البلاد.
ويترجم الملف مقالة للصحفي البريطاني روبرت فيسك، بعنوان «الربيع العربي.. خريف المستبدين»، يقدم فيها عرضا لقائمتين من النصائح الساخرة للطغاة العرب السابقين والحاليين، ويعلق عليهما في ضوء رؤيته لمصير الحكام المستبدين الذين حاربوا أي مد ثوري، ثم يختتم مقالته بتقديم نصائح مماثلة لزعماء الغرب للتعامل مع الثورات العربية.
مجلة «وصلة» تعد آخر إصدارات الهيئة المصرية العامة من الدوريات، وهي مجلة متخصصة في الترجمة، يعرَّفها الدكتور مصطفى رياض، رئيس تحريرها، بأنها «وصلة إلى الكشف عن الصلات الثقافية والحضارية التي تصل من يتصفحها بالعام من حوله» ويقدمها باعتبارها «مشروعًا ثقافيًا قائمًا على ترجمة العالم، يتبنى القيم الإنسانية التي تراكمت على مر عصور الحضارة الإنسانية».