ثلاث علامات استفهام اختزنتها داخل صدرى فى أعقاب مباراتنا مع الجزائر، وأحمد الله أننا لم نفز عليهم، لأن هدفاً طائشاً منا كان سوف يكلفنا الكثير فى غياب الأمن والأمان داخل الملعب.. أنا شخصياً كنت أضع يدى على قلبى.. فقد كان جمهورهم يتحرش بلاعبى الفريق القومى، البلطجية فيهم يلوحون بإشارات وفى أيديهم الأسلحة البيضاء وكأنهم يتوعدون الفريق بالذبح لو سجل أحدهم هدفاً أو تسببوا فى طرد أحد لاعبيهم.. أو أن الحكم احتسب عليهم ضربة جزاء.. ومع ذلك غاب عن المسؤولين المصريين المرافقين لفريقنا أن يطلبوا من مراقبى الفيفا فى أرض الملعب أن يسجلوا فى محاضرهم هذه التحرشات. لكن ماذا نقول لبهوات اتحاد كرة القدم عندنا أو ممثل الفيفا المصرى، الذين فاتهم أن يضعوا أيديهم على سندات الإدانة فى الملعب.. كلامى هذا هو الذى تناوله السيد وزير الإعلام السابق منصور حسن.. فقد جاء متفقاً مع علامة الاستفهام الأولى، التى اختزنتها فى صدرى. لقد أعجبنى الوزير منصور حسن، وهو يعلق على الأحداث المؤسفة فى هذه المباراة بقوله: إن هناك أجهزة مصرية تتحمل المسؤولية فى تلك الأحداث، وضرب مثلاً بسفارتنا فى الخرطوم، التى لم تدرك حجم الحشد الجماهيرى للجزائريين ولا قيامهم بشراء السلاح الأبيض كى تحذر القيادة المصرية قبل سفر المشجعين المصريين إلى السودان. منصور حسن طرح نفس السؤال، الذى كان حديث الناس فى مصر.. لماذا لم يسافر رجال الأمن المصرى فى رفقة المشجعين المسافرين للسودان، وقد كان فى الإمكان إشراكهم بالملابس المدنية للحماية؟! لكن للأسف لم يكن عند المسؤولين فى مصر الحس الأمنى.. وختم تصريحاته وهو يطالب بمحاسبة المقصرين. لقد أسعدنى أن أقرأ رأياً آخر للصديق اللواء رؤوف المناوى، الذى كان يوماً ما مسؤولاً عن الإعلام الأمنى فى وزارة الداخلية. فالرأى الذى كتبه فى مقال ب«المصرى اليوم» يوم الثلاثاء الماضى جاء متفقاً مع ما هو مختزن فى داخلى أيضاً.. ولأنه رجل أمن محنك.. فقد تساءل.. أين كانت سفارتنا فى الجزائر وسفارتنا فى الخرطوم والمؤامرة تجرى على قدم وساق لتجييش الجزائريين وتسليحهم ونقلهم إلى الخرطوم؟ لم يرصد أى مسؤول مصرى بالخرطوم تلك التجمعات التى أقامتها جماهير الجزائر حول الاستاد وعلى طريق المطار.. لم يرصد شراءهم الأسلحة البيضاء والعصى الغليظة! ويقول المناوى فى مقاله: هذه الصورة المخزية التى أديرت بها أزمة حقيقية كنا قادرين على اجتيازها بنجاح لو أحسنا إدارتها بالمتخصصين، ولكن هذا سيظل حالنا.. فهلوة فى إدارة الأزمة.. والقفز على الموائد.. معنى كلامه أن هؤلاء لم يكونوا أمناء فى نقل صورة حقيقية إلى القيادة السياسية، التى لم تكن لتتوانى لحظة عن اتخاذ تدابير من شأنها حماية كل مصرى.. وهنا أتفق معه وأقول لقد ركبنا رؤوسنا وذهبنا بهوات.. وكأننا نعرف النتيجة قبل المباراة، اكتشفنا أننا نجلس فى زاوية فى مقاعد الاستاد، لأن الأمن السودانى كان يتحسب أى معركة داخل الملعب.. فاكتشفنا أنهم مسلحون ونحن لا نملك فى أيدينا إلا أعلاماً وصل بنا الحال إلى إخفائها أو التخلى عنها خوفاً من ضربنا. رؤوف المناوى كخبير إعلامى مخضرم كان يرى ضرورة تواجد المصورين فى حراسة أمنية، لأن تسجيل الأحداث هو مستند الإدانة وقت الحاجة إليها.. وقد حدث ما توقع.. كاميرات التليفزيون لم تسجل حدثاً من أحداث الشغب، لأن الكل هرب من الضرب بسبب غياب الأمن.. الذين صوروا اللقطات التى رأيناها كانت على التليفونات المحمولة التى لا يعتد بها.. بدليل أن الفضائيات المصرية وجهت نداء للمواطنين وطالبتهم بتقديم مالديهم من صور أو لقطات.. يالها من مأساة.. الغريب أن ممثل الفيفا المصرى لم يلجأ إلى الأمن السودانى لتسجيل محاضر رسمية فى مركز الشرطة لمعاينة الشغب على الطبيعة. كلمة حق أقولها.. ويقولها كل مصرى.. إن المعلم حسن شحاتة أثبت أنه أكفأ مدرب عربى حتى الآن.. وإن نجوم الفريق القومى رغم الظروف الإرهابية التى لعبوا فيها فقد استحقوا تقدير الشارع المصرى واستحق كل منهم وساماً على صدره، فقد كانوا فعلاً عشرة على عشرة.. لكن قدرهم أن يكونوا تحت مظلة اتحاد لا يفهم لا فى حماية لاعبيه.. ولا فى سيكولوجية الخصم. يأتى سؤال آخر.. لماذا لا يتوقف إعلامنا عن مهاجمة الشعب الجزائرى.. فنحن أمام عصابة.. أو شرذمة من البلطجية.. لماذ التعميم فى هجومنا.. فهناك جزائريون شرفاء.. ناهيك عن المؤامرة القذرة التى دبرتها بعض القيادات الحاكمة فى الجزائر، وإذا كان سفيرهم فى القاهرة قد التزم الصمت وقد كان فى مقدوره أن يخرج عقب مباراة القاهرة ويعلن سلامة جميع المشجعين الجزائريين.. لكن سوء النية كان مبيتا عنده.. فقد اعتمد المؤامرة التى حبكوها وخططوا لها.. لقد فشلنا إعلامياً بعد أن شحنا الجماهير.. وقد كان فى مقدور الإعلام المصرى أن ينقل معركته خارج الحدود على الأقل بأن يشرك الفضائيات الأوروبية ويفتح خطاً معها.. للأسف الذين خططوا للمؤامرة فى الجزائر.. خططوا للسيطرة على الإعلام الغربى، فشحنوا صدور الأوروبيين ضدنا.. وأصبحنا المتهمين وهم الأبرياء.. وهنا أحترم شجاعة أسامة عز الدين، رئيس قناة دريم، وهو يعترف بمخاطبة الإعلام المصرى لنفسه.. ويتساءل إلى متى نظل نكلم بعضنا؟.. لقد كشفت هذه المأساة عن عزلة الاتحاد المصرى لكرة القدم عن أشقائه فى الدول العربية.. والدليل أننا لم نسمع واحداً منها استنكر ما حدث. سؤال أخير: هل تنوى القيادة السياسية عندنا.. والحزب الوطنى الذى كان يطمع فى أن ينسب الفوز له.. محاسبة كل من ارتكب تقصيراً؟ أعتقد أنه آن الأوان.. أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب المشاغبين على إجرامهم معنا. [email protected]