أستأذنكم اليوم فى أن أكون غدا مجرد مواطن مصرى يذهب إلى استاد القاهرة أو يجلس أمام شاشة التليفزيون وهو لا يملك إلا حلما جميلا وصادقا بأن تفوز مصر على الجزائر فى مباراة الغد الفاصلة.. مواطن مصرى يحب مصر وينتمى إليها ويخاف عليها ويريدها أن تفرح ليفرح بها ومعها.. ولكن دون أن يخلط بين الأمور والأوراق والأدوار.. فتبقى مباراة الغد بالنسبة له مجرد مباراة لكرة القدم الفائز بها سيتأهل لنهائيات كأس العالم، لكن من يخسرها لن يفقد الشرف أو التاريخ أو المكانة والاحترام والكبرياء.. فمصر غدا ستلعب فى استاد القاهرة بأحد عشر لاعبا من أجمل أولادها يقودهم حسن شحاتة.. لكنها لن تلعب بأهراماتها وأزهرها وعلمائها وفنونها وكتاباتها، ولن تقامر بأهلها أو بحياتها ومستقبلها.. وهو درس آخر من دروس كثيرة اضطررنا كلنا لتعلمها مع كل يوم انتظرنا فيه تلك المباراة الفاصلة مع الجزائر.. درس يخص كرة القدم ودورها فى حياتنا وحياة غيرنا، وكيف يمكن أن تتحول هذه اللعبة الجميلة إلى فرحة حقيقية لوطن دون أن تكون كرة القدم هى الوطن.. ودرس آخر يخص ضرورة وقواعد الاختلاف فى المواقف والقناعات والرؤى وانقضاء زمن كان لابد أن يتفق فيه المصريون على رأى واحد أو شخص واحد.. ودرس ثالث يتعلق بالحقوق فى بلادنا، وكيف يمكن أن نقتسمها كلنا دون أن تطغى مصالحنا على حقوق الآخرين واحترامهم.. ودروس أخرى كثيرة جدا توقفت أمامها كلها وأطلت التوقف والتأمل والتمهل حتى تحولت الدروس إلى أحلام حقيقية ومشروعة، أحاول الآن أن أدعو الآخرين لأن يقتسموها معى ويشاركونى كل حلم منها. أول وأكبر وأجمل وأهم حلم على الإطلاق.. هو أن نفوز غدا ونتأهل لنهائيات كأس العالم بعد غياب العشرين سنة.. وأنا أحلم بمنتخب لمصر هو نفسه الذى فاز بكأس الأمم الأفريقية وعلى أبطال العالم الإيطاليين وتألق أمام سادة الكرة البرازيليين وأحرجهم.. أحلم بمنتخب عادت إليه الروح ليعود من جديد قادرا على الفوز والتألق أيا كانت حسابات الكرة وقواعدها. أحلم بجمهور مصرى فى استاد القاهرة.. رائع ومتحضر كعادته.. جمهور قرر أن يصبح نجم الشباك غدا هو علم مصر وليس أى شخص آخر.. جمهور لن يسمح لأحد باستفزازه، ولن يمنح منافسيه أى فرصة للتلاعب بمشاعره ليخرج عن النص.. جمهور ذهب إلى استاد القاهرة لأن لديه مهمة محددة وواحدة هى تشجيع منتخب بلاده ليفوز وينتصر.. جمهور لن يفقد الأمل ولن يسكت مهما مضت الدقائق دون إحراز أى هدف لمصر.. جمهور واعٍ يعرف أنه مع منتخب مصر وأبدا لن يسمح لإعلام أو هتافات جزائرية ليتحول إلى عبء على منتخب مصر وقيد وضغوط هائلة على كل لاعب مصرى وقبلهم حسن شحاتة.. جمهور ينتظر الفوز على الجزائر ليخرج إلى كل شوارع القاهرة وميادينها ليرقص ويفرح ويحتفل بتحقق الحلم.. فإن صدمته كرة القدم بمفاجآتها وجنونها.. فسيقف ثمانون ألف مصرى فى استاد القاهرة عقب انتهاء المباراة يصفقون بكل حب وتقدير واحترام لحسن شحاتة ولاعبيه.. سيقولون لهم شكرا على كل ما قدمتموه لنا طيلة السنوات الماضية من فرحة وبهجة وانتصارات.. شكرا لأنكم بذلتم غاية جهدكم لإسعادنا.. شكرا لأننا نحب كرة القدم ونعرف أنها لعبة لا تعرف هذا الذى يفوز أو يخسر دائما.. فحتى لو خسرنا المباراة وضاع حلم التأهل لنهائيات كأس العالم.. يكفى أن نقدم للناس صورتنا كشعب متحضر يحترم لاعبيه ومدربهم.. لا يعلق رؤوسهم على المشانق ناسيا انتصاراتهم الكثيرة القديمة.. ولا يسمح أبدا بأن تتحول أحزانه إلى فوضى وشغب وتخريب لكل ما بقى جميلا فى مصر رغم المواجع والهموم والمعاناة. أحلم بإعلام رياضى مصرى قرر أن يسترد رشده وعقله وثقة الناس فيه مرة أخرى والتفافهم وتقديرهم واحترامهم.. إعلام قرر أن يغلق صفحة الخلافات الشخصية والمصالح الخاصة وحروب الفضائح والشتائم والإهانات المتبادلة.. إعلام استعاد حكمته ورؤيته ودوره الحقيقى، فأدرك أنه مطالب طيلة الأربع والعشرين ساعة المقبلة بأن يكون مع مصر ومنتخبها وجماهيرها متجاوزا، لتحقيق ذلك أى حسابات أو مشاعر بغض وكراهية.. أحلم الليلة ببرامج خاصة على شاشات الفضائيات المصرية ليس لديها قضية أو هدف أو ملفات إلا منتخب مصر ونجومه وحلمها بالفوز على الجزائر.. أحلم برؤية خالد الغندور الليلة على شاشة «الحياة» ضيفا على أحمد شوبير.. وأرى شوبير على شاشة «مودرن» ضيفا على مدحت شلبى.. وأرى علاء صادق على شاشة «دريم» ضيفا على خالد الغندور.. أحلم ببرنامج واحد تذيعه فى وقت واحد الليلة كل هذه الشاشات يستضيف فيه شوبير كل الآخرين يتحدثون معا وأمام الجميع عن مشاعرهم وتوقعاتهم وأحلامهم ورؤاهم الخاصة بتلك المباراة.. حكايات وذكريات وضحكات وأحلام ومخاوف متبادلة.. صورة ليست خيالية أو مستحيلة، لكنها باتت ضرورية جدا لتبدأ بها صفحة جديدة ومختلفة ورصينة وجميلة للإعلام الرياضى المصرى.. صورة ستقدمها هذه الشاشات للمصريين وللجزائريين أيضا، وليس لها إلا معنى واحد هو أننا قد نختلف كثيرا لكننا فى النهاية ننتمى لهذا الوطن ولكل هؤلاء الناس.. وأن الإعلام الرياضى المصرى قرر أن يستقيل أخيرا من دور المهرج أو البهلوان.. إعلام لن يبقى بعد اليوم فرجة للناس، وإنما قرر أن يعود ليقود الناس ويجسد أحلامهم وواقعهم ويصرخ بمطالبهم وهمومهم.. وأنا أثق فى أن أصدقائى الثلاثة.. محمد عبدالمتعال رئيس قنوات الحياة.. ووليد دعبس رئيس قنوات مودرن.. وأسامة عز الدين رئيس قنوات دريم.. هم أول من سيقفون معى اليوم لتحقيق هذا الحلم واكتماله.. أثق فى يد شوبير الممدودة بالسلام والاحترام الحقيقى والصادق لكل زملائه متجاوزا أى خلافات قديمة أو حالية ليصبح الآخرون هم ضيوفه الليلة فى برنامجه.. أثق فى أن علاء صادق بحكمته وثقافته الرفيعة هو أول من يعرف أن التسامح ليس عيبا والغفران ليس ضعفا وأن أحلامنا ليس من الضرورى أن تتحقق على بقايا الآخرين.. أثق فى أن مدحت شلبى هو واحد منا له نفس أحلامنا وأنه على استعداد للتخلى عن عناده من أجل صورة أجمل وأصدق وأرق لمصر وفى عيون كل جمهور الكرة فى مصر.. أثق فى أن الطموح المشروع والرائع لخالد الغندور ليس هو ما يقدمه الآن، وأنه قادر على تحقيق هذا الطموح ونجاحات أكثر وأكبر لو لم ينشغل بغير ذلك.. وأنا أدعوهم كلهم لذلك دون أن أطلب من أى منهم التخلى عن آرائه ومعتقداته.. ولكننى فقط أضع حدودا للخلاف وسقفا لأى تناقضات ونهاية لأى تجاوزات أو انتقاص من قدر ومكانة أى أحد. أحلم بأن ينجح صديقى العزيز أسامة الشيخ فى كبح جماح وعناد وليد العيسوى وشركة صوت القاهرة، التى اشترت الحقوق الحصرية للبث التليفزيونى لمباراتنا مع الجزائر.. لأننى أول من يعرف ويتفهم دوافع أسامة الشيخ وطموحاته الهائلة كرئيس جديد لاتحاد الإذاعة والتليفزيون.. وأسامة الشيخ أول من يعرف أن قواعد اللعبة تغيرت وتبدلت، ولم تعد الحقوق تائهة أو يمكن إخفاؤها ومواراتها.. وعليه أن يختار بين أن يبقى التليفزيون المصرى ملكا لكل المصريين، ويرفع طول الوقت شعار حق المشاهدة لأى أحد، وتبنى مطالب البسطاء والفقراء وكل المصريين فى كل مكان وبين أن يصبح مجرد لاعب فى السوق يعقد صفقاته فى سرية وعلى استعداد دائم لأن يسبق الآخرين مع احتمال قائم طول الوقت بأن يسبقه الآخرون.. فإن قرر التليفزيون المصرى النزول للسوق لاعبا.. عليه أن ينسى تماما التلويح بين الحين والآخر بالقانون أو شارة البث وكرة القدم ورغيف العيش وحق المواطن.. أو يبقى التليفزيون المصرى طول الوقت مترفعا عن ذلك وإلا يلعب أصلا مع أو ضد أى أحد.. ولا أزال أحلم وأتمنى أن يعيد أسامة الشيخ حساباته، وأن يوقف ممارسات وليد العيسوى وتعليقاته التى لا تليق برجل أصبح يتحدث الآن باسم الإعلام الرسمى المصرى ولم يعد مجرد رئيس لمجلس إدارة وكالة «كونكت» للإعلانات، التى باتت الآن تحظى برعاية رسمية غير مفهومة أو مبررة أو مقبولة.. وهناك اتفاق سابق وقع عليه الجميع ينص على أن كل الحقوق الخاصة باتحاد الكرة والمنتخب المصرى ستبقى متاحة طول الوقت للتليفزيون المصرى ولكل الفضائيات المصرية.. ومنها بالطبع حق بث مباراة مصر والجزائر.. وأن يأتى وليد العيسوى اليوم ليأخذ حقوق تلك المباراة حصريا ويقول إنه لا يحترم هذا الاتفاق.. وإنه ليس ملزما بتوقيع أسامة الشيخ عليه.. فهذا يعنى خروجا فادحا وفاضحا على كل القواعد.. لأن وليد العيسوى هنا ليس شخصا أو مجرد وكالة.. وإنما هو ممثل لتليفزيون يمثل دولة مفترض أنها تحترم كل عهودها واتفاقاتها.. وأتخيل أن أسامة الشيخ لا يزال قادرا على احتواء تلك الأزمة.. ولا يزال يملك حق بيع هذه المباريات للقنوات الثلاث.. «الحياة» و«مودرن» و«دريم».. فإن كان وليد العيسوى قد فضل قوانين السوق وقواعدها وجرى ليبيع المباراة لقناة «الجزيرة» القطرية.. فقد كان من اللائق أن يبيعها أيضا لفضائيات وشاشات مصرية.. وأنا أعرف أن أسامة الشيخ مضطر للتعامل مع «إيه أر تى» و«الجزيرة» من أجل تسهيل مهمة التليفزيون فى شراء حقوق بث مباريات كأس الأمم الأفريقية المقبلة وبعدها كأس العالم لو تأهلت مصر بمشيئة الله.. ولكنه يعرف أيضا أن هذه الفضائيات سبق أن فوضت أنس الفقى كوزير للإعلام ونصبته بحب واحترام واقتناع متحدثا باسمها وراعيا لحقوقها باعتبارها روافد ونوافذ مهمة جدا للإعلام المصرى.. وأنا لا أتمنى أن يصل الضيق والغضب بأصحاب ومسؤولى تلك القنوات لأى قرار مؤسف وحزين قد يصل إلى إغلاق تلك الشاشات نهائيا، انتظارا لزمن آخر يجىء قادرا على احترام حقوق الآخرين.. ولست أقول ذلك الآن لأنه تربطنى مصلحة مباشرة بقناة «الحياة».. وإنما أقوله صدقا واقتناعا واحتراما لكل الحقوق.. بل إننى سأدفع اليوم ثمن هذه السطور، وسيقرر اتحاد الإذاعة والتليفزيون عن ثلاثة برامج كنت سأشرف بتقديمها على النيل للرياضة وإذاعة راديو مصر وإذاعة الشباب والرياضة.. ولكن الحقوق أهم وأبقى من أى مصالح.. وسيسعدنى جدا إلغاء هذه البرامج وشطب اسمى من قوائم المتعاملين مع اتحاد الإذاعة والتليفزيون، ولكن مقابل أن يتدخل أنس الفقى ويسمح للفضائيات المصرية بإذاعة مباراتنا مع الجزائر على الهواء مباشرة ودون أى شروط خاصة. أحلم بأن أرى فى مدرجات استاد القاهرة غدا الفنان الكبير عادل إمام، الذى قال لى ضاحكا إنه لم يذهب لاستاد القاهرة منذ مباراة الأهلى وسانتوس البرازيلى.. وقد قلت له إننى على استعداد لأن أحضر له تذكرة خاصة ليذهب غدا هو وكل فنانى مصر الكبار.. فسيكون جميلا أن يذهب الناس غدا إلى استاد القاهرة فيجدوا فنانا بحجم وقيمة وقامة وتاريخ عادل إمام واقفا هناك مثلهم حاملا علم مصر حالما بفوز مصر يقود فرحتهم حين تتمايل بهم ومعهم المدرجات مع كل هدف لمصر.. فغدا هو يوم لمصر كلها.. فلهذا الجمهور الضخم والعظيم دين حقيقى فى رقبة كل فنانينا الكبار.. وغدا هو أوان سداد هذا الدين.. وإذا كانت جماهير الكرة المتعصبة والثائرة دوما دونما سبب ضد مصر فى بلدان الشمال الأفريقى تعايرنا فى كل مباراة أو بطولة بفنانينا وفناناتنا، فأنا أتمنى أن يكون هؤلاء الفنانون والفنانات غدا وسط جماهير الكرة من المصريين الرائعين بحماستهم وعصبيتهم وخفة دمهم وحبهم لبلادهم.. أحلم أيضا برؤية محمد منير فى مدرجات الدرجة الثالثة يقود الناس ويغنى لمصر وعن مصر والمصريين.. وإذا كان منير قد نجح خلال السنوات القليلة الماضية فى أن يصبح بالفعل صوتا لمصر، وتجسدت فى نبراته كل هموم مصر وأوجاعها وأيامها وأحلامها.. فإن غدا هو اليوم الذى يحتاج فيه المصريون لمحمد منير معهم وأمامهم فى استاد القاهرة. أحلم بأن أرى فتياتنا ونساءنا غدا فى استاد القاهرة وسط رجال مصر وشبابها.. وإذا كانت المرأة المصرية قد تعرضت للانتقاص من القدر والمكانة حين قرروا معاملتها باعتبارها كائنا غير قادر على العيش دون حماية.. وفرضوا عليها الكوتة البرلمانية كما لو أن المرأة المصرية عاجزة عن مد يدها لتنال حقوقها ومكانتها بنفسها.. فإنه من المؤسف أن تتعالى الدعوات مطالبة بألا تذهب النساء والفتيات لمباراة الغد، لأنها مباراة تحتاج للرجال بقوتهم وصلابتهم.. وأنا أثق فى المرأة والفتاة المصرية.. أعرف صلابتها وقوتها وعنادها وحبها لمصر وغيرتها على منتخب بلادها.. وإذا كانت أصوات رجال مصر وشبابها غدا فى استاد القاهرة ستحرك حتى الحجر.. فإن أصوات المصريات غدا لن تكون أقل قوة أو جمالا أو إصرارا على الفوز. يبقى حلم أخير يخص اثنين فقط لم تسبق لى رؤيتهما وجها لوجه.. اثنين أتمنى رؤيتهما غدا وسط آلاف المصريين فى استاد القاهرة.. الأول هو أيمن عفت.. والد مصطفى الذى مات كأول ضحية فى مصر لأنفلونزا الخنازير وسالت من فمه الدماء وهو يحلم بتأهل مصر لكأس العالم.. وأنا عاجز عن الشكر اللائق للمهندس حسن صقر الذى قدم تذكرتين فى المقصورة الأمامية لوالد مصطفى ووالدته ليكون الاثنان حاضرين غدا ومنتخب مصر يحقق آخر حلم وآخر وصية لمصطفى.. أما الثانى.. فهو علاء مبارك.. الذى أتمنى له صادقا ومخلصا أن يخرج من أحزانه ويذهب غدا مع أيمن ويجلس بجواره وسط كل المصريين وفى قلب كل المصريين. [email protected]