وقفت أمام خبير علاج الإدمان، فشلت فى إخفاء أحزانها، بين جفنيها تحجرت دمعة، جاهدتها بكل قوتها حتى لا تسقط. قالت بصوت منكسر: «كيف حاله، قلبى يأكلنى عليه، لم أستطع إخبار والده، سيحدث شرخ فى العائلة لن يلتئم إذا علم أحد بحكايته، أنا سليلة أسرة قدمت إلى الوطن وزراء وأبطالاً فى كل المجالات، أصبحت الآن أم مدمن للمخدرات!!» وأطلقت العنان لشلال من الدموع واختفت. سألت عن حكاية ابنها – ويا ليتنى ما سألت – فهو تخرج منذ سنوات قليلة فى وظيفة مهندس بحرى، عمل على مركب يتنقل بين دول العالم، تزوج وأنجب طفلين، انزلق إلى عالم الكيف وأدمن شم الهيروين، لم يكف دخله لسد مطالب أنفه، تحرك فى الطريق الطبيعى لأى مدمن، امتدت يده إلى مصوغات زوجته وبعدها سرق والدته، وفى كل مرة كانت تلقى التهمة على الشغالة، عندما مد يده إلى خزينة والده اكتشفت أمه الكارثة، واجهته فبكى واعترف لها بأنه أدمن شم الهيروين، لطمت وجهها وجلست تبكى إلى جواره، طالبته بأن يخرج من البيت وألا يعود، وراحت تتذكر كيف كانت تدافع عنه أمام والده، وتنكر اتهامها بتدليله. عاد إلى شقته فى الحى الراقى، وقرر أن يحبس نفسه إلى أن يشفى من الإدمان، نعم لقد حبس نفسه، لكنه حوّل حجرته إلى وكر لتعاطى المخدرات، عندما حاولت زوجته إخفاء المال عنه، حمل الصغيرين – على طريقة قطاع الطرق - ووضع السكين على عنق أحدهما وراح يخيرها بين حياة طفليها أو تسليمه كل الأموال التى تخفيها، لم تشفع عنده دموعها ولا صرخات الصغير وهو يردد «بلاش تدبحنى يا بابا»، رضخت لأوامره واستدعت والدته، التى أخذته إلى مركز علاج الإدمان وتركت زوجته والطفلين يقتلهم الرعب، بعد أن أخذت عهداً من الزوجة الشابة ألا تخبر أحد بمصيبتهما. خبير علاج الإدمان قال إن علاج المريض مسألة مقدور عليها، لكن الذى أصبح شبه المستحيل هو انتشار تجار السموم فى كل مكان.. إدمان المخدرات أصبح مثل السوس ينخر فى جسد الوطن، هدم أسراً لا تحصى، وتعانى منه أسر أخرى توشك أن تنهار. سألته عن السبب الذى يدفع إنساناً – يميزه العقل – لأن يبدد صحته وأمواله من أجل أن يلغى عقله ويغيبه ويعيش فى «اللا وعى»، أجابنى بابتسامة ساخرة: «يكفى لذلك فقط أن يتابع جلسات مثل مؤتمر الحزب الوطنى!!». [email protected]