أنهى الحزب الوطنى مؤتمره.. وأنهت حكومته استعراض إنجازاتها، وانطلقت البشارات لكل فئات الشعب.. غداً يدخل الفلاحون عصرهم «الذهبى»، ويبدأ العمال عصرهم «الفضى»، وتنفتح أبواب الأمل أمام «الفقراء»، سترتفع الأجور ويتحسن مستوى المعيشة، وستزيد السيارات فى شوارع القاهرة دلالة على ذلك.. تلك إذن حكومة لا تنسى أحداً من رعاياها، وحزب يضع الجميع فى اعتباره، لا يفرق بين فئة وفئة، ولا طبقة وأخرى.. الجميع سواء أمام «ثورة التطوير والتحديث»، ورعاية الجميع فرض على «الحكومة الذكية» وخدماتها فى متناول الجميع، حتى إنها «يا مؤمن» لم تنس اللصوص بعطفها. لماذا تتعجب؟! أليس هؤلاء اللصوص فئة من الشعب لهم ما لك.. ولهم أيضاً «مالك».. ويستحقون مثلك رعاية وتأميناً و«أماناً»؟. لهذا دخلت الحكومة فى مواجهة غير مسبوقة مع الأممالمتحدة ومنظمات دولية ومدنية مرموقة، وتحفظت على آلية المراقبة فى الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، التى تدعمها الأممالمتحدة مع 141 دولة وتقف فى مواجهتها جميعاً ومعها 4 دول فقط، لكنها مازالت ثابتة وراسخة فى موقفها الصلب. تعودت أن تفرط فى اتهاماتك لتلك الحكومة بالتبعية والانصياع للغرب والبنك الدولى والولايات المتحدة، وأحياناً تصل اتهاماتك إلى العمالة والتخوين والتفريط، لكنك الآن أمام مثال حقيقى لصمود حكومتك أمام قوى «الإمبريالية الجديدة»، التى تحاول، مستخدمة الأممالمتحدة، أن تحافظ على المال العام الوطنى لكل دولة، وأن تعقد اتفاقية تضمن ملاحقة لصوص المال العام فى جميع دول العالم واستعادتهم واستعادة ما استولوا عليه من أموال، حتى لو حصلوا على جنسيات جديدة. لست فى حاجة إذن بعد تلك الاتفاقية إلى اتفاقيات تسليم مجرمين أو غير ذلك من المعوقات التى تجعل بلاداً مثل بريطانيا وغيرها، ملجأ آمناً، ووقتها ستسقط كل نهايات الأفلام السينمائية، التى كانت تجعل اللص يهرب من البلاد عبر المطار أو يضبط فيه قبل هروبه، لكن حكومتك التى لا تقبل «بكل وطنية وإباء وشمم» أى تدخل دولى فى شؤونها، رغم قبولها الاتفاقية، ترفض آلية المراقبة وترفض نشر تقارير مراقبة إجراءات مكافحة الفساد لتكون معروفة لديك. منحتك الأممالمتحدة حق مراقبة المال العام باعتبارك المعنى بذلك، وباعتباره مالك أنت، وتحاول أن تمنحك حصانة عند الإبلاغ عن الفساد وصفة فى الإبلاغ تجعل المحاكم لا ترفض دعواك لتقديمها من غير ذى صفة، تراك الأممالمتحدة صاحب المصلحة وصاحب المال، وتفرض فى اتفاقيتها قواعد للإفصاح والشفافية، وأجهزة مستقلة للرقابة ودوراً للمجتمع المدنى، وحرية تداول للمعلومات، كل ذلك من أجلك، وكان التصديق على هذا الاتفاق يكفى الحكومة شرفاً أمام مؤتمر حزبها، لتباهى به وتقول للناس إن عصر لصوص المال العام الهاربين انتهى. لكنها حكومة «وطنية صامدة» لا تقبل التدخل الدولى.. هى حكومة «سيدة قرارها»، وأى إصلاح تنشده لابد أن يأتى من داخلها ولا تفرضه القيم الدولية العجيبة التى تحرص على حماية الأموال الوطنية المملوكة للشعوب، هى حكومة تريد أن تفعل ذلك بطريقتها الخاصة، بأجهزة تابعة لها بشكل مباشر، تعد التقارير عن الفساد، فتضعها فى الأدراج، ترفع تقاريرها لمجلس الشعب فينتقل لجدول الأعمال، أما حرية المعلومات وحصانة المبلغين والرقابة الدولية ونشر النتائج فتلك «شكليات» استعمارية لا تقبلها حكومتك الوطنية الرشيدة. لا تعتقد أن الحكومة أرادت بذلك حماية لصوص تعرفهم، فللأسف الشديد أن الاتفاقية لا تطبق بأثر رجعى، بمعنى أن من سرق وهرب فلت، ومن سرق وأخرج أمواله استقر، تلك اتفاقية تستهدف لصوص المستقبل، لصوص الغد وما يستجد منهم. من أجلك أنت إذن أيها الفلاح وضعت الحكومة برامجها لرعايتك.. ومن أجلك أنت أيها العامل وضع الحزب الوطنى خططه.. ومن أجلكم أنتم أيها الفقراء يفكر الحزب وحكومته ولا ينامون الليل.. ومن أجلك أيضاً أيها اللص، تعارض الحكومة أى محاولات جادة لمكافحة الفساد وتعرقل أهم إنجاز إنسانى للحفاظ على موارد الشعوب. من حقك أيضاً أن تفخر بحكومتك وهى تعرقل اتفاقاً يضمن مكافحة الفساد جذرياً، فيما يخص المال العام، فيما تدعم الاتفاق دول مثل شيلى ونيجيريا وبنين والسودان وغانا... إلخ... إلخ... إلخ. الغريب طبعاً أن حكومتك مازالت تصر على طبقيتها وجهودها الدائمة لخدمة «الناس اللى فوق».. هى تقريباً تمد مظلة رعايتها للصوص «السوبر»، الذين يمتلكون القدرة على نهب المال العام والهروب به.. لكنها تنسى محدودى الدخل من «حرامية الغسيل.. ونشالى الأتوبيسات» وهذا تفريق غير جائز قانوناً بين اللصوص.. قليل من العدل يا حكومة!!! [email protected]