رئيس "المصرية اليابانية": جامعة حكومية بتخصصات متفردة ومنح للدراسة في اليابان    رئيس جامعة القاهرة يشارك في التصويت بانتخابات صندوق الزمالة    محافظ أسيوط يعلن تخفيض الحد الأدنى للقبول بالثانوي العام إلى 207 درجة وفصول الخدمات إلى 188 للعام الدراسي الجديد    تنسيق الجامعات 2025، كيفية تقليل الاغتراب بين الكليات والمعاهد وموعد التسجيل    البنك التجاري الدولي يرفع حد شراء العملات الأجنبية للمسافرين إلى 10،000 دولار أمريكي    وزيرة التخطيط تناقش مع نظيرتها الأردنية الجهود المشتركة لتحقيق التنمية الاقتصادية    قواعد عمل لجان تحديد قيمة الأجرة الشهرية للشقق المؤجرة وفق قانون الإيجار القديم    خطة «الزراعة» لحماية الثروة الحيوانية من العترة الجديدة لفيروس الحمي القلاعية.. فاروق: بدء حملة التحصين الشاملة يوم السبت المقبل.. والصياد: حصر رؤوس المواشي    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ونظيره السعودي    الأهلي يواصل استعداداته لمواجهة فاركو في الجولة الثانية من الدوري الممتاز    سيارات معفاة جمركيا.. التحقيق مع "مستريح جديد" في القاهرة    الأرصاد: الموجة شديدة الحرارة مستمرة حتى الجمعة وحرارة أسوان تقترب من 50 درجة    تأجيل محاكمة 12 متهما بقتل شخص والشروع فى قتل آخرين بالقليوبية إلى أكتوبر المقبل دون    أستاذة تاريخ تكشف مفاجأة عن أسطورة إلقاء الفتيات في النيل كقربان    السبكي: تطوير التدريب الطبي والبحوث لرفع جودة الخدمات ب«التأمين الشامل»    إخلاء كامل.. تفاصيل حريق مستشفى حلوان العام    وزير السياحة والآثار: 41% من المنشآت الفندقية تطبق اشتراطات الممارسات الخضراء    آخرهم حسام البدري.. 5 مدربين مصريين حصدوا لقب الدوري الليبي عبر التاريخ    بين الاجتهاد البشري والذكاء الاصطناعي، نقاشات حول مستقبل الفتوى الرقمية في مؤتمر الإفتاء (صور)    مدبولي يشهد توقيع عقد إنشاء مصنع مجموعة سايلون الصينية للإطارات    اتصالان لوزير الخارجية مع نظيره الإيراني والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية    "الشناوي في حتة تانية".. تعليق ناري من الحضري على مشاركة شوبير أساسيا مع الأهلي    وزير الدفاع السوري يزور العاصمة التركية الأربعاء    وزير الخارجية يبحث مع نظيره السعودي تطورات الأوضاع في غزة    مجلس الوزراء ينعي علي المصيلحي ويقف دقيقة حداد في بداية اجتماعه    وزير التربية والتعليم يكرم الطلاب أوائل مدارس النيل المصرية الدولية    "التضامن": ملف الطفولة المبكرة على رأس أولوياتنا لتعزيز الريادة في رعاية جيل المستقبل    أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    نيوكاسل يتعاقد رسميًا مع ماليك ثياو    "قوية ورادعة".. وزارة الرياضة تعلق على عقوبات جماهير الزمالك    الصحة: حريق محدود دون إصابات بمستشفى حلوان العام    وزير الري يتابع المشروعات التنموية في سيناء    شجرة أَرز وموسيقى    إبراهيم عبد المجيد عن «ثلاثية الإسكندرية»: طفولتي كانت فيها    قافلة المساعدات المصرية ال 14 تنطلق إلى قطاع غزة    موعد مباراة باريس سان جيرمان وتوتنهام في صراع السوبر الأوروبي    الاحتلال ينسف مجموعة كبيرة من المنازل في حي الزيتون جنوب شرق غزة    رئيس جامعة القاهرة يشارك في التصويت بانتخابات صندوق الزمالة ويؤكد تعظيم موارده وتطوير خدماته    أسعار النفط تستقر بعد بيانات عن تباطؤ الطلب الأمريكي    مواعيد مباريات اليوم.. قمة باريس سان جيرمان ضد توتنهام بالسوبر الأوروبي    أمين عمر حكماً لمباراة بيراميدز والإسماعيلي بالدوري    طريقة عمل الفطير المشلتت الفلاحي، بأقل التكاليف    مصطفى كامل ل أنغام: عفا الله عما سلف    عاجل| أمريكا تستعد لتصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية    رسميًا.. قائمة أسعار الكتب المدرسية لجميع المراحل التعليمية 2025/2026 «تفاصيل وإجراءات الصرف»    أرباح تصل إلى 50 ألف دولار للحفلة.. تفاصيل من ملف قضية سارة خليفة (نص الاعترافات)    المتحدة تُطلق حملة توعية بمخاطر حوادث الطرق للحفاظ على الأرواح    كسر خط صرف صحي أثناء أعمال إنشاء مترو الإسكندرية | صور    4 أبراج تفتح لها أبواب الحظ والفرص الذهبية في أغسطس 2025.. تحولات مهنية وعاطفية غير مسبوقة    الشيخ رمضان عبد المعز: سيدنا إبراهيم قدوة في الرجاء وحسن الظن بالله    ما حكم الوضوء لمن يعاني عذرًا دائمًا؟.. أمين الفتوى يجيب    ما حكم ربط الحروف الأولى للأسماء بالرزق؟.. أمين الفتوى يجيب    الحماية المدنية بالغربية تسيطر على حريق هائل نشب بسيارة بالمحلة الكبرى    الفائز بجائزة الدولة التشجيعية ل"البوابة نيوز": نحتاج إلى آليات دعم أوسع وأكثر استدامة خاصة لشباب الفنانين    فترة تحمل لك فرصًا كبيرة.. حظك اليوم برج الدلو 13 أغسطس    للمرة الأولى.. كليات الطب البشري وحاسبات ضمن تنسيق المرحلة الثالثة 2025 للنظام القديم «ضوابط الالتحاق»    كيف أستغفر ربنا من الغيبة والنميمة؟.. أمين الفتوى يجيب    الشيخ رمضان عبدالمعز: قبل أن تطلب من الله افعل مثلما فعل إبراهيم عليه السلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. نوال السعداوى تكتب: اكتبى يا ابنتى ولا تبالى

اكتبى يا ابنتى ولا تبالى بالمدح أو الذم أو قضبان الحديد.
إذا كان القانون غير عادل أكسريه.
إذا كان العقل سجنك أطلقيه.
إذا كان الجسد قبرك حطميه.
لا تهادنى لا تخافى لا تنافقى السلطان والعبيد.
لا تنظرى وراءك لا تستسلمى لشهواتهم لا تكونى عشيقة أو جارية أو ملك اليمين، لا تكونى واحدة من زوجاتهم ولا سكرتيرة المكتب أو خادمة السرير، لا تقرئى أخبارهم وسهراتهم وجوائزهم فى مهرجانات الشعر والأدب الخليع، اكتبى يا ابنتى اكتبى، أشهرى قلمك صفعات حادة فى وجوه الجميع، ارفعى رأسك وافخرى بقصيدتك وقصتك وسيرتك الذاتية وروايتك وكل ما تكتبين، لا تدخلى بورصة الأدب، بؤرة الذكور العجائز، يحلمون بالعذراوات الحور العين.
تركبين سيارتهم وشهرتهم وفلوسهم، يستعبدونك باسم الأدب أو الحب أو الأبوة والحنان، تدقين لهم على الكمبيوتر، يمنحونك مقابل الصفحة أو الليلة أكلة لذيذة أو شقة من غرفتين أو جائزة الدولة التشجيعية، أو درجة الماجستير أو الدكتوراة، يكتبون عن إبداعك غير المسبوق مقالا غير مسبوق، فى الجريدة القومية الكبرى، تحققين طموحك الأدبى مقابل ليال قليلة من الهوان، يطفئون شبابك فى شيخوختهم المشبعة باليأس، وأمل الفياجرا الهش، يجددون شبابهم كما يجددون زوجاتهم، كما يجددون قطع الغيار فى السيارة أو الغسالة، يتهمونك بالفحشاء إن تطلعت إلى شاب من عمرك أو ساورك حلم الاستقلال أو الحرية.
تحررى منهم لا تخافى ألسنتهم الطويلة، وأيديهم الأطول، وأقلامهم الأكثر طولا، تنهش سمعتك إن خرجت من تحتهم، إن ارتفعت قامتك فوق قامتهم، إن كشفت عوراتهم، وفضحت أسرارهم، أو رفعت الغطاء عن فسادهم، المستور تحت دخان المباخر والتعاويذ المقدسة.
اكتبى يا ابنتى اكتبى، لا تخافى حصونهم وقلاعهم ونفوذهم، لا تفزعك أقوالهم عنك والاتهامات، لا تبالى إن حذفوا اسمك من قوائم الأدباء والأديبات، والشعراء والشاعرات، إن أخرجوك من زمرة النساء، إن جعلوك مسخا بلا هوية لا اسم ولا دين ولا وطن، اكتبى يا ابنتى بالقلم فوق الورق أو بلا قلم بلا ورق، اكتبى بقطعة حجر فوق جدران السجن، فوق حائط المطبخ أو المرحاض، فوق الأرض الجرداء فى الصحراء، فوق سطح القمر والشمس،
اكتبى بدمك فوق أى سطح، اكتبى عن السجينات تحت النقاب وأحزمة العفة الزائفات، والرجال الطلقاء كالبغال فى سوق البغاء وتعدد الزوجات، اكتبى عن الأطفال غير الشرعيين فى الشوارع بالملايين، يتحملون عقوبة الفحشاء عن آبائهم، يرث الابن الفحش عن الأب والجد، ترضع الأم المقهورة لبنها المسمم بالذل والخوف للمواليد، تصبح روابط الدم ورضاعة الكبير والصغير جواز مرور إلى الجنة أو النار.
اكتبى يا ابنتى لا تبالين بما يكتبون أو ما لا يكتبون، ما يقولون وما لا يقولون، شتائمهم فوق صدرك نياشين، صمتهم عن إبداعك وسام أكبر، يريدون منك أن تكونى مثلهم، تخافين السلطان ونار الجحيم، تبيعين نفسك من أجل الصعود إلى قمة الهرم، اكتبى لا تخافى السفح أو السفاح، أو الطلاق أو الفراق أو الزوجة الرابعة، أو قضية حسبة وسوء السمعة، أو قراراً بالاعتقال أو النفى أو الرجم.
أجعلى إبداعك بلا حدود، اكسرى الحدود، تجاوزى الخطوط الحمراء والصفراء، لا تهابى، ابداعك إعصار يعرى أوكار الفساد، يكتسح قلاعهم وحصونهم، لا يمكن لقوة أن تكسر قلمك، أو إزالة كلماتك من وجه الأرض والسماء، إبداعك يتجاوز زمانهم ومكانهم، وثوابتهم ومتغيراتهم، يرسم المستقبل الغيب المجهول لديهم، يخافون كلماتك الجديدة، يخافون النور وضوء الشمس، مثل الخفافيش لا يتحركون إلا فى الظلمة، من وراء العقل ومنطق العدل،
أنت الفائزة فى المعركة الأخيرة، هم مهزومون يجترون الخيبة والخواء، صراخهم رعد جاف دون المطر، أرضهم بور لا تنبت الزرع، خيولهم مريضة بالإيدز وفيروس الخنازير، سيوفهم فى الهواء مثل قصورهم بعد الموت، بيوتهم مليئة بالملل والضجر، زوجاتهم نادمات فى نهاية الأجل، يتخلى العجوز منهم عن امرأة خدمته العمر، يهجرها إلى فتاة صغيرة تقوده مفلسا إلى القبر.
اكتبى يا ابنتى، لا تنتمى إلى شللهم ونواديهم، أو جماعاتهم وأحزابهم وصحفهم وإذاعاتهم، أو يمينهم أو يسارهم أو الوسط، أو يمين الوسط ويسار الوسط، ووسط الوسط، لا تمسكى العصا من الوسط، لا تلوكى كلماتهم المكررة القديمة، لا تسبّحى بحمدهم ونعيمهم، لا تسْبحى معهم كالسمك الميت مع التيار، لا تجامليهم لا تخاطبيهم لا تبنى بينك وبينهم جسرا، ارفعى رأسك عاليا وعقلك أعلى من رأسك، وظهرك ارفعيه عن آخره، لا تنحنى لأى عاصفة، عواصفهم مثل سيوفهم هواء فارغ من هواء، نزوات عابرة زوبعة فى فنجان،
يتردد صداها فى أقمار صناعية مصنوعة، وقنوات فضائية لا تفضى لشىء، كلام فارغ من الكلام، رجال بورصة وأعمال، لا عمل لهم ولا جهد، إلا الضرب تحت الحزام، المزايدة فى المزايدات، الكسب السريع فى السوق الحرة، التجارة بالدين والدنيا، الربح المخطوف من فم الأطفال والأمهات الكادحات، فى الأرض والسماء، وعشش الزوجية الهشة.
كتبت بالأمس هذه الرسالة إلى واحدة من بناتى الكاتبات الجديدات، أمسكت قلمها ذات يوم وكتبت قصيدة شعر من بنات أفكارها، فى اليوم التالى رأت اسمها فى قائمة الموت والاغتيالات، وقوائم المتهمين فى قضايا الحسبة والخروج عن المعلوم من الدين، وسجلات وزارة الداخلية فى بوليس الآداب، وصلتها ورقة الطلاق فى البريد من زوجها الوحيد، وصورة حفل زفافه لفتاة أصغر من ابنته، وحصوله على الجائزة الكبرى فى الأدب والعلم والإيمان،
أصابها الاكتئاب والحزن العميق، ذهبت إلى طبيب نفسى أخذ مائتى جنيه وكتب لها أقراصاً زادتها حزنا واكتئابا، ألقت بالزجاجة فى صفيحة القمامة، ثم أمسكت دليل التليفون تطلب بعض الأقرباء والقريبات، تبددت الأسرة فى الهواء، الأبناء مشغولون بزوجاتهم وأطفالهم عن الأم، اختفى الأصدقاء والصديقات فى غمضة عين، تغلب الخوف من سطوة الدولة والدين على صداقات العمر، وصلات الرحم.
أخيرا رن الجرس فى بيتى، سألتها من هى؟ قالت واحدة من بناتك الكثيرات، اعذرينى نسيتك فى غيابك الأخير، اعذرينى لم أتصل بك ولم أكتب كلمة تساندك فى غربتك، رغم أن كتبك غيرت حياتى وشجعتنى على الإبداع، لكنهم خوفونى منك، قالوا إنك تنشرين الرذيلة وتعدد الأزواج والجنس قبل الزواج، وأنك تكتبين للغرب والأعداء،
كنت أعرف أنهم كذابون، لكنى أصبحت أخاف منهم، أخاف أن ينالنى من الأذى ما نالك، أن أتلقى من الضربات ما تلقيت، أن يطلقنى زوجى وينبذنى الأقارب والأغراب، أن أفقد عملى ومورد رزقى، أن تسوء سمعتى فى صحفهم ومجلات الأدب، يتجاهلون أشعارى وكتاباتى، يغتالون شخصيتى وتسوء سمعتى، وقد يرفعون ضدى قضية عن جريمة كافكاوية لم أقترفها.
أعترف لك أننى لست وحدى، هناك الكثيرات مثلى، نشعر بالأسف والخجل منك، تخلينا عنك وأنت التى فتحت أمامنا طريق الإبداع والشجاعة، فتحت عيوننا وعقولنا على معنى الحرية والكرامة والعدل، وقد سرنا فى الطريق، دفعنا ثمن حريتنا غاليا، لكن مهما ارتفع ثمن الحرية يظل أقل من ثمن العبودية، أليست هذه عبارتك الأولى فى أول كتاب لك؟
كتابك الأول الذى أهديته إلى أمك فى كلمات قليلة نادرة: «إلى زينب شكرى، المرأة العظيمة التى عاشت وماتت من أجلى، دون أن أحمل اسمها، أمى».
صباح اليوم قرأت خبراً صغيراً عن ديوانها الجديد، فى الصفحة الأخيرة من مجلة أدبية، وصورة لها تبتسم فى زهو، قلت لنفسى، لا شىء يضيع أبدا، لا شىء يضيع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.