إسرائيل تعلن اغتيال رئيس الأركان الإيراني الجديد    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 17 يونيو 2025 في كأس العالم للأندية    إصابة 8 مراقبين إثر تصادم سيارتين أثناء ذهابهم للجان امتحانات الثانوية العامة بقنا    بدء توافد طلاب الثانوية العامة لآداء امتحان اللغة الأجنبية الثانية    أسعار الخضروات والفاكهة اليوم 16 يونيو 2025    تشكيل الهلال المتوقع أمام ريال مدريد في كأس العالم للأندية    تراجع في 3 بنوك.. سعر الدولار اليوم ببداية تعاملات الثلاثاء    الجيش الإسرائيلي يزعم اغتيال رئيس هيئة أركان الحرب في إيران    «الأرصاد» تكشف حالة الطقس على القاهرة وجنوب الصعيد اليوم    الجد بدأ.. توافد طلاب الثانوية العامة بكفر الشيخ على اللجان لأداء امتحان اللغة الأجنبية الثانية    18 ألف طالب يؤدون امتحان اللغة الأجنبية الثانية للثانوية العامة بقنا    طلاب الأدبى بالثانوية الأزهرية فى الأقصر يؤدون امتحان الفقه اليوم.. فيديو    رغم حرارة الطقس.. أولياء الأمور يرافقون أبناءهم في ثاني أيام الثانوية العامة    تركي آل الشيخ يكشف كواليس زيارته لمنزل الزعيم عادل إمام    ابن النصابة، تعرف على تفاصيل شخصية كندة علوش في أحدث أعمالها    وزير دفاع أمريكا: نتبنى موقفا دفاعيا في المنطقة.. ونحافظ على يقظتنا واستعدادنا    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة| مواجهات نارية في كأس العالم للأندية 2025    "فقرات استشفائية".. الأهلي يواصل تدريباته استعداداته لمواجهة بالميراس    انقطاع واسع في خدمة الإنترنت في طهران    «سكاي أبوظبي»: 240 مليار جنيه مبيعات مشروع «رأس الحكمة»    بعد أزمة الاستبعاد.. جلسة صلح بين ريبيرو ونجم الأهلي في أمريكا (تفاصيل)    سعر الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 17-6-2025 مع بداية التعاملات    طريقة عمل كيكة الجزر، مغذية ومذاقها مميز وسهلة التحضير    8 أطعمة تصبح أكثر صحة عند تبريدها، والسر في النشا المقاوم    5 تعليمات من وزارة الصحة للوقاية من الجلطات    ترجمات| «ساراماجو» أول أديب برتغالي يفوز بجائزة نوبل أدان إسرائيل: «ما يحدث في فلسطين جريمة»    سلوفاكيا تجلي مواطنيها ومواطنين أوروبيين من إسرائيل عبر الأردن وقبرص    إيران تشن هجوما جديدا الآن.. إسرائيل تتعرض لهجمات صاروخية متتالية    موعد مباراة الأهلي القادمة أمام بالميراس في كأس العالم للأندية والقنوات الناقلة    بعد تصريحات نتنياهو.. هل يتم استهداف خامنئي الليلة؟ (مصادر تجيب)    3 أيام متتالية.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    إغلاق جميع منشآت التكرير في حيفا بعد ضربة إيرانية    سحر إمامي.. المذيعة الإيرانية التي تعرضت للقصف على الهواء    أشرف صبحي يكشف كواليس تدخلاته في أزمة زيزو.. ويؤكد دعمه الكامل للأهلي    وكالة إس إن إن: إيران تعتزم مهاجمة قاعدة جوية عسكرية إسرائيلية حساسة    ما هي علامات قبول فريضة الحج؟    بعد إنهاك إسرائيل.. عمرو أديب: «سؤال مرعب إيه اللي هيحصل لما إيران تستنفد صواريخها؟»    تفاصيل محاضرة ريبيرو للاعبي الأهلي    رئيس مدينة دمنهور يقود حملة مكبرة لإزالة الإشغالات بشوارع عاصمة البحيرة| صور    إلهام شاهين تروي ل"كلمة أخيرة" كواليس رحلتها في العراق وإغلاق المجال الجوي    حدث بالفن | عودة إلهام شاهين وهالة سرحان من العراق والعرض الخاص لفيلم "في عز الضهر"    بسبب إغلاق مطار بغداد.. إلهام شاهين تكشف تفاصيل عودتها لمصر قادمة من العراق    "سقوط حر" يكشف لغز جثة سوداني بفيصل    د.حماد عبدالله يكتب: وظائف خالية !!    "حقوق الإنسان" بحزب مستقبل وطن تعقد اجتماعًا تنظيميًا بحضور أمنائها في المحافظات    تراجع أسعار الذهب العالمي رغم استمرار الحرب بين إسرائيل وإيران    أمريكا: حالات الإصابة بمرض الحصبة تقترب من 1200 حالة    مستشارة الاتحاد الأوروبي: استمرار تخصيب اليورانيوم داخل إيران يمثل مصدر قلق    قطع أثرية بمتحف الغردقة توضح براعة المصريين القدماء فى صناعة مستحضرات التجميل    محافظ كفر الشيخ: إقبال كبير من المواطنين على حملة «من بدرى أمان»    ما الفرق بين الركن والشرط في الصلاة؟.. دار الإفتاء تُجيب    إيبارشية قنا تستقبل أسقفها الجديد بحضور كنسي    اتحاد المرأة بتحالف الأحزاب يعلن الدفع بمجموعة من المرشحات بانتخابات مجلسي النواب والشيوخ    وزير العمل والأكاديمية الوطنية للتدريب يبحثان تعزيز التعاون في الملفات المشتركة    لمست الكعبة أثناء الإحرام ويدي تعطرت فما الحكم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    ما هي علامات عدم قبول فريضة الحج؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    عضو ب«مركز الأزهر» عن قراءة القرآن من «الموبايل»: لها أجر عظيم    محافظ المنوفية: مليار و500 مليون جنيه حجم استثمارات قطاع التعليم خلال ال 6 سنوات الأخيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. نوال السعداوى تكتب: اكتبى يا ابنتى ولا تبالى

اكتبى يا ابنتى ولا تبالى بالمدح أو الذم أو قضبان الحديد.
إذا كان القانون غير عادل أكسريه.
إذا كان العقل سجنك أطلقيه.
إذا كان الجسد قبرك حطميه.
لا تهادنى لا تخافى لا تنافقى السلطان والعبيد.
لا تنظرى وراءك لا تستسلمى لشهواتهم لا تكونى عشيقة أو جارية أو ملك اليمين، لا تكونى واحدة من زوجاتهم ولا سكرتيرة المكتب أو خادمة السرير، لا تقرئى أخبارهم وسهراتهم وجوائزهم فى مهرجانات الشعر والأدب الخليع، اكتبى يا ابنتى اكتبى، أشهرى قلمك صفعات حادة فى وجوه الجميع، ارفعى رأسك وافخرى بقصيدتك وقصتك وسيرتك الذاتية وروايتك وكل ما تكتبين، لا تدخلى بورصة الأدب، بؤرة الذكور العجائز، يحلمون بالعذراوات الحور العين.
تركبين سيارتهم وشهرتهم وفلوسهم، يستعبدونك باسم الأدب أو الحب أو الأبوة والحنان، تدقين لهم على الكمبيوتر، يمنحونك مقابل الصفحة أو الليلة أكلة لذيذة أو شقة من غرفتين أو جائزة الدولة التشجيعية، أو درجة الماجستير أو الدكتوراة، يكتبون عن إبداعك غير المسبوق مقالا غير مسبوق، فى الجريدة القومية الكبرى، تحققين طموحك الأدبى مقابل ليال قليلة من الهوان، يطفئون شبابك فى شيخوختهم المشبعة باليأس، وأمل الفياجرا الهش، يجددون شبابهم كما يجددون زوجاتهم، كما يجددون قطع الغيار فى السيارة أو الغسالة، يتهمونك بالفحشاء إن تطلعت إلى شاب من عمرك أو ساورك حلم الاستقلال أو الحرية.
تحررى منهم لا تخافى ألسنتهم الطويلة، وأيديهم الأطول، وأقلامهم الأكثر طولا، تنهش سمعتك إن خرجت من تحتهم، إن ارتفعت قامتك فوق قامتهم، إن كشفت عوراتهم، وفضحت أسرارهم، أو رفعت الغطاء عن فسادهم، المستور تحت دخان المباخر والتعاويذ المقدسة.
اكتبى يا ابنتى اكتبى، لا تخافى حصونهم وقلاعهم ونفوذهم، لا تفزعك أقوالهم عنك والاتهامات، لا تبالى إن حذفوا اسمك من قوائم الأدباء والأديبات، والشعراء والشاعرات، إن أخرجوك من زمرة النساء، إن جعلوك مسخا بلا هوية لا اسم ولا دين ولا وطن، اكتبى يا ابنتى بالقلم فوق الورق أو بلا قلم بلا ورق، اكتبى بقطعة حجر فوق جدران السجن، فوق حائط المطبخ أو المرحاض، فوق الأرض الجرداء فى الصحراء، فوق سطح القمر والشمس،
اكتبى بدمك فوق أى سطح، اكتبى عن السجينات تحت النقاب وأحزمة العفة الزائفات، والرجال الطلقاء كالبغال فى سوق البغاء وتعدد الزوجات، اكتبى عن الأطفال غير الشرعيين فى الشوارع بالملايين، يتحملون عقوبة الفحشاء عن آبائهم، يرث الابن الفحش عن الأب والجد، ترضع الأم المقهورة لبنها المسمم بالذل والخوف للمواليد، تصبح روابط الدم ورضاعة الكبير والصغير جواز مرور إلى الجنة أو النار.
اكتبى يا ابنتى لا تبالين بما يكتبون أو ما لا يكتبون، ما يقولون وما لا يقولون، شتائمهم فوق صدرك نياشين، صمتهم عن إبداعك وسام أكبر، يريدون منك أن تكونى مثلهم، تخافين السلطان ونار الجحيم، تبيعين نفسك من أجل الصعود إلى قمة الهرم، اكتبى لا تخافى السفح أو السفاح، أو الطلاق أو الفراق أو الزوجة الرابعة، أو قضية حسبة وسوء السمعة، أو قراراً بالاعتقال أو النفى أو الرجم.
أجعلى إبداعك بلا حدود، اكسرى الحدود، تجاوزى الخطوط الحمراء والصفراء، لا تهابى، ابداعك إعصار يعرى أوكار الفساد، يكتسح قلاعهم وحصونهم، لا يمكن لقوة أن تكسر قلمك، أو إزالة كلماتك من وجه الأرض والسماء، إبداعك يتجاوز زمانهم ومكانهم، وثوابتهم ومتغيراتهم، يرسم المستقبل الغيب المجهول لديهم، يخافون كلماتك الجديدة، يخافون النور وضوء الشمس، مثل الخفافيش لا يتحركون إلا فى الظلمة، من وراء العقل ومنطق العدل،
أنت الفائزة فى المعركة الأخيرة، هم مهزومون يجترون الخيبة والخواء، صراخهم رعد جاف دون المطر، أرضهم بور لا تنبت الزرع، خيولهم مريضة بالإيدز وفيروس الخنازير، سيوفهم فى الهواء مثل قصورهم بعد الموت، بيوتهم مليئة بالملل والضجر، زوجاتهم نادمات فى نهاية الأجل، يتخلى العجوز منهم عن امرأة خدمته العمر، يهجرها إلى فتاة صغيرة تقوده مفلسا إلى القبر.
اكتبى يا ابنتى، لا تنتمى إلى شللهم ونواديهم، أو جماعاتهم وأحزابهم وصحفهم وإذاعاتهم، أو يمينهم أو يسارهم أو الوسط، أو يمين الوسط ويسار الوسط، ووسط الوسط، لا تمسكى العصا من الوسط، لا تلوكى كلماتهم المكررة القديمة، لا تسبّحى بحمدهم ونعيمهم، لا تسْبحى معهم كالسمك الميت مع التيار، لا تجامليهم لا تخاطبيهم لا تبنى بينك وبينهم جسرا، ارفعى رأسك عاليا وعقلك أعلى من رأسك، وظهرك ارفعيه عن آخره، لا تنحنى لأى عاصفة، عواصفهم مثل سيوفهم هواء فارغ من هواء، نزوات عابرة زوبعة فى فنجان،
يتردد صداها فى أقمار صناعية مصنوعة، وقنوات فضائية لا تفضى لشىء، كلام فارغ من الكلام، رجال بورصة وأعمال، لا عمل لهم ولا جهد، إلا الضرب تحت الحزام، المزايدة فى المزايدات، الكسب السريع فى السوق الحرة، التجارة بالدين والدنيا، الربح المخطوف من فم الأطفال والأمهات الكادحات، فى الأرض والسماء، وعشش الزوجية الهشة.
كتبت بالأمس هذه الرسالة إلى واحدة من بناتى الكاتبات الجديدات، أمسكت قلمها ذات يوم وكتبت قصيدة شعر من بنات أفكارها، فى اليوم التالى رأت اسمها فى قائمة الموت والاغتيالات، وقوائم المتهمين فى قضايا الحسبة والخروج عن المعلوم من الدين، وسجلات وزارة الداخلية فى بوليس الآداب، وصلتها ورقة الطلاق فى البريد من زوجها الوحيد، وصورة حفل زفافه لفتاة أصغر من ابنته، وحصوله على الجائزة الكبرى فى الأدب والعلم والإيمان،
أصابها الاكتئاب والحزن العميق، ذهبت إلى طبيب نفسى أخذ مائتى جنيه وكتب لها أقراصاً زادتها حزنا واكتئابا، ألقت بالزجاجة فى صفيحة القمامة، ثم أمسكت دليل التليفون تطلب بعض الأقرباء والقريبات، تبددت الأسرة فى الهواء، الأبناء مشغولون بزوجاتهم وأطفالهم عن الأم، اختفى الأصدقاء والصديقات فى غمضة عين، تغلب الخوف من سطوة الدولة والدين على صداقات العمر، وصلات الرحم.
أخيرا رن الجرس فى بيتى، سألتها من هى؟ قالت واحدة من بناتك الكثيرات، اعذرينى نسيتك فى غيابك الأخير، اعذرينى لم أتصل بك ولم أكتب كلمة تساندك فى غربتك، رغم أن كتبك غيرت حياتى وشجعتنى على الإبداع، لكنهم خوفونى منك، قالوا إنك تنشرين الرذيلة وتعدد الأزواج والجنس قبل الزواج، وأنك تكتبين للغرب والأعداء،
كنت أعرف أنهم كذابون، لكنى أصبحت أخاف منهم، أخاف أن ينالنى من الأذى ما نالك، أن أتلقى من الضربات ما تلقيت، أن يطلقنى زوجى وينبذنى الأقارب والأغراب، أن أفقد عملى ومورد رزقى، أن تسوء سمعتى فى صحفهم ومجلات الأدب، يتجاهلون أشعارى وكتاباتى، يغتالون شخصيتى وتسوء سمعتى، وقد يرفعون ضدى قضية عن جريمة كافكاوية لم أقترفها.
أعترف لك أننى لست وحدى، هناك الكثيرات مثلى، نشعر بالأسف والخجل منك، تخلينا عنك وأنت التى فتحت أمامنا طريق الإبداع والشجاعة، فتحت عيوننا وعقولنا على معنى الحرية والكرامة والعدل، وقد سرنا فى الطريق، دفعنا ثمن حريتنا غاليا، لكن مهما ارتفع ثمن الحرية يظل أقل من ثمن العبودية، أليست هذه عبارتك الأولى فى أول كتاب لك؟
كتابك الأول الذى أهديته إلى أمك فى كلمات قليلة نادرة: «إلى زينب شكرى، المرأة العظيمة التى عاشت وماتت من أجلى، دون أن أحمل اسمها، أمى».
صباح اليوم قرأت خبراً صغيراً عن ديوانها الجديد، فى الصفحة الأخيرة من مجلة أدبية، وصورة لها تبتسم فى زهو، قلت لنفسى، لا شىء يضيع أبدا، لا شىء يضيع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.