بتنا نعيش وسط سلسلة من العروض.. عروض كبيرة وعروض صغيرة ومع كل عرض كبر أم صغر تقوم الدنيا ولا تقعد.. من أنفلونزا الخنازير إلى ترشيحات الرئاسة إلى مبادرة هيكل ثم موقعة «أم درمان» الكروية ووصلة الردح المصرية- الجزائرية.. ثم بات الموسم موسم البرادعى.. ما إن فتح الرجل فمه حتى انهالت عليه الطلقات، خرجوا جميعاً فى أعقابه، وكأن هناك من أطلقهم وراءه.. لكننا لا نعدم فى الوقت نفسه عروضاً صغيرة مثل قضية «هشام طلعت مصطفى» ومعارك مرتضى منصور وقصص «شوبير» وغيرها الكثير، لم تعد هناك فقط زحمة بشر وزحمة سير تخنق الشوارع بل باتت هناك زحمة عروض، هناك دائماً ما يقدم على مسرح هذا المجتمع ويدفعنا إلى أن ننشغل وننفعل به، ثم تدريجياً تهدأ الأمور ويطويها النسيان ولا نعود نفكر فيها، فقد اختلقنا قصة جديدة، وأخذ اهتمامنا عرض حديث!! يأخذنا الزحام طوال النهار، ولكن فى نهاية النهار تبقى فى رؤوسنا عناوين قليلة، يستقر شىء ليشغل رؤوسنا دون غيره، وعندما تهدأ الضجة وتخفت كل الأشياء يظل شىء باقياً.. معلقاً فى الذهن. تختفى كل العروض وكل الأفعال لتظل «بقايا النهار» تترسب فى القاع لتحتل رؤوسنا وتدفعنا للتفكير والتأمل والتساؤل.. قد نغمض أعيننا وننساها فى الصباح لتدور فى دوامة عروض جديدة وزحام جديد.. بينما الحقيقة أننا يجب أن نتوقف أمامها طويلاً لنكف عن أن نكون مفعولاً به طوال كل هذه العروض اليومية الكثيرة، يستخدمنا النظام السياسى وتستخدمنا الحكومة وتستخدمنا كل وسائل الإعلام.. مباراة يومية فى العروض المقدمة بعضها يهتف لهذا، والآخر يصفق لذاك، ونحن لا نفعل شيئاً سوى ترك أنفسنا لهم جاهزين للاستخدام، يريدون منا ألا نقلق من أنفلونزا الخنازير فلا نقلق.. ثم يعودون ليطالبونا بالقلق والحذر.. يدور العرض حول الترشيحات الرئاسية فيريدون منا أن ندخل اللعبة بينما يريد منا الآخرون أن نعتبر أنه لا توجد فى الأصل لعبة!! ونظل فى حالة شد وجذب حتى يخرج هيكل بمبادرته يطلب منا أن نفكر فيها، ويطلبون منا أن نلعنه، ولا تهدأ معركة هيكل حتى تبدأ معركة «البرادعى» فيسارعون إلى الانطلاق فى أعقابه، ومطلوب منا أن نرجم معهم!! وفى الوسط يستلهمون فرصة تصفيات المونديال فيقررون إيقاظ مشاعرنا الوطنية فترتفع الأعلام مع الأحلام ويختفى التاريخ الوطنى ليحل محله التاريخ الكروى، وتقع موقعة «أم درمان» فيصبح مطلوباً منا أن نصعد إلى أعلى مراحل الغضب، ثم يصبح مطلوباً منا بعد بضعة أيام أن نهدأ.. يتحدثون أولاً عن كرامة المصرى ثم ينسونها ليتحدثوا عن العلاقات الوثيقة بين الأشقاء!! يديروننا، بالريموت كنترول، عقولنا وقلوبنا رهن ضغطة على الزر وما عدنا نمتلك أياً منها.. ووسط هذا الزحام والضجة والصراخ وتسويق المصالح والمكاسب والسياسات نغدو مفعولاً بنا، وفى نهاية النهار علينا أن نتوقف لنقطع هذا الخط الذى يربطنا بهم جميعاً لنعود للحظة إلى أنفسنا إلى عقولنا.. إلى قلوبنا.. لنفتش فى «بقايا النهار» عن الشىء الحقيقى الذى نريد أن نقول فيه كلمتنا. [email protected]