تواصل «المصرى اليوم» نشر حواراتها مع عدد من الرموز اليمنية لاستشراف الأوضاع فى اليمن.. وحوار اليوم مع يحيى بدرالدين الحوثى الذى يعيش فى ألمانيا منذ 2004 رغم عضويته فى البرلمان اليمنى. وهو الابن الثانى للشيخ بدرالدين، مؤسس جماعة الحوثيين، والشقيق الأكبر لحسين الحوثى الذى كان قبل مقتله الرجل الأول فى التنظيم. يتولى يحيى الآن الملف السياسى ويديره من ألمانيا، فى هذا الحوار يفتح يحيى الحوثى أوراقه ويتحدث عن كواليس الحرب الحالية وأسباب التدخل العسكرى السعودى، ويرصد انتشار الدعوة السلفية فى اليمن، ويربط بينها وبين تحالف النظام مع قيادات الرياض.. وفى الحوار مزيد من التفاصيل. ■ قبل الحرب الأخيرة ب5 أعوام، فى 2004 والمواجهة الأولى تندلع بين الحوثيين والقوات اليمنية وتنتهى بوفاة شقيقك حسين الحوثى ويتولى الوالد بدرالدين الحوثى القيادة، وتذهب أنت إلى ألمانيا.. فى تلك الظروف العصيبة ألا يبدو قرار الابتعاد غريباً بعض الشىء؟ - بالنسبة لى قرار الرحيل إلى ألمانيا لا يحمل أى غرابة، لأننا كنا قد عقدنا صلحا مع السلطة استمر لأشهر فسافرت خلالها، وفوجئت بالحرب الثانية وأنا فى الخارج، وأصبح الطريق أمام عودتى مقطوعاً. ■ الحروب التى خاضها الحوثيون انتهى بعضها بقرار من الجيش، وبعضها بوساطة قطرية.. أما الحرب الحالية فتستمر منذ 3 أشهر ويبدو أنها بلا نهاية خاصة بعد اشتراك السعودية؟ - لكل شىء سوى الله نهاية، وأنا أعمل فى الخارج على وقف الحروب بقدر استطاعتى. ■ الحكومة اليمنية تحدثت عن «حرب ضد الانفصاليين ودعاة الإمامة الزيدية» وعلى الرغم من ذلك فالرئيس اليمنى نفسه زيدى ورئيس تجمع اللقاء المشترك المعارض زيدى، وحتى السيد طارق الشامى المتحدث باسم الحزب الحاكم زيدى.. فما حقيقة ما يحدث؟ هل هو صراع داخل المذهب؟ أم حرب أهلية؟ أم تصفية حسابات لم تحسم منذ أعوام؟ - الحرب التى يخوضها إخواننا دفاعية عن الأنفس والأهالى والممتلكات والأعراض وما كفله الدين والقوانين من حق التعبير والحرية، وشعبنا معتاد على الحروب الداخلية بينه وبين سلطة على عبد الله صالح منذ بداية حكمه، وليست لأجل مذهب معين ولا فئة معينة ولا حزب ولا توجه معين، كما أنها ليست لأجل عودة الحكم السابق. ■ فى 1993 فاز شقيقكم المرحوم حسين بمقعد الدائرة 294 فى صعدة، وبعده ترشحتم 2003 عن نفس الدائرة وعلى قائمة الحزب الحاكم وتحتفظ بعضويتك فى البرلمان اليمنى، ثم فجأة تشتعل المعارك بين حكومة تمثل حزبك الذى ترشحت عنه والحوثيين الذين تقودهم أسرتك.. ما الذى حدث؟ - ترشحت فى انتخابات 2003 بصفة مستقل ولم أترشح عن الحزب الحاكم بل كان المنافس لى فى هذه الانتخابات هو من الحزب الحاكم، وبعد الانتخابات طلبوا منى واثنين آخرين الانضمام لكتلة الحزب، وأعلنت انسحابى من تلك الكتلة ولم أحمل بطاقة عضوية من الحزب. ■ فى كل مرة يعلن النظام اليمنى أنه حقق انتصاراً حاسماً، ثم يعود لحرب جديدة ضد الحوثيين.. هل ترى الحرب السادسة نهاية لهذا الصراع الدامى؟ - على عبدالله صالح يتاجر بالدماء اليمنية منذ بداية سلطته، فلا تستغربوا منه الخروج من حرب ليدخل فى حرب أخرى، بالإضافة إلى أنه يخوض حروباً بالوكالة عن آخرين فى الخارج، ويحاول أن يكون ملكياً أكثر من الملك، مع ما يعانيه من الفشل فى إدارة البلاد، حيث خسر كل مقومات البقاء فى السلطة فهو يحارب ليبقى فى السلطة، ولو خرج من حروبه معنا لتوجه لإشعال حروب أخرى، طبعا داخلية، كوسيلة للبقاء، وما يدعيه من انتصارات ليس سوى جرائم يقترفها بحق الشعب والوطن. ■ السؤال الذى يحير الجميع.. من أطلق الرصاصة الأولى، من كسر الهدنة ودفع اليمنى ليقتل أخيه اليمنى فى صعدة؟ السلطة تتحدث عن محاولات انقلاب على نظام الجمهورية ودعاوى لعودة الملكية وكمائن لتوقيف وتفتيش المواطنين ورفضكم إلقاء السلاح وتسليم المديريات الشمالية؟ - كما أوضحت لكم عن طبيعة على عبدالله صالح وحاجته إلى خوض الحروب، فهو من يختلق المشاكل ويعجز عن الحلول، وهو من بدأ الحرب ضد أهلنا فى الشمال واستخدم قوة الدولة لقتلهم وتدمير حياتهم ونهب ممتلكاتهم، ثم هو يحتاج إلى غطاء لتلك الحروب فصّلها فى شكل ادعاءاته الباطلة والمتناقضة وتهمه الكثيرة، كما أنه هو من أعلن نهاية اتفاقية قطر ليشن الحربين الخامسة والسادسة، ولكم أن تراجعوا ذلك فى جريدة الحياة وفى قناة الجزيرة، أما السلاح فحين لا يكون حمله ضرورة حياتية كضرورة الماء والهواء، فسيلقى، مع أن اتفاقية قطر قد وضعت حلولاً لموضوع السلاح، وعن الدعوة إلى الملكية لو كان ذلك من قبلنا لأعانتنا السعودية، أما المديريات فلم نستول عليها إلا عندما تحول الموظفون فيها إلى محاربين وحولوا المبانى الحكومية إلى ثكنات عسكرية. ■ شقيقكم عبدالملك الحوثى قال فى حوار مع «النهار» اللبنانية إن الطائرات السعودية تقصف صعدة منذ رمضان الماضى، والآن لم تعد المسألة مجرد قصف بل تدخلت المدفعية وأعلنت الرياض رغبتها فى منطقة عازلة.. كيف ترون التدخل السعودى؟ - أخى عبدالملك صادق فيما قال، وبرأيى أن التدخل السعودى قد جاء لحاجة الأسرة المالكة إلى ذلك، نتيجة لصراع بين الأمراء، والتنافس بينهم على الزعامة والوزارات والثروة، إضافة إلى أنها جاءت كمحاولة لإنقاذ على عبدالله صالح نفسه من إعلان إيقاف الحرب، لكن المملكة خسرت ما هو أكثر أهمية من الرئيس اليمنى. ولاشك أن التخويفات التى سربها إليهم النظام فى اليمن قد أثرت عليهم ودفعتهم إلى الدخول المباشر فى حرب لا مبرر لها. ■ لكن الحكومة اليمنية أعلنت مبادرة من 6 نقاط لوقف الحرب، ووصفتموها بأنها وثيقة استسلام دون إبداء الأسباب أليس رفض الحوثيين هو ما دفع الحكومة لمزيد من العنف؟ - تضمنت اتفاقية الدوحة حلولا أساسية وهى موقعة من الطرفين، وفرض نقاط محددة، لم تضمن لنا أبسط الحقوق فضلاً عن أن نقطة منها قد أسقطتها السلطة وهى المتعلقة بالكشف عن مصير أجانب مخطوفين فى مدينة صعدة كانت خطفتهم السلطة لغرض إلصاق التهمة بإخواننا. ■ ماذا عن اتهام حكومتى صنعاء والرياض للحوثيين بتلقى أسلحة وأموالاً من إيران لخلق جيب شيعى على البحر الأحمر؟ - الحديث عن الدعم الإيرانى وهم كبير، وجزء من الأوهام التى أراد بها النظام تخويف الرياض، ولم يستطيعوا أن يثبتوا ذلك ولا بدليل واحد، فالنظام اليمنى يردد تلك الخرافات لإدخال أعداء إيران معهم فى الحرب ضدنا بعد أن عجزوا عن تحقيق ما يريدونه من إبادة للحوثيين. ■ الحكومة تعلن قرب «الانتصار» والحوثيون يعلنون السيطرة على أكثر من 100 موقع عسكرى وإزاحة الجيش عنها.. فكيف ترى الوضع ميدانياً؟ - الوضع الميدانى الدقيق يعرفه الإخوة فى الميدان، ولكنى أتشرف بخدمة إخوانى، بما أقدر عليه فى المجالات التى يسمح لى وضعى بالعمل فيها كالإعلام وما أشبه. ■ هناك سيل شبه يومى من الصور ومقاطع الفيديو يظهر مقاتلين حوثيين جرحى أو هكذا تعلق وسائل الإعلام اليمنية؟ - هناك ملاحظة لم يتنبه الكثير لها وهى: حينما تكون الحرب فى بلاد واسعة ومأهولة بالسكان يوجد فيها الكثير من الشهداء ومن المصابين من جراء الحرب الدائرة فى القرى والمزارع والأسواق، ومن جميع الفئات العمرية فيظن البعض أن المصابين مقاتلون، وكأنهم يتقاتلون على سطح القمر حيث لا يوجد أحد، وليس بين قرى مكتظة بالسكان، بينما السلطة لا تفرق بين المقاتلين والمدنيين. وتصور الجرحى من المدنيين وكأنهم مقاتلون حوثيون. ■ تتهمكم صنعاء باستخدام الأطفال فى الحرب؟ - وسائل الإعلام الحكومية فى اليمن معروفة فى البلاد بالفوضوية وعدم توخى الدقة، وأسلوبها لتشويه المعارضين، والأطفال الذين تبث صورهم ليسوا مقاتلين إطلاقا، ونحن نرفض قبول غير الراشدين المتطوعين للقتال فى صفوفنا رغم إبداء بعضهم رغبته فى ذلك، والحكومة اليمنية إنما تدفع بهذا الاتهام للتشويش على قيام الجيش بتجنيد الأطفال، حيث شوهد أطفال يرتدون الزى العسكرى الرسمى فى الحرب، وقد انتقدت هذا الأمر بعض المنظمات الحقوقية. ■ تحدثتم سابقا عن محاولات لوهبنة اليمن خاصة فى المناطق ذات الأغلبية الشيعية؟ - لم تقتصر ما يسمونها بالدعوة السلفية على المناطق الزيدية، بل والمناطق الشافعية أيضا، وكل مناطق اليمن، ظناً منهم بأن الشعب اليمنى الذى أسلم طواعية سيبيع دينه بالريالات، وأما الأدلة فلا يحتاج النهار إلى دليل. ■ بث التليفزيون اليمنى لقطات لما قال إنه مخازن ذخيرة مصنوعة فى إيران عثر عليها بحوزة الحوثيين.. فما تعليقك؟ - نفينا أكثر من مرة كل هذه التهم. ■ الرئيس اليمنى قال إن الحروب الخمس السابقة لم تكن أكثر من بروفة، وقبيل الحرب الأخيرة أكدتم استعدادكم لحرب طويلة.. هل تغير الموقف بعد التدخل العسكرى السعودى؟ - تصريحات صالح دائما غريبة، وقد انتقد هذا التصريح الكثير من المتابعين المحليين وغيرهم، خاصة وأن آلاف الضحايا قد سقطوا جراء الفتنة التى أشعلها فى الشمال، ومع ذلك يسميها «بروفة» متجاوزا حرمة الضحايا ومشاعر ذويهم، وعن إطالة الحرب فإن خيار إخواننا دائما هوالسلام ولكن لم يتركوا لهم أى خيار سوى الدفاع عن النفس. الذى أوجبه الله تعالى فى قوله {ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}. ■ نشرت مواقع إخبارية يمنية أن الحكومة تكوِّن حالياً جيشاً شعبياً خاصة من محافظة عمران لمواجهتكم.. هل بوسع الحوثيين الاستمرار فى معركة ضد الجيشين اليمنى والسعودى والقبائل معا؟ وإلى أى مدى؟ - لقد استنفد صالح كل الأوراق، والحديث عن الجيش الشعبى شبيه بالحديث عن الطابور الخامس. ■ الرياض تقول إنها أسرت مئات الحوثيين وتتحدث عن «سيطرة محكمة على الحدود و«تأمين المناطق الخلفية»؟ - لم تأسر أى أحد من إخواننا المقاتلين على الإطلاق، وقد بلغنا أنها جمعت الشغالين وأصحاب المطاعم فى قرى جيزان، وظلمتهم وهم لا ناقة لهم ولا جمل فى الحرب، ولكنها تريد أن تسجل بهم موقفاً إعلامياً، وإذا كانت مسيطرة على الحدود فلماذا لا توقف الحرب؟! ■ القوات السعودية بثت صوراً لعشرات الأشخاص قالت إنهم مقاتلون من إريتريا والصومال يدعمون الحوثيين. هل الباب مفتوحاً بالفعل لانضمام أجانب إلى قواتكم؟ - لا يوجد بين إخواننا مقاتلون من جنسيات أخرى غير اليمنيين، والمعروف أن السعودية هى من يستقدم أجانب لحمايتها، ولدى شواهد وأخبار تفيد بوجود غير سعوديين بين الجيش السعودى الآن، وأستطيع أن أقول لك إن نظام صالح تابع للسعودية وهى من تحكم اليمن عبر هذا النظام، بصورة أكيدة، ولم يتغير عن هذه الوضعية منذ 30 عاماً. ■ السعودية تبدو مصممة على مسألة المنطقة العازلة، والرئيس اليمنى دعا بشكل واضح ل«تطهير الشمال» كيف تواجهون الموقف الآن؟ - هم مصممون على أكبر من ذلك وهو مواصلة قتل الشعب اليمنى واحتلال أرضه، وهم إلى الآن قد قتلوا مئات المدنيين من أطفال ونساء وعجائز، ودمروا عشرات القرى والمزارع ولكن التصميم شىء والواقع شىء آخر. ■ قطر هى الدولة الوحيدة التى نجحت فى جهود الوساطة سابقا.. هل مازال الباب مفتوحاً لقطر بعد تدخل السعودية رغم الخلافات بين الرياضوالدوحة؟ - قطر لديها اهتمام بإصلاح ذات البين، وقد نجحت فى الكثير من مساعيها، ونالت احتراماً وسمعة كبيرة بين دول العالم، ولكن جهودها قد تبخرت عند صالح، بسبب تبعيته للسعوديين الذين ألزموه بنقض الصلح، ومن جهتنا فإننا نرحب بجهودها فى كل الأحوال. ■ بعد عرض الإخوان المسلمين فى مصر التوسط.. ماذا عن مصر الرسمية هل هى غائبة عن المشهد أم مرفوضة؟ - رحبنا بكل الجهود المهتمة بإيقاف الحرب وممن كانت ونشكر الجميع على المشاعر النبيلة والمسؤولة، ولكن المشكلة هى عند دولتين مستكبرتين علينا بجيشيهما ومقدراتهما، ألا تشاهدون تليفزيونى اليمن والسعودية ومواصلتهما للعروض العسكرية وكأنهما تشاركان فى حرب عالمية، أليس هذا استكباراً؟. ■ الآن يعيش 175 ألف مواطن يمنى فى شتات يبدو دون نهاية، وهناك المئات قتلوا برصاص الجانبين.. ألم يحن الوقت لإنهاء معاناة كل هذه الآلاف؟ - نأسف لكل الضحايا ولما يعانيه شعبنا بسبب صلف على عبدالله صالح وجره البلاد إلى هذه الحالة المزرية والمهينة، وبسبب ضرب قراهم بطائراته وصواريخه وقنابله، وكذلك ما يقوم به الطيران السعودى الآن من تعمد لضرب القرى وتشريد أهلها. وأتمنى أن تنتهى هذه المأساة فعلاً. ■ لا يعرف أحد كيف تنهى الحرب الحالية، وفى الجنوب حراك مستمر يطالب بالانفصال، وفى الوسط سلطة تحارب فى الشمال وتعتقل فى الجنوب.. فكيف ترى المشهد اليمنى الآن؟ - المشهد مأساة كبيرة والمستقبل مظلم، ولولا رغبة الرئيس فى وقوع كل هذه المآسى لما حدث منها شىء، وكدليل على ما أقوله، الرئيس رفض مطالب الجنوبيين وقد كانت بسيطة وسهلة، وفضل مواجهتها بالسلاح والقمع والاعتقالات، حتى دفع بهم قمعه وظلمه إلى المطالبة بالانفصال حيث أغلقت جميع الأبواب أمامهم إلا باب الرئيس السابق على سالم البيض الذى دعاهم إلى المطالبة بالانفصال، ولو أن الرئيس الحالى تفاهم معهم ولبى طلباتهم البسيطة لقبلوا منه. ■ قبل هذا الحوار ناقشت مع سياسى يمنى كبير الوضع، وأكد لى أن «صعدة منطقة خصبة لتصفية الحسابات»، فهل يمكن أن تكون صعدة جسراً لصعود التوريث؟ - للأسف أصبحت السياسة فى بلادنا اسما للمؤامرات واقتراف الجرائم وتلميع البعض على حساب المواطنين، وتاريخ المنطقة حافل بمثل هذا السيناريو.