.. ليس هناك من مكان آخر غير القدس الذى يمكن أن تحسم فيه المعركة التاريخية التى تدور بين معسكر القوى التى تسعى لفرض حضارتها وثقافتها وديانتها ومذهبها على الآخرين، وبين القوى الديمقراطية التى تؤمن بحوار الحضارات وتعدد الثقافات وتعايش الأديان وبحرية التفكير وحق الاختيار والاعتقاد. فقد تتابع على حكم القدس والعيش فيها عشرات من الأقوام والجماعات والأمم والدول والحضارات والديانات واللاديانات التى تصارعت أكثر مما تنافست أو تعايشت فى أكناف هذه المدينة العتيقة التى آن لها أن تطرح عن أكتافها أثقال الحروب وويلاتها وأن تقدم للبشرية نموذجاً جديداً مبدعاً وخلاقاً لما ينبغى أن تكون عليه أورشاليم – القدس أو مدينة السلام العالمية، على الأقل كونها المركز الروحى الأول للأديان السماوية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، التى يفترض نظرياً أن تشترك فى جذر واحد وفى رسالة سلام سامية واحدة، لكن الواقع التاريخى الذى يتجسد فى القدس بالذات يتناقض كلياً وهذه التصورات الوردية الافتراضية، فقد حول التدين البشرى هذه الأديان السماوية إلى موضوع للصراعات الدموية المستدامة، وكانت القدس ولاتزال هى الجبهة المقدسة التى يحل فيها للإنسان أن يسفك دم أخيه ويتسلط عليه ويحتله ويقمعه باسم الدين وبمباركته وتحت عباءته، لكن هذه الصورة الدامية لا تخلو تماماً من مشاهد أخرى تتسم بقدر أعلى من التحضر والسمو الإنسانى، وقد لوحظ أن ذلك الأمر مرتبط إلى حد بعيد بالأصول الحضارية الشرقية لأهل هذه المنطقة من العالم، إذ يبدو أنه ليس صحيحاً أن أتباع كل دين يشكلون أمة واحدة متفردة، فهذه أيضاً واحدة أخرى من الافتراضات النظرية التى يعوزها الكثير جداً من البراهين لإثباتها فى الواقع العملى وليس فى الفضاء الافتراضى، فلا يوجد إلا فى المثال الافتراضى النظرى فقط ما يؤكد على وجود أمة يهودية واحدة وأمة مسيحية واحدة وأمة إسلامية واحدة، ولم يثبت أبداً وجود ما يكفى من المشتركات بين يهود بروكلين فى أمريكا واليهود السفارديم فى اليمن، واليهودى المصرى كان أقرب فى أغلب مناحى الحياة للمصرى المسلم والقبطى منه إلى أى يهودى آخر فى أى مكان فى العالم خارج مصر، ورغم مرور أكثر من ستة عقود على إنشاء ما يسمى الدولة القومية لليهود فإنه مع ذلك لا يتوافر بعد، وقد يصعب أن يتوافر فى المستقبل أيضاً، ما يكفى من المشتركات الحضارية – الثقافية التى تصهر التشكيلات الإثنية والطائفية اليهودية المختلفة (اليهود الشرقيين واليهود الغربيين واليهود الروس) فى بوتقة ما يسمى نظرياً الأمة اليهودية الواحدة. والأمر ذاته يمكن أن ينسحب على ما يسمى افتراضياً الأمة المسيحية، إذ لا تكاد تكون هناك من مشتركات ذات قيمة بين الكنيسة القبطية فى مصر ومسيحييها وبين الكنيسة الإنجليكانية فى أمريكا أو الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية فى أوروبا أو فى غيرها من دول العالم، ولم يكن القبطى المصرى أقرب إلى المسيحى الإنجليزى منه إلى المصرى المسلم عندما كانت بريطانيا تحتل مصر وتحكمها أو تتحكم فيها، كما لا توجد أمة بالمفهوم الإسلامى إلا على مستوى الافتراض النظرى والدعائى، ولا تكاد تكون هناك من مشتركات بين مشيخة الأزهر وبين مرجعيات ولاية الفقيه الشيعية فى قم الإيرانية، ولا بين مرجعية الملا عمر أمير المؤمنين فى حركة طالبان الأفغانية، ولم يكن المصرى المسلم أقرب للتركى المسلم منه إلى المصرى القبطى عندما كانت مصر واقعة تحت حكم الخلافة العثمانية، وهكذا فإنه لا يمكن لأحد إنكار الدور الكبير الذى أسبغته الحضارة والثقافة المصرية على الدين وعلى التدين والذى كان أكثر يسراً وتسامحاً لعهود طويلة قبل أن تصيبه آفات التعصب ولطع الأفكار الجهولة المعادية للعلم والحداثة والقيم الإنسانية المتحضرة. وكانت القدس، على كل ما أصابها من غزو وحروب واحتلالات، قدمت لنا نماذج راقية على ما يمكن أن تكون عليه العلاقة ما بين أتباع الحضارات والديانات المختلفة والثقافات المتعددة، ففى مواجهة الغزوة الخارجية التى استهدفت فلسطينوالقدس بعد الحرب العالمية الأولى رد الفلسطينيون بتأسيس الجمعيات الإسلامية - المسيحية التى حملت لواء التمثيل السياسى للفلسطينيين منذ مؤتمرها الأول الذى انعقد فى القدس عام 1919 وسنوياً حتى عام 1927، وكانت الجمعيات الإسلامية - المسيحية تقدمت بعريضة لمؤتمر السلم فى عام 1919 قالت فيها: «لو تصفحنا التاريخ لاتضح لنا جلياً أن فلسطين كانت بلداً عربياً قبل المسلمين والمسيحيين واليهود»، وفى عام 1920 قدمت هذه الجمعيات مذكرة لتشرشل طالبوه فيها بإنشاء «حكومة وطنية تكون مسؤولة أمام مجلس نيابى منتخب من السكان الذين قطنوا فلسطين قبل الحرب من مسلمين ومسيحيين ويهود»، وقد شاع فى هذه الفترة استخدام تعبير «اليهود الوطنيين» فى الأدب السياسى الفلسطينى للتمييز بينهم وبين اليهود الصهاينة، وكانت كل الوفود التى تمثل فلسطين فى المفاوضات مع الإنجليز أو أمام المحافل الدولية تضم أعضاء مسيحيين من أبرزهم: إميل غورى وهنرى كتن، وعندما أعلن الحاج أمين الحسينى مفتى القدس وزعيم الحركة الوطنية عن تشكيل حكومة عموم فلسطين فى أول أكتوبر عام 1948 تبين وجود ثلاثة وزراء فلسطينيين مسيحيين من بين أعضائها العشرة، وكان واضحاً بامتياز أن الرابطة الوطنية هى الأساس الناظم للعلاقات بين أبناء المجتمع الفلسطينى، وقد تأكد ذلك ربما على نحو أكثر وضوحاً فى تجربة القدس بعد احتلالها عام 1967. ولا شك أن تجربة المطران كابوتشى هى واحدة من أهم وأبرز التجارب التى تركت بصماتها القوية على هذه المرحلة، وهى لذلك جديرة بإعادة درسها وتقويمها من منظور البعد الحضارى والثقافى، كان المطران كابوتشى قد ولد فى مدينة حلب بسوريا عام 1922 وانخرط منذ حداثة سنه بالسلك الكنسى وتدرج فيه إلى أن أصبح فى عام 1965مطراناً لكنيسة الروم الكاثوليك فى القدس، ومنذ وطأت قدماه القدس توطدت علاقته على الفور بالشيخ سعد الدين العلمى مفتى القدس ونسق الرجلان عملهما الوطنى معاً، خاصة بعد أن اقترح المطران تشكيل لجنة وطنية سرية لمقاومة الاحتلال بعد أن سقطت مدينة القدس بيد إسرائيل عام 1967، وكان المطران بحكم تمثيله للفاتيكان أكثر قدرة على الحركة بسيارته التى حظيت بحصانة دبلوماسية عند خروجها وعودتها إلى القدس، وكان طبيعياً أن تنتقل أخبار المطران ومواقفه الوطنية إلى أسماع أبوجهاد الرجل الأول فى حركة فتح المعنى بالأرض المحتلة، وكان طبيعياً أكثر أن يلتقى الرجلين على حب فلسطينوالقدس ومقاومة الاحتلال الإسرائيلى، وعهد أبوجهاد إلى أبوفراس أحد مساعديه بترتيب العلاقة مع المطران الذى قبل عن طيب خاطر وبكل استعداد وجاهزية تنفيذ كل المهام الخطيرة التى أنيط بها كفدائى فى هيئة مطران، وتدرجت هذه المهام من حمل ونقل الرسائل من القدس وإليها إلى أن وصل الأمر إلى حد نقل السلاح والقنابل والمتفجرات بسيارته من قواعد فتح فى لبنان إلى الفدائيين فى القدسالمحتلة، ومن أجل التمويه والتغطية على هذه المهمة قبل المطران أن يشاع عنه أنه ينقل الخمور والهدايا ويتاجر بها وقبل أيضاً أن يقيم شبكة من العلاقات مع عائلات مقدسية وحتى مع شخصيات إسرائيلية ليست فوق مستوى الشبهات فى سبيل إتقان وتنفيذ مهامه الوطنية الخطيرة، كان المطران يصل لبيروت ويسلم سيارته فيتم تفكيكها وتحميلها بالأسلحة والمتفجرات فى مخابىء سرية ومموهة وإعادتها للمطران الذى كان يقودها من لبنان لسوريا فالأردن ويعبر بها جسر اللنبى إلى أن يحط به الرحال أمام مقره فى الكنيسة الإغريقية الكاثوليكية بالبلدة القديمة فى القدس، ومن ثم تتولى المجموعات الفدائية هناك استخراج الأسلحة والمتفجرات من سيارة المطران وإعادتها له، وبعد سلسلة من هذه العمليات الناجحة تمكن الشاباك أخيراً من كشف سر المطران فألقى القبض عليه فى 3/8/1974 فى القدس، وقدم للمحاكمة الإسرائيلية التى قضت بسجنه منفرداً لمدة 12 عاماً، وبعد أن قضى منها ثلاث سنوات أعلن الإضراب عن الطعام واستمر فيه لأكثر من ثلاثين يوماً وتدخل الفاتيكان وضغط على الحكومة الإسرائيلية التى اضطرت للإفراج عنه ولكن بشرط نفيه وإبعاده نهائياً عن فلسطينوالقدس. ولكن المطران الذى بقى قلبه مسكوناً بالقدس لم تكسره سنوات السجن ولم تردعه طلبات الفاتيكان بالكف عن النشاط السياسى وتحول المطران بعد نفيه إلى رمز وطنى للمقاومة وسفير دائم للدفاع عن القدس وفى عام 1986 انضم المطران كابوتشى إلى الشيخ عبدالحميد السائح الذى كانت أبعدته إسرائيل عن القدس عام 67 وحاولا مع أكثر من 130 شخصية فلسطينية أخرى ممن أبعدتهم إسرائيل عن فلسطينوالقدس الصعود على متن سفينة «العودة» التى كان من المقرر أن تنطلق من اليونان لتصل إلى شواطئ فلسطينالمحتلة للمطالبة بالعودة للوطن الذى أبعدوا منه، لكن الموساد الإسرائيلى دبر عملية لتفجير السفينة قبل تحركها ما أعاق انطلاقها، وفى محاولة ثانية، كان المطران الذى تجاوز السابعة والسبعين من عمره عاوده الحنين لفلسطينوالقدس، وفى الأسبوع الأول من فبراير 2009 اعتلى متن سفينة الأخوة التى انطلقت من ميناء طرابلس شمال لبنان قاصدة الوصول إلى غزة للإعراب عملياً عن تضامنهم مع الشعب الفلسطينى فى مواجهة الاحتلال والحصار، لكن الزوارق البحرية اعترضت السفينة وسحبتها إلى ميناء أسدود العسكرى حيث اعتدى الجنود الإسرائيليون على طاقم السفينة وركابها بمن فيهم المطران نفسه قبل أن ترغمهم على المغادرة، وكان قطاع الإنتاج فى التليفزيون المصرى أعلن فى 2002 استعداده لإنتاج فيلم عالمى عن المطران كتبه الراحل محسن محمد وكان عمر الشريف مرشحاً للعب دور المطران، ويخرجه المخرج العالمى العقاد الذى لقى مصرعه فى عملية إرهابية نفذتها مجموعة تابعة لأحد فروع تنظيم القاعدة الذى تزعمه الزرقاوى وتم فيها تفجير أحد فنادق العاصمة الأردنية عمان حيث تصادف وجود العقاد به، ويتكرر بين الفينة والأخرى الحديث عن إنتاج فيلم المطران لكن من دون توافر ما يكفى من الجدية لإدارة عدسات تصوير هذا الفيلم. ولا تكتمل صورة المطران إلا بوضعها فى إطار واحد مع صورة وتجربة الشيخ عبدالحميد السائح الذى أبعدته سلطات الاحتلال الإسرائيلى فى 22/9/1967 بعد شهرين تقريباً من احتلال القدس بسبب نشاطه السياسى والخطب التحريضية التى اعتاد أن يلقيها من على منبر المسجد الأقصى، كان الشيخ عبدالحميد السائح قد ولد فى نابلس عام 1907 وحصل على الشهادة العالمية من الأزهر قبل أن يصبح قاضياً ثم رئيساً لمحكمة الاستئناف فى القدس وكان الانتداب البريطانى اعتقله فى شبابه عام 1927 وجرى عزله عن القضاء، ولقب الشيخ السائح ب«الشيخ الأحمر» نظراً لانفتاحه الفكرى وتبنيه أفكاراً ومواقف ثورية وبالنظر أيضاً لعلاقاته الطيبة مع كل فصائل المقاومة الفلسطينية، وكان الشيخ السائح انتخب بالإجماع رئيساً للمجلس الوطنى الفلسطينى فى العام 1984 إلى أن استقال من منصبه عام 1993، ومن كتبه التى نشرها «مكانة القدس فى الإسلام»، «وماذا بعد إحراق المسجد الأقصى»، «والعدوان على المقدسات الإسلامية والمسيحية» وكتاب «لا صلاة تحت الحراب – مذكرات الشيخ السائح» الذى توفى عام 2001 ودفن، حيث أوصى، فى رحاب المسجد الأقصى بالقدس. ولم ينقطع هذا السلسال عن التواصل، وها نحن أمام جيل جديد من مطارنة وشيوخ القدس، ربما كان أفضل من يمثلهم فى هذه المرحلة المطران الدكتور عطاالله حنا بطريرك الروم الأرثوذكس بالقدس الذى ولد فى بلدة الرام بالجليل الفلسطينى عام 1965، وبعد رحلة طويلة مع التعلم والتعليم انتخب بالإجماع مطرانا فى 1/12/2005، لكنه كان قبل ذلك تحول إلى شعلة متقدة من النشاط وعنواناً لا تخطئه العين للمقاومة الوطنية دفاعاً عن القدس، وشارك المطران فى القمة العربية التى انعقدت فى العاصمة الأردنية – عمان، وشارك فى القمة الإسلامية التى انعقدت فى الدوحة بقطر وألقى كلمة باسم كنائس القدس اعتبرت إحدى وثائق هذا المؤتمر، وهو عضو فى اللقاء الإسلامى - المسيحى وعضو فى المؤتمر القومى العربى، وعضو فى اللجنة الوطنية لمقاومة جدار الفصل العنصرى، وحائز على جائزة ووسام فلسطين لدوره فى تعزيز الوحدة الوطنية، ونتيجة لمواقفه الوطنية أقدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلى على اعتقاله واستجوابه فى 22/8/2002 وسحبت جواز سفره ومنعته من السفر لثلاث سنوات، وتكرر اعتقاله واستجوابه بعد أن رفض استقبال الرئيس الأمريكى بوش فى كنيسة المهد فى بيت لحم، لكن أبرز ما يميز هذا المطران، فى تقديرى، هو رؤيته الوطنية للمسيحية، فعند سؤاله عن ما يسمى السفارة المسيحية العالمية التى قامت ببعض الأنشطة التضامنية مع إسرائيل قال: «هؤلاء ليس لهم أى علاقة بالمسيحية وأنا أتمنى من الإعلام العربى ومن المواقع العربية الإلكترونية على وجه خاص ألا تصفهم بالمسيحيين لأنهم ليسوا كذلك، وإنما هم دكاكين مسخرة لخدمة المشروع الصهيونى ويستعملون الاسم المسيحى كطلاء خارجى للتغطية على عنصريتهم وعلى خدماتهم التى يقدمونها للاحتلال الإسرائيلى وأضاف المطران: «إن المواقف التى تتخذها هذه المجموعات ليست مواقف مسيحية وليست حتى إنسانية وليست أخلاقية، فعندما يتضامنون مع القتلة ومع الظالمين فهذا الموقف يتناقض والمسيحية». والحقيقة أن المطران عطاالله ليس حالة استثنائية إذ ثمة تيار غالب من كبار رجالات الدين الإسلامى والمسيحى خاصة فى القدس التى تتوافق على هذه الرؤية الوطنية للدين، وتجدر الإشارة إلى الوثيقة المهمة التى صدرت مؤخراً عن المؤسسات والفعاليات المسيحية فى القدس بعنوان «وقفة حق – كلمة إيمان ورجاء ومحبة من قلب المعاناة الفلسطينية»، كان من المبادرين إلى صياغتها المطران عطاالله والبطريرك ميشيل صباح، الذى كان أول فلسطينى يعين بطريركاً للكاثوليك بالقدس وهو شخصية وطنية بارزة وحاصل على دكتوراه فى تاريخ اللغة العربية من السربون، وتنبع أهمية هذه الوثيقة ليس فقط من مواقفها الوطنية المميزة وإنما بالأساس من توجهها إلى العالم والرأى العام العالمى وإلى الكنائس المسيحية الأجنبية التى يقع جزء منها تحت سطوة ما يسمى المسيحية الصهيونية، وتقول وثيقة وقفة حق فى مقدمتها: «نعلن نحن الفلسطينيين المسيحيين فى هذه الوثيقة التاريخية أن الاحتلال العسكرى لأرضنا هو خطيئة ضد الله والإنسان وأن اللاهوت الذى يبرر هذا الاحتلال هو لاهوت تحريفى» وتضيف الوثيقة: «وجودنا نحن الفلسطينيين، مسيحيين ومسلمين على هذه الأرض ليس طارئاً، بل له جذور متأصلة ومرتبطة بتاريخ وجغرافية هذه الأرض، وقد وقع فى حقنا ظلم عندما أراد الغرب أن يعوض عما اقترفه فى حق اليهود فى بلاد أوروبا فقام بالتعويض على حسابنا وفى أرضنا وحاول تصحيح الظلم فنتج عنه ظلم جديد»، «إن استخدام الكتاب المقدس - أى كتاب مقدس – لتبرير أو تأييد خيارات ومواقف سياسية فيها ظلم يفرضه إنسان على إنسان أو شعب على شعب آخر يحول الدين إلى أيديولجية بشرية ويجرد كلمة الله من قداستها. وتوجه الوثيقة عدة رسائل إلى جهات محددة وهى تقول فى رسالتها للكنائس العالمية «إننا ندين كل أشكال العنصرية الدينية منها والعرقية بما فيها المعاداة للسامية وكراهية المسلمين (الإسلاموفوبيا) وندعوكم إلى إدانتها وإلى اتخاذ موقف حاسم من كل مظهر من مظاهرها وندعوكم إلى قول كلمة حق واتخاذ موقف حق من الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية»، وتختم الوثيقة بقولها: «القدس هى القاعدة الروحية لرؤيتنا ولحياتنا كلها». إن التحدى الذى تطرحه علينا القدس هو خوض المعركة من أجل تحريرها من الاحتلال الإسرائيلى على قاعدة المعركة العالمية فى مواجهة كل القوى الظلامية والعنصرية وانتصارا لحوار الحضارات وتعدد الثقافات وتعايش الأديان وحرية الفكر والاعتقاد، معركة القدس ليست فقط لتحرير الأثر والحجر وإنما لتحرير الإنسان وإعلاء مجده وكرامته فالإنسان هو القدس.. والقدس هى الإنسان.