من الطبيعي أن نختلف حول شخصية الفنان فاروق حسني وزير الثقافة سواء حول شخصه وما قدمه للثقافة ودوره الثقافي وتأثير وزارته في نشر وتراكم المنتوج الثقافي الذي يفرز شخصية مصرية مثقفة وحضارية أو حول طريقة إدارته لوزارة الثقافة وتحويلها في زمن السوق إلي مؤسسة اقتصادية تدر ربحًا مثلها مثل كل ما يتم في البلد، في الوقت الذي نكتشف أن البلد تباع وبدون مقابل اقتصادي، فيغيب المقابل ويتوه الدور سواء الثقافي أو غيره من الأدوار، ولكن ليس من الطبيعي أن نختلف حول معركة فاروق حسني في الوصول لموقع مدير منظمة اليونسكو في فرنسا، حيث أن تلك المعركة لم تكن معركة حسني ولا هي معركة الحكومة، ولكنها هي معركة مصر الوطن، فكل مصري يصل إلي منصب دولي هو ينسب إلي مصر وهو بلا شك يصل إلي هذا المنصب أو ذاك عن طريق مصر، ولذا فدور مصر الدولي وتأثيرها الإقليمي وسياستها الداخلية لا شك فإنها عوامل لها تأثير بدرجة ما في أي معركة دولية تخوضها مصر عن طريق أحد أبنائها، ولذا يمكن أن نقول مبدئيًا أن معركة فاروق حسني بكل نتائجها حتي المرحلة الخامسة منها، فهي بلا شك وبالمقارنة بمعارك أخري دولية منها معركة مصر في نفس المنظمة في الدورة الماضية والتي لم يحز المرشح المصري فيها سوي علي أربعة أصوات في المرحلة الأولي من الجولات الخمس وكان الله بالسر عليما. كذلك أيضًا تلك التصفيات الخاصة بتنظيم المونديال عام 2010 والتي لم تحظ فيها مصر الدولة سوي بصفر كبير، وهنا لا شك كان المقصود هم المسئولين وخططهم المطروحة وتصوراتهم المعلنة، وبتلك المقارنة نجد أن معركة فاروق هي الهزيمة بشرف بالفعل، فهو المتقدم منذ المرحلة الأولي وحتي الرابعة، ثم كانت التحركات والتربيطات والأهم التنازلات من مرشحين آخرين حتي يتم إسقاط حسني، كما أرادت أمريكا وأوروبا، ونحن هنا بالفعل لا نلوم من نفذ وخطط وأسقط، إذا كان يملك هذا! ولكن ما نريد الحديث حوله هو دور تلك الدول التي تدعي المبادئ وترفع الشعارات بل تسمح لنفسها بالتدخل في شئون دول أخري ذات سيادة وأيضًا باسم تلك المبادئ وهذه الشعارات وهي في الواقع العملي لا علاقة لها لا بمبادئ ولا هي تعي تلك الشعارات. أمريكا مثلاً لو كان لها مرشح أمريكي لكان من حقها أن تفعل ما فعلت، ولو كان هناك مرشح إسرائيلي نقول من الطبيعي وليس من الحق أن تساند أمريكا المرشح الإسرائيلي، ثم كان من الطبيعي أن تقوم الدول بحسب الديمقراطية التي يتشدقون بها باختيار المرشح الذي تريده خاصة إذا لم يكن لها مرشح وفقط. أما أن تحارب أمريكا مرشحا مصريا لمجرد إسقاطه وعدم وصوله للموقع، فهذه ليست ديمقراطية ولا أخلاقا من الأساس. ولذا كان من الطبيعي أن نجد في هذا الإطار مندوب أمريكا باليونسكو "كيللون" والذي كان مساعدًا للسيناتور الأمريكي لانتوس وهو مؤيد لإسرائيل ومواقفه المعادية من مصر معلنة ومعروفة ويقوم بدور هام وخطير في إسقاط فاروق حسني وإذا كان إسقاط فاروق حسني كان مهمة تاريخية لأمريكا ولإسرائيل ولذا يكون من المهم عدم وصول شخص عربي ومسلم لهذا المنصب الذي لا يقتصر مهمته علي رعاية الثقافة والعلوم والتعليم ولكنه يعني أيضًا بذاكرة الشعوب وثقافتها وتراثها في وقت يصر فيه نتنياهو وإسرائيل وتخضع لهما أمريكا علي تهويد القدس دون هوادة والاستيلاء علي التراث العربي بما يعني كشف كل ذلك عند وصول عربي مسلم لهذا الموقع، هذا هو الموقف بخلفياته السياسية والعنصرية الحقيقية وإلا لماذا كان الوقوف خلف المرشحة البلغارية ايرينا يوكوفا؟ وما هو الدور المميز لبلغاريا عن مصر وما هو تاريخ بلغاريا وهي دولة أوروبية صغيرة ودورها في الثقافة الأوروبية والعالمية دور صغير لا يذكر، بما يعني التكتل ضد دول العالم الثالث بشكل عام. وذلك من خلال الهيمنة الأوروبية والأمريكية علي العالم وعدم قبولهما لمبدأ التنوع والتعدد والذي لا تكف عن التغني به فيما يسمي بحوار الحضارات أو الثقافات أو حوار الأديان، فكلها مسميات خيالية ووهمية يوهمون بها دول العالم الثالث حتي يحصلوا علي ما يريدون ويصلوا إلي ما يطلبون، فالتكتل ضد فاروق حسني هو تكتل ليس ضد شخصه ولا ضد مصر كدولة ولكنه موقف ضد العالم الثالث وضد العرب وضد المسلمين، وهنا نذكر عندما تولي المفكر السنغالي أحمد مختار أمبو في الثمانينيات مديرًا لليونسكو وعندما اقترب من خطوط الغرب الحمراء مثل نزع السلاح وإسرائيل والنظام العنصري في جنوب أفريقيا، فإن الدول الأوروبية وأمريكا ناصبته العداء وانسحبت أمريكا وقطعت تمويلها للمنظمة الأمر الذي أصاب دورها بالشلل. ولذا فأنا سعيد لنتائج هذه المعركة لأنها معركة تحركت فيها مصر بشكل مقبول وأكثر حماسًا وتنظيمًا من معارك سابقة. ولأن وصول حسني لتلك المرحلة من التصويت يعتبر نصرًا سياسيًا في مواجهة تلك التحركات الأمريكية الإسرائيلية الأوروبية، والأهم هو كشف زيف وبهتان الغرب الذي يدعي ما لا يؤمن به والذي يرفع شعارات نقيض ما يريد، فقد انكشف الموقف الحقيقي والصحيح للغرب عن ما يسمي بحوار الحضارات، فلا حوار لدي الغرب، فالغرب يريد السيطرة والهيمنة والضحك علي العقول. والغرب لا يؤمن بحضارات سوي حضارته الغربية وفقط. فهل يمكن بعد ذلك الاستفادة الحقيقية من تلك المعركة وأن نعمل بلا كلل للوصول مصريا إلي أن تكون مصر دولة متقدمة علميًا ومتفوقة حضاريًا حتي يكون لنا مكان وسط هذا العالم الصاخب. هل يمكن أن يكون العرب والمسلمون قوة عالمية حضارية وسط هذا العالم بالقدوة والمثل وتطبيق القيم الإسلامية والدينية والإنسانية في إطار حياتي وعالمي يعطي القدوة والنموذج، فلا طريق غير ذلك حتي يكون لنا مكان وإلي لقاء علي معركة أخري نكون قد استفدنا فيها من معركة فاروق حسني.