بينما كنت أمارس حياتى بشكل عادى لا بيّا ولا عليّا.. أدخل صراعات وأحارب حروب وأتخانق وأشد شعرى.. وأحياناً بلا قصد وعن غير تعمد والله أشعر بالسعادة أو النصر أو.. أو.. فوجئت بأعراض غريبة تهاجمنى.. تغيرات عجيبة تتسلل رويداً رويداً إلى جسدى.. تبدأ بسيطة فأنتبه لها ثم أتعود عليها فتصاب بالمرعة وتبدأ فى الإعلان عن نفسها بوقاحة وقلة أدب.. كنت أتعامل معها بمنطق واحد رخم بيغلس عليا فأستاء منه مرة وأرد غلاسته مرة ثم أقرر أن أتركه يهوهو وأكبّر دماغى.. إلى أن اضطررت لأن أتحرى الأمر فصدمتنى عبارة توقفت أمامها كثيرا وكأنها لم تمر بى من قبل.. دايماً الواحد كده.. يتخيل أن كل الأشياء تحدث للآخرين إنما هو.. لأ. حاولت أن أبحث عن الشخص السئيل ابن السئيلة الذى أطلق عبارة «سن اليأس» على المرأة التى بلغت سن الأربعين وطالع، بحيث تحولت هذه التسمية إلى وسيلة لمعايرتها والإشارة إلى أنها انتهت كامرأة وأنثى.. ولم تبق لها إلا الأدوار ثقيلة الدم لتلعبها بسماحة كاذبة من المجتمع على اعتبار أنها تلعب فى الوقت الضائع، وأنه يسمح لها بذلك من باب التكريم يعنى وكده.. وإذا نجحت فى هذه الأدوار وبلغت منصباً مهماً وتم ترشيحها مثلاً لمنصب قاضية.. خرج عليها الرجل يسوق حججاً فاشلة وبايخة من عينة أن المرأة لا تحتمل مشقة هذه الأدوار لأنها متغيرة المزاج بحكم الدورة التى تأتيها كل شهر.. مع إنه لسه قايل عليها من شوية إنها بلغت سن اليأس وانقطعت عنها هذه الدورة.. بواخة وخلاص يعنى.. المهم. فى عرض سريع لسن اليأس هذا فهمت أنه سن انقطاع الدورة الشهرية نتيجة لانخفاض معدل ضخ هرمون الإيستروجين الذى يمد المرأة بالقدرة على التبويض والإنجاب، كما يقوم بمهام تجميلية مثل نعومة الجسد ونمو الثديين وحلاوة الصوت وصلابة العظام وشوية حبشتاكات كده.. يعنى هو يأس من الإنجاب فقط على اعتبار أن العدة بتعطل يعنى. وبدأت أركز لألاحظ تأثير انسحاب هذا الهرمون من جسدى.. فوجدت أنه مظلوم بعض الشىء.. فهناك عامل آخر يتحالف معه فى هزيمتى.. إنه الجاذبية الأرضية، تلك الجاذبية التى نهلل لها دائماً ونشكرها على أنها تقوم بتثبيتنا فى الأرض وتمنعنا من أن نحلق فى الفراغ ونطير زى رواد الفضاء اللى بيقعدوا يلعبوا فى الجو دول.. واكتشفت أن هذه الجاذبية تمارس عملها بإخلاص شديد لدرجة أنها لا تقوم فقط بمهمة مسمرتنا فى الأرض وإنما تشد كل شىء داخلنا لأسفل.. وكأنه صعبان عليها أن يظل أى شىء محتفظاً بكرامته رافعاً رأسه فى شموخ.. فتجد مع تقدم العمر كل الأشياء تتقوس إلى أسفل.. مثل شعار الوجه الباكى للمسرح.. كله بيبص لتحت.. الحواجب والعيون وزاويتى الفم وطرطوفة المناخير وشحمة الودن واللُّغد.. ومن هنا ونازل.. كل الأشياء واخدة وضع القفز من فوق المنط لتغطس فى رحاب الجاذبية.. ويبدأ الواحد منا فى الاقتراب من الأرض كلما قصرت قامته.. يمكن تمهيد لأنه رايحلها رايحلها.. ولأن الواحد منا يرفض الهزيمة.. ده اللى روحه لسه صاحية يعنى.. فإنه يبدأ فى النظر حواليه فى اعتراض طفولى واحتجاج عنيد بعبارة مثل: واشمعنى إحنا الستات يعنى؟.. إيه الرجالة المفترية دى؟.. شوف شوف الألاطة؟.. ينظر إلينا الرجل وهو قالب شفته وحاسس بامتعاض قوى وخلاص هيجيب اللى ف معدته.. دى ست قالبة العداد وتاريخ صلاحيتها خالص.. سن اليأس بقى يا صديقى.. إنما شوف المزة الورور اللى ماشية هناك دى؟.. كل شىء بيفط وينط وباصص لفوق فيها.. راقبت هذا لفترة وقررت ألا أنفعل.. لامؤاخذة الإنسان بشخصيته بقى والعبرة بالذكاوة يعنى مش بالتضاريس المتفجرة دى.. ولا أخفيكم أن الحقد الدموى الذى سكن نفسيتى قادنى لأن أبحث أكتر.. ما أنا عايزه أطلع أى عيوب فاطسة بقى دفاعاً عن وجودى.. فاكتشفت ما هو مكتشف من قبل طبعاً بس أكيد متعتم عليه لأهداف ذكورية بحتة.. اكتشفت أنه فى نفس التوقيت بتاعنا يحدث للرجل شىء مشابه.. هرمونات الرجل المنشطة تبدأ فى الضمور وتقل إفرازاتها فى الجسم وأهمها هرمون النمو اللى باين اسمه التيستيستيرون الذى تفرزه الغدة النخامية فى الدماغ والذى بانسحابه تحدث تغيرات عقلية وجسمية ونفسية لديه.. ده اللى هو مين؟.. الراجل. يعنى مع انسحاب هرمونه يبدأ شعره فى التساقط تمهيداً للصلع الذى يصيب حواجبه أيضاً.. ويبدأ كرشه فى البروز تدريجياً إعلاناً عن بدء عصر اليأس الرجالى.. وبعد فترة ييأس أكتر فيبدأ فى الاستدارة والانفصال عن باقى البودى ليشكل شيئاً يشبه صينية البطاطس كأن حد لازقها بالمقلوب على وسطه.. ثم تتقوس ذراعاه للخارج ويسيبوا فراغ كده حوالين جسمه.. كما تقوم بنفس النشاط ساقاه اللتان تتباعدان تاركتين جسمه ماشى لوحده.. كأنهم مخاصمينه.. وبما إن كل الأشياء بتتباعد فإن التوازن يقل، وبناء عليه تلاقى الراجل بيمشى فى مرحلة سنية معينة زى مخرطة الملوخية.. ويشترك الصوت فى هذه المظاهرة الانسحابية فيخشنّ أكتر ما هو خشن بالإضافة إلى إن السنان بتفلّق من بعضها.. وبما إن هناك تشابه فى الحروف بين الخشونة والشيخوخة.. فإن الصوت يخشوشن شيخوخياً.. إيه الهطل ده؟.. وبعدين بقى يبتدى يبقى عصبى وبيشخط.. فيقولك ده مهيب ووقور.. وهو لا مهيب ووقور ولا نيلة.. الأخ عصبى مش طايق ترترة مناخيره من كتر انسحاب الهرمون.. وتتدخل أختنا الجاذبية الأرضية لتلعب أروع أدوارها.. فتقوم بشد كل شىء لأسفل بسخافة منقطعة النظير.. ده من وجهة نظرهم طبعاً.. على فكرة أثناء البحث العلمى قوى بتاعى ده اكتشفت قلة أدب الجاذبية.. لأنها بتنشن على المناطق التى سبق الافتخار بها قبل ما نيأس.. فمثلاً أول ما تشد فى الرجل تقوم شادة الثديين.. فجأة ينزله ثديين.. زى الإرهابى اللى فجأة بتنزله دقن.. بعد ما كانوا منفوخين وعضلات بيقعد يلعّبهم زى الجدع اللى كان قاعد ورا عادل إمام فى شاهد ما شافش حاجة ومش عايز ينتشر.. تلاقيهم على حين غرة خدوا على خاطرهم كده ويئسوا وراحوا باصين لتحت كأنهم عاملين عملة.. وتستمر الجاذبية فى حصد كل أسباب الفخر والعزة طول ما هى ماشية.. ولحد هنا والديك صاح وسكتت عن الكلام غير المباح. وعشان ما نظلمش الرجالة.. حاكم تلاقى الستات دلوقتى قاعدة تصقف بشماتة وفرحانين فيهم موت.. هناك كثير من الأشياء المشتركة فيما بيننا نحن اليائسين. فقضية الخشونة والهشاشة وطقطقة الركب وتزييق المفاصل تجعلنا نشكل معا أوركسترا سيمفونى ضخم.. فإذا ما استطعت أن تفصل جميع الأصوات الموجودة فى الشارع وقفلت محبس الكلاكسات والسيارات وكله وأصغيت السمع.. ستفاجأ بفرقة حسب الله تعزف لك لحن الركب اللى بتطقطق والمفصلات اللى بتئن والنهجان م المشى.. اقترب قليلاً بمكبر صوت هتلاقى زوام داخلى طالع من نفافيح الصدر عمال بيقول «آه يانى يامه.. يا رُكبى.. يا مفاصلى.. يا عصعوصى».. ■ الآن ارتحت نفسياً.. ماحدش بقى لما أبقى أوصل للسن ده - خلى بالك قوى م الجملة اللى فاتت دى - يبقى يشاور عليا ويقول تاريخ صلاحية والكلام الزنخ ده.. هتلاقينى دبيت صباعى فى عينه على طول وأنا بقوله: «لا تعايرنى ولا أعايرك.. اليأس طايلنى وطايلك». [email protected] [email protected]