حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلد شهادات صحيح: جمهورية «ورقستان».. مصر المحروسة سابقاً

«بلد شهادات صحيح» لم يكن الفنان عادل إمام وهو يطلق أحد أشهر «إفيهاته» يتصور أن دولة «الورق» سوف تظل على حالها بعد 50 عاما من «النكتة» المسرحية. أطلق الفنان «الإفيه» وضحك الجمهور وصفق البعض وانصرف كل إلى حال سبيله.
فى «وسط الزحمة» تفتح «المصرى اليوم» ملف جمهورية الورق الرسمى، وتكشف تفاصيل جديدة عن «الورق المضروب» و«الأوراق المستحيلة» تلك التى تجعل المصريين يقفون فى طابور غالبا ما ينتهى بكلمة «فوت علينا بكره».
 فى هذا الملف تستكشف «المصرى اليوم» كواليس «الضرب» وقسمة أمهات وأطفال وجدوا أنفسهم فجأة ضحايا لقوانين محفوظة فى «ثلاجة» الحكومة. يرصد هذا الملف دفتر أحوال المصريين فى الطريق إلى الورق الرسمى، يعيش معهم حالات «النصب» و«الفهلوة» ويتتبع نظرية «الشاى» و«الإكرامية» ليرسم خريطة تفصيلية لجمهورية ورقستان العربية التى كانت يوما ما «مصر المحروسة».
على باب مشيرة خطاب: أطفال فى انتظار «التأشيرة»
اعترف قانون الطفل الصادر عام 1996 وتعديلاته الأخيرة لعام 2008 بالطفل مجهول الهوية، وقام المجلس القومى للأمومة والطفولة بالمساهمة فى إصدار أول شهادة ميلاد تحمل اسم الأم الحقيقى ولا تحمل اسم الأب الحقيقى، حيث كان القانون قبل التعديل يعطى الحق للأب أو شخص من «العصب» بإصدار شهادة ميلاد الطفل مع اشتراط وجود عقد زواج رسمى.
كان الحل الوحيد فيما قبل القانون هو تحرير شهادة ميلاد «لقيط» للطفل تحمل اسمى أم وأب مقترحين حتى إذا كانت الأم موجودة. كان وجود القانون الجديد حلا لإحدى مشاكل أطفال الشوارع، ولأن الحكومة تنبهت بعد سنوات طويلة لمشكلة آلاف الأطفال الذين يعيشون دون شهادة ميلاد، ولأن القانون صدر بالفعل، خاضت «المصرى اليوم» رحلة للبحث عن «القانون التائه» فى أروقة المجلس القومى للأمومة والطفولة ومكاتب الصحة.
قررنا أن نخوض رحلة استخراج شهادة ميلاد باسم الأم فقط بصحبة دعاء عباس، المحامية بمشروع حماية الأطفال المعرضين للخطر، قالت دعاء إن لديها بالفعل فتاة صغيرة لم تتعد الخامسة عشرة من عمرها تعرضت لحادثة اغتصاب نتجت عنها طفلة بلا شهادة ميلاد.
الطفلة الآن فى شهرها السادس، وأمها فى دوامة البحث عن «المغتصب» وإصدار شهادة ميلاد. بدأت رحلتنا لاستخراج شهادة ميلاد باسم الأم من مكاتب الصحة، بدأنا من مكتب صحة مدينة العمال بإمبابة، حيث قابلنا مسؤول القيد هناك، أخبرناه بأن لدينا حالة لطفلة خارج مؤسسة الزواج وتحتاج شهادة ميلاد باسم الأم الحقيقى طبقا لقانون الطفل الجديد.
نظر إلينا الموظف قائلاً: «القانون ده هناك تلاقى حد راكنه فى درج فى مجلس الشعب، المجلس لسه ما قالش كلمته»، صمت الموظف قليلاً ثم أضاف: «ثم دى قوانين غربية يطبقوها فى أمريكا لكن هنا مافيش الكلام الفاضى ده.. ولو جاتلى أم عاوزة تعمل شهادة ميلاد باسمها حتى لو متجوزة رسمى هاقولها يحنن.. هاتى الأب أو حد من العصب.. القانون كده وأنا بطبق القانون».
لم ينف الموظف وجود «حالات خاصة بنسجل فيها العيل بأمر النيابة، لكن حتى لما ده بيحصل بيكتبوا جملة (يسجل حسب التعليمات) والتعليمات دى بتحددها وزارة الصحة بالقانون رقم 12 لسنة 1996 اللى متعلق على الحيطة، أما القانون الجديد فلسه بدرى أوى عليه».
ومن مكتب صحة مدينة العمال لمكتب صحة البوهى بالجيزة، الذى بدا مسؤول القيد به متعجباً بشدة من إصدار شهادة تحمل اسم الأم الحقيقية «إحنا منعرفش حاجة عن القانون ده، كل اللى أعرفه إن فيه ناس اقترحته وناس عارضته ولسه عليه مشاكل، بس المجلس ما قالش آه أو لأ، فالقانون اللى بتقولوا عنه ده (فشنك)، ولما بييجى عندنا أطفال غير شرعيين بنعمل لهم شهادات لقطاء، عملنا ده قريب مع حالات من مؤسسة العجوزة للفتيات، لأنها حاجة لوجه الله،
وكان المجلس القومى للأمومة والطفولة محولهم علينا فعملنا لهم شهادات ميلاد لقطاء اسم الأم فيها بتقترحه الصحة - رغم وجود الأم الحقيقية - واسم الأب بتقترحه النيابة، وبخلاف شهادات ميلاد اللقطاء لازم الأب بنفسه أو حد من العصب ويكون معاه قسيمة الزواج الرسمية هو اللى يطلع شهادة الميلاد، وده وفقا للقانون 12 لسنة 96، المادة رقم 15 اللى متعلقة فى كل مكاتب الصحة وحتى الجواز العرفى مش معترف بيه».
لم يختلف الحال فى مكتب صحة الجيزة ثان عن مثيله فى البوهى وإمبابة، الاختلاف الوحيد أن مسؤول القيد بدا مقدرا لأزمة الطفلة «أنا عارف إن دى كارثة، وسمعت إن فيه ناس حاولت تقترح قانون يصدر شهادات الميلاد باسم الأم وصفتها..
لكن لسه مافيش أى حاجة اتطبقت والقانون اتحفظ فى أدراج المكاتب، لأنه بيناسب أكتر المجتمعات الغربية، المشكلة بقى عندنا مش فى أطفال الشوارع وضحايا الاغتصاب بس، المشكلة كمان فى المتجوزين عرفى وده حصل قدامى، كان فيه حد متجوز رسمى بس معداش وقت بعد تاريخ قسيمة الجواز غير 6 شهور، وطبعا معرفناش نعمل له شهادة ميلاد لأن مدة الحمل المفترضة معديتش، فلو القانون ده موجود هيحل أزمات ناس كتير،
وأنا أتمنى يكون موجود! لكن مقدرش أخالف التعليمات اللى عندى، والتعليمات اللى عندى بتقول إنى أطبق قانون الطفل لسنة 96، حتى قانون 2008 مجلناش اللائحة التنفيذية بتاعته عشان نطبقه، واللى أعرفه إن المادة بتاعت إن الأم ممكن تطلع شهادة الميلاد لابنها مش من مواد القانون أصلا!».
وفى مكتب صحة الدقى.. عندما أخبرنا الموظف بحاجتنا لشهادة ميلاد الطفلة نظر إلى الورق وصمت طويلا ثم نطق بكلمة واحدة «معندناش»، وحين سألناه عن توضيح قال: «القانون لسه ما اتطبقش.. ولا حد عارف عنه حاجة»، هنا تدخلت موظفة فى الموضوع: «يا فندم القانون تم إقراره فعلا وعملنا شهادة ميلاد لحالة جات هنا من فترة».
لم تخرج الموظفة عن السياق العام ماركة «معندناش» فبعد إضافتها المهمة أردفت ساخرة: «والله البلد اتقدمت.. بقينا بنعمل حاجات ماكنش حد يتخيل إننا نعملها».
تحكى الموظفة التى رفضت نشر اسمها: «فى الأول ماكنتش أعرف لا القانون ولا المادة الجديدة اللى بتقول إن الأم تقدر تطلع شهادة ميلاد لابنها، لكن الحالة جات ومعاها محامية، ولما رفضنا نعمل الشهادة، المحامية جابت من مصلحة الأحوال المدنية ورقة بتقول إن فيه قانون جديد بيقول ده وان القانون محل التطبيق، طبعا مقدرناش نتكلم وسننا الواد وعملنا الشهادة.. إنتوا بقى تروحوا الأحوال تجيبوا ورقة زى دى وترجعوا ومعاكم نموذج 26 ساقط قيد وبطاقة الأم وبلاغ من المستشفى اللى ولدت فيها».
أما فى مكتب صحة العجوزة فقد قابلتنا موظفة منتقبة لم ترفع عينيها عن الورق، انتظرت حتى شرحنا الحالة ثم قالت: «مجتليش حاجة بكده، لازم مديرية الصحة تبعت تعليمات بده عشان ننفذه، أنا سمعت عن الكلام ده بس، ومعرفش إذا كان صح ولا غلط».
غادرنا مكاتب الصحة وبدأ الشك يساورنا، هل هناك قانون أصلا يسمح للأم باستخراج شهادة ميلاد لطفلها؟ هل إقرار القانون فى المجلس «مسرحية» لم يشاهدها موظفو السجل المدنى؟ هل يعود أطفال الشوارع مرة أخرى للمربع رقم صفر فيما يخص الأوراق الرسمية؟
حملنا الأسئلة كلها إلى المجلس القومى للأمومة والطفولة باعتبار أن المجلس قد صرح أكثر من مرة بمساعدته للكثيرات فى استخراج شهادات ميلاد لأطفالهن، على باب المجلس أخبرنا موظف الاستقبال أن السيدة سمية الألفى مسؤول العلاقات العامة بالمجلس هى الشخص الوحيد القادر على «حل المشكلة»..
فى الطريق إلى مكتب مسؤولة العلاقات العامة المخولة بحل المشاكل فوجئنا بموظف يخبرنا بأن مقابلة المسؤولة تحتاج لموعد مسبق، حاول الموظف الاتصال على هاتف مكتب سمية متوقعا عدم الرد، وهو ما كان بالفعل.
من دهاليز مكتب العلاقات العامة خرجت موظفة أخرى لتعيدنا إلى دوامة جديدة «المجلس بيحول الحالات اللى زى دى على جمعية حواء، وهناك بقى بيحاولوا يساعدوا، وفيه حل تانى ممكن يا تروحوا الجمعية يا تبعتوا الورق على الفاكس عندنا لحد ما مدام سمية تشوفه وتنظر فيه والمجلس يتصل بيكم يقول لكم تعملوا إيه»، وافقنا على حل الفاكس وارسلنا البيانات كاملة وانتظرنا أسبوعا دون رد، فلا الفاكس حل المشاكل ولا «السيدة المسؤولة» نظرت فى الأمر.
تحدثنا إلى المستشار خليل مصطفى، المستشار القانونى بالمجلس القومى للأمومة والطفولة، الذى أخبرنا بأن تعديل قانون الطفل لعام 2008 ينص بالفعل فى مادته الخامسة عشرة على حق الأم فى إصدار شهادة ميلاد لطفلها باعتبارها أحد الأشخاص المكلفين بالتبليغ عن الولادة شريطة إثبات العلاقة الزوجية على النحو الذى تبينه اللائحة التنفيذية، وهم ما لم يكن منصوصا عليه فى قانون الطفل قبل التعديل، والذى كان يشترط أن يكون حق التبليغ عن الولادة للأب فقط أو شخص من العصب.
وأضاف خليل أنه يعرف أن موظفى الصحة رغم إقرار القانون لا يطبقونه لأنهم «مش عارفين التطبيق إزاى لأن اللائحة لسه ما وصلتش المكاتب ومانقدرش نلومهم»، وعن إصدار اللائحة قال: «إن مشيرة خطاب وزيرة الأسرة والسكان، صرحت بأن اللائحة التنفيذية المفترض أنها قد انتهت.. بس ما اقدرش أعلن موعد إصدارها بصراحة».
انتهت الرحلة إلى النقطة رقم صفر، فالقانون خرج من المجلس إلى ثلاجة المجلس، واللائحة تنتظر مع أطفال وأمهات وضحايا حوادث الاغتصاب على باب الوزيرة فى انتظار الفرج.
محمد 7 سنوات دون شهادة ميلاد ومنى تبحث عن النسب منذ 4 أعوام
«أروح لمين» لم تكن تلك أغنية للسيدة أم كلثوم، لكنها حال مواطنة طحنتها الظروف وغاب عنها الزوج لتجد نفسها فى دوامة البحث عن لائحة تنفيذية لقانون الطفل الجديد. أم محمد زوجة وأم لأربعة أطفال، أما الأب فاعترف بأول طفلين، ومع المشاكل والضغوط قرر الهرب فجأة «سابنى أنا ومحمد ومنى من غير ورقة.. العيال أولاده وهو عارف بس الشيطان دخل بينا». ترك الأب بيته وتعلق 4 أطفال برقبة الأم.
لم تكن المشاكل فى حياة أم محمد اقتصادية فقط، فمع الظروف الطاحنة كان عليها أن تعيش جزءاً من دوامة «الحكومة». من مكتب صحة لمكتب محام، ومن جمعية أهلية لجمعية أخرى.. بحثت أم محمد عن حل لطفليها محمد ومنى «محمد عنده 7 سنين دلوقتى وعايش من غير شهادة ميلاد.. ومنى 4 سنين ومافيش ورقة واحدة تخصها فى مكتب الصحة ومش عارفة أعمل إيه.. قالوا فيه قانون جديد يخلينى أسجل العيلين دول باسمى وادينى قاعدة لما نشوف الحكومة هاتقول إيه..» وفى انتظار الحكومة كانت أم محمد ومنى تعيش أسوأ ظروف اقتصادية ممكنة، فى دولة يحكمها «الورق الرسمى» ووسط ظروف قاهرة تنتظر «ختم النسر» على شهادة ميلاد طفلين.
أم محمد لديها وثيقة زواج رسمية لكن قانون 1996 لا يعترف بحق الزوجة فى استخراج شهادة ميلاد لأطفالها، ورغم صدور قانون الطفل الجديد فى 2008 إلا أن أم محمد كان لها رأى فى القانون الجديد الذى ينتظر لائحة تنفيذية تعدها د. مشيرة خطاب وزير الأسرة والطفولة. «القانون مع الرجالة فى كل حاجة.
يعنى أبقى متجوزة وعلى ذمة راجل وعلى سنة الله ورسوله وعندى منه 4 عيال وما اقدرش اطلع لعيل حتة ورقة؟ فى شرع مين ده يا ناس».
طرقت أم محمد كل الأبواب، فلم تجد أى بارقة أمل «عملت نصبة شاى على ناصية شارعنا.. أمال أجيب أكل العيال دى منين.. بعد شوية المعايش بقت صعبة أوى والدنيا بقت نار ومافيش ورايا حد يسندنى ولا يسد جوع 4 عيال متعلقين فى رقبتى.. قعدت أفكر أعمل إيه بدل ما نموت من الجوع فقلت أخرج العيلين الكبار (15 و13 سنة) من التعليم اللى ما بقيتش قادرة على مصاريفه.. قلت يشتغلوا ويساعدونى أنا واخواتهم الصغيرين.. جبت لهم كرتونة مناديل يبيعوها فى إشارات المرور وقدام الجوامع وفى الشارع أهو نواية تسند الزير.. بقوا يطلعوا من الصبح معايا أنا أروح على النصبة وهما يروحوا على الشارع ونرجع بعد كدا البيت بكام جنيه يادوبك نعيش بيهم».
ابنا أم محمد الخارجان للشارع تعرفا على جمعية كاريتاس بالجيزة بصدفة غريبة جمعتهما مع أطفال الشوارع، هناك فى حوارى الجيزة الضيقة عرفت أطفال الشوارع قصة الأسرة ودلوا الطفلين على الجمعية.
ذهب الطفلان إلى «كاريتاس».. حكوا كل شىء.. الفقر ومشكلة الأوراق والخروج من التعليم. الجمعية ذهبت إلى الأم وأقنعتها بضرورة انتظام الطفلين فى المدرسة وتكفلت «كاريتاس» بالنفقات.. فيما بدا الحل الوحيد أمام أم محمد وطفليها الآخرين رفع دعوى ضد الوالد لعل القضاء يكون أسرع من قانون الطفل التائه فى كواليس وزارة الأسرة.
طفلة معاقة ذهنياً أصبحت أماً بعد حادث اغتصاب: مى تنتظر «فرج الحكومة»
رغم سنواتها الست عشرة خرجت إلى الشارع لتلعب مع «العيال».. فتاة معاقة ذهنيا فقدت الأب، ورعتها عيون الأم والخال من بعيد لبعيد. مى لم تكن تعرف من الدنيا سوى اللعب والبيت، طفلة بالمعنى الحرفى، جعلها المرض دون هموم، حتى عادت إلى المنزل مجهدة لا تقوى على الحركة والسبب «حمل» ناتج عن اغتصاب.
فى البيت لاحظت الأم آلام مى، ولم تمر سوى أيام حتى بدأت أعراض غريبة تظهر على الفتاة المعاقة ذهنيا، قىء ودوخة، وارتفاع فى درجة الحرارة « قلت نروح للدكتور مع إننا ما بنروحش إلا فى الشديد القوى هكذا قررت والدة مى أن تذهب للطبيب كى تطمئن على حالة الصغيرة التى أصبحت ترفض «اللعب مع العيال». فى العيادة كانت المفاجأة «مى حامل فى الخامس»، عبارة نطقها الطبيب زلزلت الأم الريفية.
تلقت الأم الخبر بصبر من تعودت على الكوارث، خاصة بعد رحيل «السند»، لن تلوم ابنتها لأنها تعرف جيدا أنها لا تدرك شيئا.. فالطفلة لا تدرك شيئا، ولا تفهم ما الذى حدث ولا من انتهك جسدها بهذا الشكل. لجأت الأم إلى أخيها تشركه فى كارثة ابنتها، «لو كان أبوها موجوداً كنت اترميت عليه.. لكن نعمل إيه الخال والد والحمل تقيل والبت عيانة وحامل والغلابة ماحدش بيسمعهم ومالهومش فى الدنيا غير بعض».
تجاوز الخال صدمته بسرعة وحرر محضرا بالواقعة التى قيدت ضد مجهول حيث لم تتعرف الفتاة ولا الشرطة على أى مشتبه فيه. لم يكن أمام الخال حل إلا رعاية الطفلة وأمها «ساعدنا.. ربنا يكفيه شر المرض.. مالناش غيره والعيلة الغلبانة دى عاوزة اللى يراعيها والحمل مصاريف.. إحنا مالنا ومال الغلب ده كله يارب».
عاشت مى فى بيئة خاصة، الأم حزينة تحاول أن تصمد، والخال «مافيش بيده حاجة يعملها» بعد المحضر سوى انتظار الفرج. وضعت مى طفلتها بهدوء فى بيت الأسرة، تعلمت الطفلة المعاقة كيف تحتضن ابنتها 4 أعوام، استبدلت الشارع و«العيال» واللعب بطفلة خرجت للحياة دون أب يحميها ولا أم سليمة ترعاها. كانت جدة الطفلة تقوم بدورين ، تحمى مى من نفسها، وترعى الطفلة التى أصبحت رغما عن الجميع جزءا من أسرة لا تريد من الدنيا سوى الستر.
4 أعوام كاملة لم يفكر أحد فى إصدار شهادة ميلاد لطفلة مى، فالأب أو أحد أقاربه المباشرين من «العصب» يحتكرون حق استخراج الشهادة، ولأن الأم لا تعرف أبا لطفلتها، ولأن قانون الطفل كان مجرد همسات فى أروقة مجلس الشعب كان على مى أن تحمل طفلتها دون أوراق رسمية طيلة 4 أعوام.
بالمصادفة عرف الخال بصدور قانون الطفل الجديد الذى يسمح للمرأة بتسجيل الطفل باسمها.
على الفور بحث عن الخط الساخن حتى وصل إلى الوحدة القانونية لشبكة الجمعيات المعنية برعاية الأطفال مجهولى النسب والتى ترعاها اليونيسيف.
فى الشبكة كانت حالة مى وطفلتها أمام محمد على، المحامى، عضو الوحدة القانونية، «لم يكن هناك أدنى أمل فى استخراج شهادة ميلاد لطفلة مى، كان أمامى حل قانونى وحيد وهو رفع دعوى نسب للطفلة، لكن ضد من أرفع الدعوى ومى لا تعرف من انتهكها بهذا الشكل رغم اعاقتها ويتمها؟!..
كان الحل أن نجلس وننتظر الفرج حتى صدر بالفعل قانون الطفل الجديد فى 2008 وتفاءلنا خيراً.. لكن الوضع لايزال ضبابيا، خاصة أن القانون بحاجة للائحة تنفيذية لتفعيله وهى اللائحة التى لم تصدر حتى الآن رغم أنه من المتعارف عليه أن تصدر اللائحة فى خلال 6 أشهر من صدور القانون».
الآن تجلس مى فى دارها تلعب مع طفلتها دون أن تعى أن مأساتها مع الأوراق الرسمية يمكن أن تنتهى لو أن يدا خفية فتحت درج الوزيرة وأخرجت اللائحة المجمدة إلى مسارها الطبيعى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.