اثنان ليس من حق المصريين انتقادهما.. الرئيس والإعلام.. فإذا كان الرئيس بحكم السلطة، والإعلام بحكم الأضواء، يقودان الناس.. فإن الناس هم الذين فى الواقع يصنعون رئيسهم وإعلامهم.. والذى يصنع شيئا لا يمكنه أن يبقى بعد ذلك طول الوقت يلوم ويعتب ويسخر ويشكو ما صنعه بيديه.. لا عدل الرئيس إن غاب، ولا احترام الإعلام إن ضاع.. ولكن المصريين لا يحبون مصارحة أنفسهم بالحقيقة.. يحبون دائما الشكوى من الفساد والرئيس أمامهم حاضرا طول الوقت كأنه هو المسؤول الأوحد دائما لا يشاركه الناس فى ذلك بالفعل أو الصمت العاجز.. يحبون دائما الشكوى من التعصب والجنون وفوضى الرياضة وأمامهم الإعلام جاهزا لتنفيذ حكم الجلد أو الإعدام بعد كل قضية أو فضيحة.. لا يلتفتون أبداً حولهم أو يراقبون ما يجرى فى العالم وكأنه درس خصوصى وضرورى من أجل التعلم والفهم وتغيير الواقع والحال.. وبالتأكيد لا الرئيس ولا الإعلام هما المسؤولان عن عدم خضوع أى نجم كرة لأى مساءلة قانونية حقيقية.. فلو كان النجم أحمر فلن يسكت مسؤولو الأهلى وجماهيره وأنصاره حتى تموت قضية هذا اللاعب وتختفى من أى ملفات رسمية.. وكذلك أى لاعب أبيض.. أما اللاعب الأصفر أو بأى لون آخر.. فهناك نواب فى البرلمان ورجال أعمال محليون معظمهم فاسدون بالقطع يقومون بهذا الدور.. وأتحداكم لو اكتملت أى قضية ضد أى نجم كرة سواء كانت قضية رشوة أو استغلال نفوذ أو فساد وتربح.. مع أن فرنسا حين بدأت مؤخرا تحاكم نجومها الكبار بتهمة ممارسة الدعارة مع فتاة قاصر.. لم نجد جمهوراً أو إعلاماً يفرق بين هؤلاء اللاعبين حسب أنديتهم.. وقال الرئيس ساركوزى أنه قد انتهى تماما عصر كان فيه لاعب الكرة فوق القانون.. ومنذ يومين فقط.. ألقت الشرطة البرازيلية القبض على برونو دى سوزا.. حارس مرمى نادى فلامينجو.. صاحب الشعبية الأكبر فى البرازيل كلها.. وقالت الشرطة إن لديها الدلائل على أن دى سوزا قتل صديقته ساموديو منذ شهر تقريبا.. واحترم الناس جميعهم ذلك.. لم يقل أحد منهم أن وزير الداخلية ينتمى لناد منافس أو يكره فلامينجو ويحقد على كم بطولاته وانتصاراته.. لم يعتبر جمهور فلامينجو أن القبض على حارس مرماهم إهانة لهم جميعا أو انتقاص من قدر ناديهم.. بينما لو ألقى الأمن عندنا القبض على مشجع متعصب رمى صاروخاً أو حجراً.. فسيبدأ الناس أولا فى تحديد انتماء المشجع.. المشجعون الذين ينتمون لنفس نادى هذا المشجع سيهاجمون الأمن ويلعنونه.. بينما المشجعون الآخرون سيشكرون الأمن على هذا الانضباط والالتزام.. إعلام الأهلى لايزال غاضباً من الأمن لأنه ضد جمهور الأهلى، وراضياً عنه لأنه ألقى القبض على متعصبى الإسماعيلية.. وإعلام الزمالك كان غاضباً من الامن لأنه لم يلق القبض على من أحرقوا أتوبيس الزمالك، وكان سعيداً جدا بالأمن الذى ألقى القبض على مراهقين أهلاوية أشعلوا النار فى مباراة ودية مؤخرا.. مع أنه فى الحقيقة هو نفس الأمن.. لكن مواقف الناس والإعلام وأحكامهم هى التى تتغير حسب الظروف والأحوال والأهواء.. إعلام صنعه الناس بأهوائهم وتعصبهم وإصرارهم على تسطيح كل القضايا.. ثم جاءوا الآن يشكون الإعلام الذى صنعوه وأعطوه قوة وحقاً لأن يصبح فاسداً يوماً بعد يوم. [email protected]