قل لى بالله عليك: من عشر سنين لا أكثر، لو كان قد جاءك شاب طول بعرض وقال لك بصوت ودود «لو سمحت.. ممكن تضيفنى؟»، هل كان سيلومك أحد لو فهمته غلط؟. طيب، اليوم ونحن نعيش أعتى عصور الفيس بوك هل تجرؤ على أن تدعى أنك فهمت أحدا غلط لأنه قال لك «لو سمحت ممكن تضيفنى؟». ما هذا الهوس بالإضافة الذى يجتاح مصر ياناس؟، لماذا أصبحت الإضافة الوحيدة التى نقدمها فى الكون كمصريين وعرب ومسلمين، هى إضافة بعضنا البعض فى حسابات الفيس بوك، كل يوم أتلقى رسائل على الفيس بوك تسألنى أو تعاتبنى أو تقطمنى «أنا حاولت أضيفك بس إنت ماضفتنيش.. إنت مش عايز تضيفنى ولا إيه.. ياعم التواضع حلو ضيفنى بقى.. هو إنت ممكن تضيفنى»، أحيانا أشعر برغبة عارمة فى أن أقول للبعض «أضيفك منين يا أخى.. هو أنا أعرفك؟»، ثم أمتنع لكى لا أجرح مشاعرهم فأخسرهم كمشاهدين أو كقراء، دعنى آمل ألا يكون من بين قراء هذه المقالة أحد طلب منى إضافته وحلقت له، ليس تقليلاً من شخصه الكريم، أو اعتقادا أن إضافته لن تضيف لى شيئا، بل كراهية لهذه العادة التكنولوجية الكريهة التى تفترض أن الصداقة يمكن أن تصبح قرارا بكبسة زر، وليست عيش وملح وقهاوى وكتبا نسرقها من بعض، وحفلات ميد نايت ندخلها مع بعض حتى مطلع الفجر ومطاعم نجربها فى بعض، وسلف لحد آخر الشهر يتحول إلى سلف لحد آخر العمر، واستشارات عاطفية خائبة، وغناء مشتركا فى الشوارع الخالية لا ينقطع بانهيال الشتائم من البلكونات، وسنغض النظر هنا عن الثلاثة أشياء التى تتطلبها الصحوبية طبقا للمثل الشعبى الشهير، فتلك من محدثات الأمور التى توجب دخول النار والعياذ بالله. العوض على الله فيمن سيزعل من هذه الصراحة التى لا أريدها أن تفوت دون أن نقف مع أنفسنا وقفة جادة فى طريقة تعاملنا مع مستحدثات التكنولوجيا التى لا يروج بيننا منها إلا أتفهها مضمونا وأحطها شأنا وأخبثها نية، ولكم فى مراجعة الجروبات الأكثر انتشارا على الفيس بوك والكليبات الأشد رواجا على اليوتيوب مصداق لما أقول. لكى لا تفهمنى خطأ، دعنى أؤكد لك أننى لا أمتلك موقفا عدائيا ضد الفيس بوك لا سمح الله، بالعكس أستمتع كلما سنحت الفرصة بالتواصل عبره مع أصدقائى الذين باعدت بيننا الأيام، ولى فيه محبون يسبغون علىّ من مشاعرهم الودودة ما يخفف قليلا آثار عقدة الاضطهاد التى تلازمنى كظلى منذ ولدت. أما عن اليو تيوب فمنذ أن قدمت برنامج عصير الكتب وأنا أعرف قيمته ولا أعرف كيف أشكر فضله فى نشر برنامجى فى بلاد لم أكن أحلم بأن أصل إليها وعباد لم أكن أعرف إليهم سبيلا. لم أصبح من أهل التويتر بعد برغم أن صديقا لى فتح لى حسابا عليه بالعافية، ربما لأننى لست من المسارعين إلى الخيرات أو ربما لأننى لا أستطيع تكثيف ما أريد أن أقوله فى أقل عدد ممكن من الكلمات، ليست مقالاتى وحدها هى الدليل على ذلك، رسائلى القصيرة التى أبعثها إلى أصدقائى أغلبها يقارب حجم المعلقات السبع وعندما أريد أن أكون مختصرا جدا ألجأ إلى الشتائم لأنها الكلمات الوحيدة التى توصل أكبر قدر من المشاعر فى أقل عدد من الكلمات. على أى حال ورغم كل هذا الإسهاب فى إعلان حسن نواياى تجاه حزمة السُبُل الإلكترونية الجديدة، دعنى أعلن لك أننى سأظل حتى الممات مؤمنا بأن الإنسان لا يكتسب قيمته من عدد أصدقائه على الفيس بوك ولا من عدد الذين يحضرون جنازته أو عزاءه، وسأظل دائما أدعو الله ألا يحوجنى لأحد وألا يجعلنى أقول لأحد لا أعرفه يوما ما «ممكن تضيفنى»، فيفهمنى خطأ ويروح عقله لبعيد. ختاما ولكى لا يقف عليك هذا المقال بخسارة، دون أن تستفيد منه شيئا ينفعك فى دنياك، دعنى أحاول إقناعك بأن تكون حذرا قبل أن تفكر فى إضافة أحد لا تعرفه حق المعرفة إلى قائمة أصدقائك، واسمع هذه الحكاية الحافلة بالعظات والعبر: فرح صديق لى بأن فتاة حسناء كاعبة أضافته إلى قائمة أصدقائها، ودخل معها فى علاقة افتراضية ملتهبة تخللها بعض الإضافات لمعلومات شخصية جدا، ولن أطيل عليكم فى التفاصيل الملتبسة التى حدثت فى ظلها تلك الإضافات، سأقول لكم فقط إن تلك السلسلة من الإضافات انتهت إلى إضافة مبلغ وقدره من رصيد الفيزا كارت الخاصة بصديقى الأهطل إلى حساب المُضافة الكاعبة التى اختفت بعدها من وجود الفيس بوك، وعندما حكى لنا باكيا على وول الفيس بوك ماحدث، لم أتعاطف معه البتة بل علقت على وكسته مستشهدا بقول الشاعر العربى القديم مع تعديل وحيد «أضافونى وأى فتى أضاعوا.. ليوم كريهة وسداد ثغر»، والغريب أنه من ساعتها يا أخى وهو يقاطعنى، بل قام ب«تدليتى» من قائمة أصدقائه، رغم أننى كلما دخلت إلى الفيس بوك، لا ألقى بالا لأنه يمكن أن يفهمنى غلط، وأظل أبعث له برسالة استعطاف لا تتغير «لو سمحت ممكن تضيفنى؟». أضافنا الله وإياكم إلى قائمة الخالدين فى جناته. [email protected]