ثورة على الكرة

بعد نجاح الثورة فى إسقاط الطاغية على الرغم من كل محاولات منكريها، أدركنا أننا بحاجة إلى الثورة فى العديد من مجالات حياتنا.. نجحت الثورة فى تعرية الفاسدين ونزع أقنعة المستبدين، وفتحت الباب لإصلاح الحياة السياسية بأبعادها الثلاثية: التشريعية والقضائية والتنفيذية. مهمة شديدة التعقيد، ولكنها فرصة لا أظنها تتكرر كثيرًا فى حياة الشعوب.. أعاننا الله على إتمامها وسط هذا المناخ الذى تحالف فيه أعداؤها جميعًا لاستعادة زمام البلاد، مستخدمين فى ذلك كل فنون الخداع والتآمر واللعب الدنىء. اختاروا اللعب القذر فى الوقت الذى يحتفل فيه العالم كله باللعب النظيف.. بالتنافس الشريف.. بالمودة والتآخى واحترام الآخرين!
أتحدث هنا عن دورة لندن الأوليمبية التى يتابعها العالم كله هذه الأيام. فلننس مؤقتاً تعاسة اللعب البذىء الذى يمارسه فرسان الكذب والافتراء، ونتجه إلى عالم الشرف والإخاء.
أكثر من عشرة آلاف رياضى من أكثر من مائة وخمسين دولة تجمعوا تحت الشعلة الأوليمبية التى أضاءت قلوب الإنسانية لتأكيد القيم والمعانى السامية، فعلى عكس ما يتصور الكثيرون، أؤكد لكم أن المنافسات الرياضية لم تُنَظَّم أبدًا من أجل تحديد الأسرع والأقوى والأعلى والأمهر والأفضل بنياناً، وإنما خَطَّط مبدعوها لثورة فى غاية الأهمية.. ثورة على جميع المظاهر السلبية فى حياة الناس. الأوليمبياد ثورة على الظلم والغش والخداع والنفاق والتعالى والاستبداد.. إنها ثورة على عبوس الوجه وشراء الذمم والضمائر.. ثورة تعيد الإنسان إلى فطرته الأولى، إنها بحق «ثورة على النفس»، وهو تعبير أستعيره من صديقى وأخى العزيز معز مسعود. تمتلئ الشاشة بالقوائم التى تسجل الأرقام القياسية وتصنيف المشاركين فى أى مسابقة وغيرها من المعلومات المهمة لتيسير المتابعة، فينخدع البعض، ويغرق فى التعرف على الأبطال وجنسياتهم وميدالياتهم، وينسى الهدف الأصلى الذى من أجله تقام هذه الدورات.. إنها الأخلاق!
الأخلاق التى تنعكس فى اللعب النظيف والتنافس الشريف، ولا مانع بعد ذلك من رصد مزايا أخرى لإقامة الدورات الأوليمبية، فمن خلالها يتحمس الناس لممارسة الرياضة، فينظمون حياتهم، ويتخلصون من البدانة، وترتفع مناعتهم، وتتحسن أحوالهم الصحية.
فوائد الرياضة يصعب حصرها، فهى تعلم قيمة الوقت، وتشجع ممارسيها على مواجهة التحديات والمصاعب.. الرياضة تقدم درساً عملياً للبناء التراكمى، وتؤكد أن الاستمرار فى أداء عمل أو تدريب محدد يرفع مستوى الأداء إلى أعلى معدلاته. خمسة آلاف ساعة تدريب يؤديها كل لاعب يفوز بميدالية أوليمبية.. تتدرب البطلة أو البطل ما لا يقل عن أربع ساعات يومياً لمدة أربع سنوات متتالية ليحقق ذهبية أو فضية أو برونزية.. حتى أبطال المراكز التالية من الرابع إلى العاشر أو العشرين، هم أيضاً يبذلون جهداً خارقاً، ويتفانون فى محاولة الفوز، بل إنهم بالفعل سر تحقيق الأوائل لإنجازاتهم الفذة، فلولا الرابع والخامس وضغطهما على الثلاثة الأوائل ما تحطمت الأرقام القياسية، وما انبهرنا بالأداء الرائع فى مختلف الملاعب واللعبات. بقى أن نرسخ ثقافة تقدير التميز الرقمى حتى نتمكن من الاستمتاع بمتابعة السباحة أو مسابقات ألعاب القوى التى تعارفنا على تسميتها بأم الرياضات.. حتى اللعبات القتالية التى تمارس فى الأوليمبياد تحافظ على سلامة اللاعبين. يجب أن نوسع نطاق اهتماماتنا الرياضية، ونعتبر هذه الدورة نقطة انطلاق لممارسة كل مواطن للرياضة التى تناسبه، حتى لو اقتضى ذلك ثورة على الكرة.
أَعَزَّ الله مصر بشهدائها وأبطالها وعلمائها وكل مواطن شريف.
sawy@culturewheel.com