وصلتنى هذه الرسالة من طالبة الطب الرقيقة رانيا الزلوع. تقول الرسالة: «لا أدرى كيف نمت بهذا العمق بعد يوم عصيب فى الكلية. ولا أعلم كم مر من الساعات وأنا نائمة، ولكنى حين فتحت عينىّ كانت المفاجأة! هذه ليست غرفتى! كنت راقدة على سرير أبيض فى غرفة ضيقة وسط مجموعة من المسنين! ماذا يحدث؟ هل مت؟ وهؤلاء هم الموتى حولى؟! وفجأة دخل مجموعة من الشباب، قال أحدهم: «يالا يا حاجة. تعالى معانا عشان نكمل ال(شيت)». قلت: «حاجة! ربنا يسمع منك! بس إنتم مين؟ وإيه ال(شيت) ده؟». قال آخر: «آه. واضح إن التخاريف رجعت تانى ركزى شويه إحنا إللى فحصناك إمبارح والنهارده الدكتور هيشوفك عشان يصحح الشيت بتاعنا» لم أفهم شيئا، ولكنى استسلمت. ونهضت من سريرى لأذهب معهم، فشعرت بإجهاد كبير وألم فى كل مفاصلى. مشيت محنية الظهر أتكئ على حائط بارد. ولأول مرة ألاحظ وجود تجاعيد مخيفة على ظهر يدى. وظللت أسير حتى وصلت إلى قاعة مكتظة بالبشر يتقدمهم رجل يبدو عليه الوقار سأل من معى فى حدة: «اتأخرتم كده ليه؟. هى دى بقى الحالة!» وأشار إلىّ كى أجلس. قال أحد الشباب: «آسفين يا دكتور. أصلها عندها الزهايمر وعلى ما فهمناها طلّعت روحنا. وإحنا بعد الفحص لاقيناها جلوكوما» فهمتُ أننى المقصودة بهذا الحوار، واقترب الدكتور منى وسألنى: «عندك كام سنه يا ماما؟» ماما! كيف أكون أما له وأنا فى العشرين من عمرى. جاوبت «عشرين سنة». وانفجرت القاعة بالضحك وقال أحدهم: «قصدها عشرين سنة بعد الميه يا دكتور». تألمت كثيرا لهذه السخرية وشعرت بغصة فى حلقى ولكنى صمتُ. وقال الدكتور وهو يشير بأصابعه: «ماشى يا ستى. طب دول كام؟»، فقلت: «تلاتة». امتلأت القاعة بالضحك مرة أخرى وكأننى ألقيت نكتة. وقتها لم أتمالك نفسى و بكيت من الألم الجسدى والنفسى. قال الطبيب بعد مصطلحات كثيرة: «حنشيل العين كلها» وهنا صرخت: «لأ ربنا يخليك. كله إلا عينيا». وظللت أردد هذه الكلمات حتى أسرعت إلىّ أختى قائلة: «مالك؟. هو الكابوس بتاع كل ليلة اتكرر؟» نظرت حولى وحمدت الله أنى فى غرفتى وعلى سريرى، ويدى اختفت التجاعيد منها. أضافت أختى: «بصراحة إنت مزوداها. مش عشان حالة شفتيها فى المستشفى تتأثرى بالطريقة دى!. استهدى بالله كده وقومى صلى ركعتين» قمتُ وصليت ركعتين ودعوت الله ألا يردنى إلى أرذل العمر. وفكرت فى حال هؤلاء المرضى، فمن السهل أن يصبح أحدنا محلهم، ويلاقى الإهانة فى شيخوخته. الطب ذوق ورحمة ورسالة. الطب عقل ولسان وابتسامة.. يدخل بها الجنة. [email protected]