رغم طغيان التصنع والتظاهر بحميمية العلاقة بين الرئيس الأمريكى باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو على تصريحاتهما المشتركة عقب لقائهما فى البيت الأبيض الثلاثاء الماضى، فإن الحقائق السياسية التى تهيمن على طبيعة العلاقات بين البلدين فرضت على الرئيس الأمريكى السير مع التيار حتى لا يثير الجبهات الصهيونية التى تتخذ من الكونجرس معقلاً لها، وهو ما جعل نتنياهو يعود سعيداً بجعبة مليئة بالمكاسب دون أن يتكلف أى شىء. فقد تبادل أوباما ونتنياهو الإطراء والتأكيد على صلابة الرباط بين الحليفين الولاياتالمتحدة وإسرائيل، وبدا اللقاء كما لو كان محاولة لرأب الصدع بينهما، أكثر منه مراجعة لما تم إحرازه من تقدم مزعوم فى عملية السلام. وفى الوقت الذى أعلن فيه أوباما توقعه بأن تفضى المحادثات غير المباشرة إلى مفاوضات مباشرة، أبدى نتنياهو استعداده للدخول مع الفلسطينيين فى مفاوضات مباشرة، إلا أنه نسف ذلك فى باقى الجملة إذ طرح شروطاً أخرى لتحقيق السلام لا يمكن قياسها مادياً، قائلاً إن الأمر يتطلب أن تعد السلطة الفلسطينية شعبها للسلام فى المناهج الدراسية. وواصل نتنياهو مراوغته عندما حان الحديث عن التزاماته تجاه تحريك عملية السلام، حيث لم يدل بإجابة واضحة حول ما إذا كان على استعداد لتمديد العمل بقرار تجميد أنشطة الاستيطان فى الضفة الغربية بعدما ينتهى مفعوله فى سبتمبر المقبل. فبينما أعرب أوباما عن أمله فى أن يستمر سريان هذا القرار خلال الأسابيع المقبلة، وفى أن تكون المفاوضات المباشرة قد بدأت قبل انتهاء فاعلية القرار، قال نتنياهو إنه يرغب بالأحرى فى إطلاق المفاوضات المباشرة، فى تلميح ضمنى إلى عدم رغبته فى تقديم أى التزام يقوض وجوده السياسى خاصة مع التهديدات المستمرة من قبل عصابات المستوطنين. وكعادتها فى كل أزمة تنشب بين تل أبيب وواشنطن، واصلت إسرائيل تحقيق مكاسب إضافية تمثلت فى المزيد من الالتزام الأمريكى بتفوقها النوعى عسكرياً بالمنطقة، وبمقاومة جميع المحاولات الدولية للتشكيك فى شرعيتها أو عزلها. وانتزع نتنياهو التزاماً قوياً من أوباما بألا يتحول المؤتمر المقبل حول مراجعة معاهدة الانتشار النووى إلى ساحة لإدانة إسرائيل واستهدافها بشكل خاص، وهو الموقف الذى اعتبره دان ميريدور، نائب رئيس الوزراء الإسرائيلى، تأييداً من واشنطن لاستراتيجية إسرائيل النووية المتحفظة. ومن جهة أخرى، قال مسؤولون إسرائيليون إن نتنياهو بحث خلال لقائه وزير الدفاع الأمريكى روبرت جيتس فى وقت لاحق احتمال أن تشترى إسرائيل «منتجات دفاع» غير محددة من الولاياتالمتحدة لكى تبقى على تفوقها الاستراتيجى على الدول المجاورة. ولم يشأ نتنياهو أن يمر لقاؤه مع أوباما دون تحقيق مكسب سياسى آخر يبدد المخاوف التى أثيرت على الصعيد الداخلى فى إسرائيل من أن قيادة نتنياهو يمكن أن تهدد العلاقة مع أقوى سند لإسرائيل وأن تضعف التزام واشنطن تجاهها، فدعا أوباما وزوجته إلى زيارة إسرائيل، فيما أجاب أوباما «أنا مستعد». وبالرغم من إشارته إلى أنه متأكد من أن أوباما وزوجته سيلبيان الدعوة، أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت جيبس أمس الأول أن الزيارة ليست مدرجة على برنامج هذا العام. وتعهد نتنياهو فى مقابلة مع شبكة «سى.إن.إن» الأمريكية بأن يكون مستقبل المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية أول المواضيع التى سيجرى التفاوض حولها إذا استأنف الفلسطينيون محادثات سلام مباشرة. ويرى محللون أن الخطاب الأمريكى سيواصل فى الفترة المقبلة التركيز فى الغالب على عدم فرض شروط مسبقة للدخول فى المفاوضات المباشرة، بما يعنى تجاهل النشاط الاستيطانى الذى يلتهم أراضى الضفة ويفرض واقعاً جديداً على الأرض يحول دون قيام دولة ذات مقومات للبقاء.