رئيس الوزراء يلتقي الملحقين العسكريين المرشحين للعمل بالخارج    رئيس وزراء اليونان يلتقي محمود عباس في رام الله ويؤكد دعم بلاده لغزة    خطة السلام وبناء المستوطنات    رئيس الهيئة الدولية لدعم فلسطين: الاحتلال لا يسمح سوى بدخول أقل من ثلث المساعدات المتفق عليها إلى غزة    السيسي: مستعدون لدفع المزيد من الاستثمارات المصرية إلى السوق التنزانية    زيلينسكي: أوكرانيا بدأت إنتاج أنظمة الدفاع الجوي محليًا    حسام حسن يعلن تشكيل منتخب مصر أمام زيمبابوي    تأجيل محاكمة هدير عبد الرازق وأوتاكا بتهمة نشر فيديوهات خادشة    أحمد السعدني يدعم «الفيشاوي» في عزاء سمية الألفي    ميرال الطحاوي تفوز بجائزة سرد الذهب فرع السرود الشعبية    رمضان عبدالمعز: دعوة المظلوم لا تُرد    فيديو.. الصحة مستشهدة بالتعريف العالمي: لا يوجد نقص في أدوية علاج البرد    مصر تحصد 18 ميدالية فى اليوم الثانى بالبطولة العربية لرفع الأثقال فى قطر    مصدر من الأهلي ل في الجول: لا نعرقل انتقال حمزة عبد الكريم ل برشلونة.. وهذا موقفنا    السيسي يشيد بتطور العلاقات المصرية التنزانية والحرص على تعزيز التشاور السياسي    البورصة تختتم تعاملاتها اليوم الإثنين بتباين كافة المؤشرات    إيهاب هيكل: خريجو كليات أطباء الأسنان مش لاقيين شغل (فيديو)    توني يقود هجوم الأهلي ضد الشرطة العراقي في دوري أبطال آسيا للنخبة    تعيينات جديدة بكلية التربية جامعة عين شمس    مصلحة الضرائب: حزمة التسهيلات الثانية تستهدف توسيع القاعدة الضريبية    "يتمتع بخصوصية مميزة".. أزهري يكشف فضل شهر رجب(فيديو)    آيتن عامر تعتذر عن استكمال "حق ضايع" قبل بدء التصوير    لأول مرة بجامعة عين شمس.. نجاح جراحة زرع جهاز تحفيز العصب العجزي    خلال 24 ساعة.. رصد 153 مخالفة على الطرق في الغربية    نائب الصحة لشئون الحوكمة والرقابة يشهد الاجتماع الأول للجنة تطوير منظومة طب الأسنان    "هعيش حزين".. أول تعليق من أحمد الفيشاوي بعد وفاة والدته    يضم 950 قطعة أثرية.... محافظ المنيا يتفقد متحف آثار ملوي    جنايات الإرهاب تقضى بالمؤبد والسجن المشدد ل5 متهمين بخلية التجمع    قائد أوغندا قبل مواجهة تونس: لن نكون لقمة سائغة لمنافسينا في أمم إفريقيا    في مشهد مهيب.. الأزهر ينجح في إخماد فتنة ثأرية بالصعيد    جامعة قناة السويس تعتلي قمة الجامعات المصرية في التحول الرقمي لعام 2025    كأس أمم أفريقيا 2025.. تعرف على تشكيل زامبيا لمواجهة مالى    فرحة وحيدة لمنتخب مصر في الاستضافة العربية لأمم أفريقيا    قصة قصيرة ..بدران والهلباوى ..بقلم ..القاص : على صلاح    مدير تعليم الجيزة يواصل سياسة العمل الميداني بزيارة مفاجئة لإدارتي «العياط والصف»    رئيس جامعة القاهرة يجري سلسلة لقاءات رفيعة المستوى بالصين لتعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي    الانتقام المجنون.. حكاية جريمة حضرها الشيطان في شقة «أبو يوسف»    السيطرة على حريق بسوق عرفان فى محرم بك بالإسكندرية دون إصابات.. صور    هل طلب بيراميدز ضم ناصر ماهر من الزمالك ..مصدر يوضح    إطلاق حملة "ستر ودفا وإطعام" بالشرقية    تشكيل مجلس إدارة غرفة الرعاية الصحية فى اتحاد الصناعات    وزارة شئون القدس تطالب بتدخل دولي عاجل لوقف هدم منازل المقدسيين    مصدر من الأهلي يكشف ل في الجول تطورات ملف المحترفين والراحلين.. وموقف توروب    مدبولي: توجيهات من الرئيس بإسراع الخطى في تنفيذ منظومة التأمين الصحي الشامل    محافظ المنوفية يتفقد مركز خدمة عملاء مركز معلومات شبكات المرافق بقويسنا.. صور    كنز بطلمي يخرج من باطن الأرض محافظ بني سويف يتفقد أسرار معبد بطليموس الثاني بجبل النور بعد أكثر من عقد على اكتشافه    محافظ سوهاج يعلن إتاحة التصديق القنصلي على المستندات بمكاتب البريد    غرف دردشة الألعاب الإلكترونية.. بين التفاعل الرقمي وحماية الأطفال    ننشر مواعيد امتحانات الفصل الدراسى الأول بمحافظة القاهرة    وكيل الأزهر يحذِّر من الفراغ التربوي: إذا لم يُملأ بالقيم ملأته الأفكار المنحرفة    وزير قطاع الأعمال: نحرص على تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي    وزير الثقافة ورئيس صندوق التنمية الحضرية يوقّعان بروتوكول تعاون لتنظيم فعاليات ثقافية وفنية بحديقة «تلال الفسطاط»    روائح رمضان تقترب    كامل الوزير يلتقى وزير التجارة والصناعة فى عمان    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    أسعار السمك اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    حصاد 2025 جامعة العاصمة.. 7 آلاف طالب وافد و60 منحة دراسية جديدة    أكسيوس: لا توجد مؤشرات حتى الآن على هجوم إيرانى وشيك ضد إسرائيل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عامان على رحيل ...بيتهوفن الشرق!
نشر في المشهد يوم 05 - 12 - 2014

ها قد حل " ديسمبر " صاحب رمزية "الخِتام" كأخر شهور العام ، يحمل معه رياح الذكرى وهمس الوداع ل "عمَار" القلوب .. يُباغتنا بإنقضاء عامين على رحيل غواص بحر النغم، أسطورة الشجن وملحمة المشاعر "عمار الشريعى"، الذى رحل عن عالمنا فى السابع من ديسمبر 2012 بعد أن اعتذر قلبه عن مواصلة الآلام متوقفاً عن النبض بعد صراع طويل مع المرض.
"عمار الشريعى " وإن جاز لى تلقيبه " بيتهوفن الشرق " ، جَمعه العديد من القواسم المشتركة مع الموسيقار العالمى بيتهوفن، فكلاهما حُرِم من أحد الحواس الهامة، حيث ألف بيتهوفن أعظم سيمفونياته عقب إصابته بالصمم ، كما كان "عمار" كفيفاً ولكن الله حباه بنعمة تفوق نعمة البصر وهى " البصيرة" .
كان "عمار" يحتضن عوده الأصيل.. يميل نحوه مناجياً تجويفه اليانع بحدائق النغم، يخاطبه شادياً غير مكثرثاً بما لا تراه عيناه الوقورتان ، منتشياً بما دار بينهما من ألحان تبوح بأحلام عينيه وبرؤى روحه ، تماماً كما كان " بيتهوفن" يميل نحو "البيانو" فى عناق المتوسل يتلقى اهتزازته بصدره ليستشعرها تردداً تألفه أنامله رغم تنكر سمعه لكل الأصوات..
" عمار الشريعى " صاحب الملامح الأكثر براءة والأبتسامة الأكثر نقاءً والتحليق الأكثر نفاذاً والموهبة الأكثر تفرداً ، كان يحل ضيفاً جميلاً على قلوبنا ، ويحملنا بنعومة على جناحيه لنستقر بظلاله الزيزفونية ..كانت ألحانه عميقة شجية بعمق الأيام ومواجعها الممتزجة بآهات المجتمع ...كان حالماً كنسمة جنوب رَطبة فى ليلة خانقة...نقياً كجندول عذب يتدفق موجه فى ثراء...صادقاً ينفذ اليك فى ثوانٍ معدودة، سالكاً أقصر الطرق ليستحوذ على القلوب.
ولد عمار في السادس عشر من إبريل 1948 بمدينة سمالوط إحدى مراكز محافظة المنيا بصعيد مصر ، تلقى علوم الموسيقى الشرقية على يد مجموعة من الأساتذة في إطار برنامج مكثف أعدته وزارة التربية والتعليم خصيصاً للطلبة المكفوفين الراغبين في دراسة الموسيقى، وأتقن العزف على آلات البيانو والأكورديون والعود، ثم تحول إلى الأورج حيث بزغ نجمه كأحد أبرع عازفي جيله، واُعتبر نموذجاً غير مسبوقاً في تحدى الإعاقة نظراً لصعوبة وتعقيد هذه الآلة واعتمادها بدرجة كبيرة على الإبصار.
ثم اتجه بعدها الى التلحين والتوزيع الموسيقى وصار أحد الأعمدة المصرية بهذا المجال، وقد تجاوزت أعماله السينمائية 50 فيلماً، والتليفزيونية 150 مسلسلاً، وما يزيد على 20 عملاً إذاعياً، و10 مسرحيات غنائية استعراضية، وحصل على العديد من الجوائز والأوسمة التقديرية.
وإذا ما هفونا إلى الإتكاء على وسادة النغم والإبحار فى أعماق الموسيقى، علينا ان نجلس فقط فى سكون منصتين ومستغرقين فى ألحان " الشريعى" التى تحملنا معها إلى مناطق شديدة الخصوصية فى حنايا الشخصية المصرية ، حيث تصحبنا موسيقى "أرابيسك" فى جولة دافئة داخل الأحياء المصرية العريقة ..نغوص بداخل زرقشتها الشرقية التى رسمها فن "الأرابيسك" على "المشربيات" و"النوافذ"، فتبدو موسيقى "الشريعى" كالعاشق والمعشوق ..تماماً كهذا الفن الزخرفى البديع ذو البنيان الهندسى المتناسق.
وإذا ما استرجعنا حلاوة" الشهد" ومرارة " الدمع" علينا أن نَطرِب لرائعته الموسيقية الفريدة فى مسلسل " الشهد والدموع " ، ذلك العالم الدافىء من الأنفعالات المتناقضة بين كراهية وحب .. ظلم وتضحية .. غفران وحقد ، لنجد مقدمة المسلسل أشبه بممر نفسى ضيق تشكو به النغمات من غدر الأيام ، ثم ينفرج حزن الألحان فى تتر النهاية ، فتنتصر نبتة الحب والتسامح ويتبدد معها االشجن ، لتتراقص تغريدات العود بما يحمله من خبايا وأسرار وانفعالات.
وإذا ما استوقفتنا فلسفة "حديث الصباح والمساء" .. ذلك الحديث الغامض المتجلى على أنين العود الواثق ، كى نستنشق عبق الصباح ونزفر نسمات "المساء"، ونتأمل ما بين هذا الصباح وذاك المساء ، لنرى العظة العميقة تنهمر مع تراتيل الألحان، وتموج داخل لحظات نفسية خاصة بين...رؤى واحلام ... موت وحياة ... ميلاد ورحيل ... ماضى وحاضر...شروق وغروب.
أكاد اقشعر من شدو " أنغام " فى المقدمة " مين فينا جاى مرساها مين رايح ..لحظة ميلاد الفرح كان فيه حبيب رايح .. يا أبو الروايح يا نرجس ما تجس وتر القدر "... وكأن " شريعى" قرر حقاً أن يكون بديلاً للنرجس فصارت موسيقاه تتحسس أوتار القدر وتحملنا معها لعالم افتراضى يُبقينا فوق ربوة الواقع حيث يستقر عين اليقين وعين الحدس.
رحمة الله على هذا المُبدِع الفذ صاحب " كل هذا الحب " و " حلم الجنوبى " ، الذى رفع " الرايا البيضاء " أمام عشقه ل "زيزينيا"، وجعلنا نلتف حوله فى دفىء "العائلة " منادياً حاشداً لننتشى ب "دموع فى عيون وقحة " .. مرتحلاً بنا فى جولة مثيرة مع "الزينى بركات " ، " السيرة الهلالية " و" شيخ العرب همام ".. مٌصدِراً قراره بأن يقذفنا " بره الدنيا " صارخاً " لا " فى وجه ظلم الحياه ..معلناً للجميع غرامه وصبابته فى جميلة الجميلات " مصر " مغرداً بصوته الرخيم " حبيبتى من ضفايرها طل القمر" .
إنها حقاً بانوراما موسيقية وشعورية أسكننا بها الراحل "عمار الشريعى" عبر استحضرار روائعه الخالدة ، ولا يسعنا فى ذكراه سوى الإنحناء لفنه الراقى وإرثه الثرى واحساسه الأكثر شفافية ، ولنبحر قليلاً مع بعض اللينكات " الشريعية " كى نخلد برفقة إحساسنا.. مستغرقين فى الإحتفاء بذكرى هذا المبدع الراحل الذى أمطرنا بعذب الألحان ، وما الوفاء الجميل إلا خشوع مع رَجع النغم!
موسيقى عمار الشريعي
موسيقى عمار الشريعي
حبيبتي من ضفايرها طل القمر
حبيبتي من ضفايرها طل القمر
المشهد .. لا سقف للحرية
المشهد .. لا سقف للحرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.