عروض وثائقية وشهادات حية من أبطال أكتوبر بالندوة التثقيفية ال42 للقوات المسلحة    رئيس جامعة بنها يتفقد المشروعات الإنشائية الجديدة ويعلن إنشاء متحف    لماذا يعد الاعتداء على المال العام أشد حرمة؟.. متحدث وزارة الأوقاف يوضح    أسعار الأسماك بسوق العبور اليوم الأحد 19 أكتوبر 2025    54.3 % زيادة في أسعار الذهب منذ بداية 2025    هام من التموين بشأن أسعار السلع والتلاعب فيها    مؤتمر جامعة القاهرة الدولي للذكاء الاصطناعي يشعل منظومة ابتكار الذكاء الاصطناعي    أسعار مواد البناء اليوم الأحد 19 أكتوبر 2025    إزالة 393 حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة بالمنيا    وزير الخارجية الباكستاني يرحب باتفاق وقف إطلاق النار مع أفغانستان    السيسي: إعادة الإعمار بعد النزاعات أولوية لتحقيق السلام والتنمية في إفريقيا    إطلاق قافلة زاد العزة ال53 إلى غزة بحمولة 8500 طن مساعدات    بوتين اشترط خلال اتصاله مع ترامب تسليم أوكرانيا أراضٍ رئيسية لإنهاء الحرب    وصول بعثة الأهلي إلى مصر عقب الفوز على بطل بوروندي (صور)    في نهائي مونديال الشباب 2025 .. منتخب المغرب يسعي لتحقيق إنجاز تاريخي علي حساب الأرجنتين    خاص.. أول تعليق من والد خوان بيزيرا على دعم جمهور الزمالك في مباراة ديكيداها بكأس الكونفدرالية    حالة الطقس في السعودية اليوم الأحد.. أجواء مستقرة نسبيا    دفن جثة شخص لقي مصرعه في حادث تصادم بالنزهة    دون خسائر بشرية.. السيطرة على حريق مخلفات زراعية بمدينة قها في القليوبية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 19-10-2025 في محافظة الأقصر    «الصحة» توقع وثيقة اعتماد استراتيجية التعاون القطري مع منظمة الصحة العالمية 2024–2028    متحدث الصحة: مبادرة صحة الرئة قدمت أكثر من 55 ألف خدمة للمواطنين    أمل جديد .. طرح أول لقاح يحمى من الإيدز بنسبة 100% يؤخذ مرة كل شهرين    «الرعاية الصحية» تبحث مع «المستشفيات العربية» التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي    عمرو الحديدي: الشيبي وماييلي لن يرفضا عرضًا من الأهلي    حكم الوضوء قبل النوم والطعام ومعاودة الجماع.. دار الإفتاء توضح رأي الشرع بالتفصيل    كولومبيا تتهم الولايات المتحدة بانتهاك مجالها البحري وقتل صياد    الأمم المتحدة تطلق عملية واسعة النطاق لإزالة الأنقاض فى غزة    أطول تلاتة في الجونة.. احمد مجدي يمازح أحمد السعدني وخالد سليم    دعاء الفجر| اللهم جبرًا يتعجب له أهل الأرض وأهل السماء    نقيب الصحفيين: بلاغ لوزير الداخلية ووقائع التحقيق مع الزميل محمد طاهر «انتهاك صريح لقانون النقابة»    مي عمر تغسل ماضيها في عملها الجديد غسيل ومكوى المقرر عرضه في رمضان 2026    أحمد سعد يغادر إلى ألمانيا بطائرته الخاصة استعدادًا لحفله المنتظر    «حظهم ماتش الأهلي جه بدري».. شيكابالا يُعلق على خروج بيراميدز من كبوته    «العمل العربية» تشارك في الدورة ال72 للجنة الإقليمية بالصحة العالمية    وزارة السياحة والآثار تنفي التقدّم ببلاغ ضد أحد الصحفيين    شبانة: أداء اليمين أمام مجلس الشيوخ مسئولية لخدمة الوطن والمواطن    التعليم توضح الفئات المستفيدة من أجهزة التابلت 2025-2026.. من هم؟ (إجراءات وضوابط التسليم)    عملوها الرجالة.. منتخب مصر تتوج بكأس العالم للكرة الطائرة جلوس    نتنياهو: الحرب ستنتهي بعد تنفيذ المرحلة الثانية بما يشمل نزع سلاح حماس    مصرع عروسين اختناقًا بالغاز داخل شقتهما ليلة الزفاف بمدينة بدر    أحمد ربيع: نحاول عمل كل شيء لإسعاد جماهير الزمالك    الهداف التاريخي.. ماذا قدم محمد صلاح أمام مانشستر يونايتد قبل قمة اليوم؟    100 فكرة انتخابية لكتابة برنامج حقيقي يخدم الوطن    وائل جسار: فخور بوجودي في مصر الحبيبة وتحية كبيرة للجيش المصري    لا تتردد في استخدام حدسك.. حظ برج الدلو اليوم 19 أكتوبر    منة شلبي: أنا هاوية بأجر محترف وورثت التسامح عن أمي    ياسر جلال: أقسم بالله السيسي ومعاونوه ناس بتحب البلد بجد وهذا موقف الرئيس من تقديم شخصيته في الاختيار    «زي النهارده».. توقيع اتفاقية الجلاء 19 أكتوبر 1954    بعد هبوط الأخضر بالبنوك.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 19-10-2025    سيتغاضى عنها الشركاء الغربيون.. مراقبون: تمثيل كيان العدو بجثامين الأسرى والشهداء جريمة حرب    محمود سعد يكشف دعاء السيدة نفيسة لفك الكرب: جاءتني الألطاف تسعى بالفرج    رابط المكتبة الإلكترونية لوزارة التعليم 2025-2026.. فيديوهات وتقييمات وكتب دراسية في مكان واحد    تفاصيل محاكمة المتهمين في قضية خلية مدينة نصر    إصابة 10 أشخاص بينهم أطفال في هجوم كلب مسعور بقرية سيلا في الفيوم    المشدد 15 سنة لمتهمين بحيازة مخدر الحشيش في الإسكندرية    غضب ومشادات بسبب رفع «الأجرة» أعلى من النسب المقررة    مواقيت الصلاة اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"القاسم"ريحانة" أرض الغضب وسماء "درويش" الحارقة
نشر في المشهد يوم 22 - 08 - 2014

وكأن قدر الرحيل كان رهنا بأن ينكأ جرحنا العميق في زمن صمتنا الجمعي الأعمق ، أن يتوسد معه ثري أرضنا المحتلة ذات الليلة ألفي شهيد و12 ألف مصاب من المدنيين الأبرياء ومازالت مدافع وغارات الصهاينة تعربد بلا شافع أو رادع أو رقيب ، يتحول جيش الدفاع العربي الي خيال مآته وأشجار جميز عتيقة عملاقة بالية الأوراق قزمة وعفنة الثمار ، فلا أكلت منها حشرات ولا فئران ولا حيوانات الغابة و لا أفلح المنتشرون حولها في التدفؤ بها شتاء ولا الخبيز علي حطبها أو التظلل تحتها حينما تصهل الشمس وتكوي الجلود ، ويتبدل بيت العرب علي نيل القاهرة بسباطة موز وأجولة من اللب وحبات الترمس واللوز لزوم سهرات الفرجة الشهية أمام التلفاز لمتابعة البث الحي للقصف والعدوان !!؟ .
ها هو "سميح" يفتش في أردية نخوتنا العربية عن مظلة ودرع ورادع لعل وعسي يجدها ، منذ سنوات بعيدة وهو يشعل الأرض الخراب حوله بألق وسامق القصائد التي ظلت تقاتل وحدها دوننا : " تقدموا .. كل سماء فوقكم جهنم وكل أرض تحتكم جهنم .. تقدموا .. يموت منا الطفل والشيخ ولا يستسلم .. وتسقط الأم علي أبناءها القتلي ولا تستسلم .. تقدموا " .
من حقنا إذا أن نزهو ونحن نواري عبق جثمانه الفتي ليلة أمس الي جوار عرفات وأبو جهاد وياسين وناجي العلي وأيمان حجي ومحمد الدرة وغيرهم من أفراس و نوارس بحر يافا وحيفا ، الي رماد بخور ارض رام الله ونابلس ، والي ايقونات القدس والخليل المضيئة من مخيم السهل المقدس بساحة الانبياء وكنيسة العذراء الي قبة صخرة السماء وبيت المقدس وأولي القبلتين ، نعرج من ليلة الإسراء، الي ليلة ليلاء ودعنا فيها كم شهيدا لم نعد ندري ، تدوي الزغاريد ثم تمضي صاحباتها بلا أنكسار أو ندب الحزاني وطلات النحيب المر .
ها هو "سميح القاسم" أقحوانة ربيع أرضنا المحتلة وريحانة أرض الغضب ، زيتونة الأرق وشلال المبدع الملتاع من تلكؤ وطول خطبنا العصماء ، وتلال أبواقنا المكتفية بالغناء والعويل وتلقي واجب العزاء .. "والتشفي" .. يلحق بسماء الغضب الساطع "محمود درويش" وكم ذهب معه آسفا علي قوافلهم، تزور صيف وشتاء وخريف وربيع بحورالخطابة فيعجبهم جفافها ويستطيبون تواصل التمدد علي شواطئ الفرجة من بعيد وبالعيش الهانئ السعيد ، زعامة من ورق وفيافي فرسان الزمن الجميل القديم تبعث بصدى أصواتها تلعنهم ليل نهار ، يلحق "القاسم" بثري أنيسه الوسيم مثله والذي طالما لوع القلوب وأطفأ زيف الحناجر المشرعة والقوافي الراتعة في "وحل" بيع القضية .
هم مازالوا هنا وهناك لا يصدقون أن "درويش" قرنفلة حدائق شعرنا المرصع بماس المواجهة المشع وألماظات مقاومة الجهاد النثري والشعري المعجزة قد استطاب له طعم الحنضل في فمه وفمنا فرقد رقدته الأخيرة علي مهل يحمل بلا تفريط فنان قهوة روحه المشرعة وزهرة قلبه الموجوع ، ويسبق زمن ودرب توأم روحه بعدة خطي ويصر علي أن يخبرنا باكرا بنبوءته الغريبة الثاقبة : " أعرف أنني أمضي الي ما لست أعرف ، ربما مازلت حيا في مكان ما ، وأعرف ما أريد ، سأصير يوما ما أريد ، سأصير يوما فكرة لا سيف يحملها الي الأرض اليباب ، ولا كتاب ، كأنها مطر علي جبل تصدع من تفتح عشبه ، لا القوة أنتصرت ولا العدل الشريد " . ثم تنهيدته الآثرة الأشهر لوجع الفراق : " الموت لا يوجع الموتي .. الموت يوجع الأحياء" .
تماما مثلما راوغنا "القاسم" ليفلت من سرير مرضه القصير الطويل راسما في سماء فناء دورنا العربية بيتا .. بيتا .. قصيدته الذائعة الرائعة : " أنا لا أحبك ياموت .. لكنني لا أخافك ، وأدرك أن جسمي .. وروحي لحافك ، وأدرك تضيق علي ضفافك ، أنا لا أحبك ياموت .. لكنني لا أخافك ".
لقد تحولوا في لمح من نهار قصير وليل مارد الي أوسمة ونياشين وشهادات ميلاد تكتب بالدم والدموع ، ينزف بين قصائدهم المستحيلة بحرنا الاحمر ، يرتدي وقت إذاعة الرحيل الأول والأخير أشرعة بيضاء في طهر وبياض ونقاء "المسيح" ، ورقة كليم الرب "موسي" ، وحبيب الله "محمد" ، ومابين أنجيل وتوراة وقرآن يحفظون معا لحن السماء الذي شدي معه "درويش" وصعد اليه "القاسم" : " الغضب الساطع أت وأنا كلي ايمان ، وسنهزم وجه القوة ، لن تغلق باب مدينتنا " .
وينشدنا "القاسم" عابرا من غربته الأولي الي غربة الوداع : " ياأيها الموتي بلا موت ، تعبت من الحياة بلا حياة ، وتعبت من صمتي ، ومن صوتي ، تعبت من الرواية والرواة ، ومن الجناية والجناة ، ومن المحاكم والقضاة ،وسئمت تكليس القبور ، وسئمت تبذير الجياع علي الاضاحي والنذور " .
فيا نجما "قاسما "علي مفارق الدروب الوعرة الطويلة ، لحقت "بدرويشك" راهب الشعر المدلي كعنقود من كروم وزيتون وبرتقال وليمون مازال يثمر غصبا وطوعا بين أسمنت وحديد وأسلاك الجدار الفاصل المدجج بالعسكر والعيون الالية والبارود ، لن ينطفئ علي طول المدي ضيك ولا ضيه ، ودعناك خلفه .. أم ودعنا شمس العروبة الغائبة .. بلا ... مدي ؟! .
سميح القاسم ومحمود درويش
سميح القاسم ومحمود درويش


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.