60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الخميس 29 مايو 2025    إدارة ترامب تستأنف قرار محكمة فدرالية بشأن إلغاء الرسوم الجمركية    أكسيوس: اقتراح أمريكي محدث لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين في غزة    وفاة شخصين في اقتحام مستودع للأمم المتحدة بقطاع غزة    40 ألف طالب بالفيوم يبدأون اليوم امتحانات الدبلومات الفنية 2025    ب«193 مسجدًا و 9 ساحات».. الأوقاف تستعد لصلاة عيد الأضحى بالبحر الأحمر    بعد 50 عاما من الانتظار، اختراق علمي قد ينقذ أرواح الملايين حول العالم من بكتيريا قاتلة    إيلون ماسك يغادر إدارة ترامب    زلزال بقوة 5.2 درجة يضرب إيران    «توقعات سعر الذهب 2025».. مصير المعدن الأصفر الشهور المقبلة بعد تصريحات بنك أمريكا    أوبك يقرر تثبيت مستويات إنتاج النفط حتى 31 ديسمبر    نتيجة الصف الثاني الإعدادي 2025 بدمياط بالاسم و رقم الجلوس.. تعرف علي الموعد و درجة كل مادة    بعد توجيه شيخ الأزهر.. صرف إعانة إضافية بجانب منحة عيد الأضحى اليوم    روبيو: سنبدأ في إلغاء تأشيرات بعض الطلاب الصينيين    4 أعراض لو ظهرت على طفلك يجب الكشف لدى طبيب السكر فورا    تنطلق اليوم.. جداول امتحانات الدبلومات الفنية جميع التخصصات (صناعي- تجاري- زراعي- فندقي)    للعام الرابع على التوالي.. «مستقبل وطن» المنيا يكرم أوائل الطلبة بديرمواس| صور    نشرة التوك شو: توجيهات الرئيس السيسي ل قانون الإيجار القديم وأزمة البنزين المغشوش.. موقف تخفيف الأحمال في الصيف    الدولار ب49.75 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الخميس 29-5-2025    طريقة عمل المولتن كيك في خطوات بسيطة    مثال حي على ما أقول    الإفراج عن "الطنطاوي": ضغوط خارجية أم صفقة داخلية؟ ولماذا يستمر التنكيل بالإسلاميين؟    مقتل سيدة على يد زوجها بالشرقية بعد طعنها ب 21 طعنة    النائب العام يستقبل عددًا من رؤساء الاستئناف للنيابات المتخصصة والنيابات    ثقافة أسيوط تقدم «التكية» ضمن فعاليات الموسم المسرحي    بعد فقدان اللقب.. ماذا قدم بيراميدز في الدوري المصري 2024-2025؟    «احنا رقم واحد».. تعليق مثير من بيراميدز    أمانات حزب الجبهة الخدمية تعقد اجتماعا لمناقشة خطط عملها ضمن استراتيجية 2030    موعد أذان الفجر اليوم الخميس ثاني أيام ذي الحجة 1446 هجريًا    الزمالك يعلن إيقاف القيد مجددا بسبب الفلسطيني ياسر حمد    الشركة المنتجة لفيلم "أحمد وأحمد" تصدم الجمهور السعودي    لحظة تسلم الأهلي درع الدوري (صور)    رئيس الحكومة يكشف كواليس عودة الكتاتيب وتوجيهات السيسي    إمام عاشور يوجه رسالة عاجلة إلى حسام وإبراهيم حسن بعد التتويج بالدوري    اليوم، انطلاق امتحانات الثانوية الأزهرية بمشاركة أكثر من 173 ألف طالب وطالبة    رئيس «الشيوخ» يدعو إلى ميثاق دولى لتجريم «الإسلاموفوبيا»    طقس الحج بين حار وشديد الحرارة مع سحب رعدية محتملة    نشرة التوك شو| ظهور متحور جديد لكورونا.. وتطبيع محتمل مع إسرائيل قد ينطلق من دمشق وبيروت    5 أيام متتالية.. موعد اجازة عيد الأضحى 2025 في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    جانتيس: حكومة نتنياهو لن تسقط بسبب «صفقة الرهائن» المتوقع أن يقدمها «ويتكوف»    «كزبرة»يفتح قلبه للجمهور: «باحاول أكون على طبيعتي.. وباعبر من قلبي» (فيديو)    المحكمة الرياضية الدولية توضح ليلا كورة الموقف الحالي لشكوى بيراميدز بشأن القمة    وزير السياحة: بحث فرص زيادة حركة السياحة الوافدة إلى المقصد السياحي المصرى من صربيا    وزير السياحة: السوق الصربى يمثل أحد الأسواق الواعدة للمقصد السياحى المصري    موعد أذان فجر الخميس 2 من ذي الحجة 2025.. وأفضل أعمال العشر الأوائل    إنجاز تاريخي للكرة الإنجليزية.. 5 أندية تتوّج بخمس بطولات مختلفة فى موسم واحد    سعر الفراخ البيضاء والبلدى وكرتونة البيض بالأسواق اليوم الخميس 29 مايو 2025    ماريسكا: عانينا أمام بيتيس بسبب احتفالنا المبالغ فيه أمام نوتينجهام    الركوع برمزٍ ديني: ماذا تعني الركبة التي تركع بها؟    مروان عطية: نستحق التتويج بالدرع بعد موسم صعب    دليل أفلام عيد الأضحى في مصر 2025.. مواعيد العرض وتقييمات أولية    حكم الجمع بين نية صيام العشر الأوائل من ذي الحجة وقضاء رمضان    أحمد سعد يزيل التاتو: ابتديت رحلة وشايف إن ده أحسن القرارات اللى أخدتها    محافظ قنا يشهد افتتاح الدورة الثانية من "أيام قنا السينمائية" تحت شعار "السينما في قلب الريف"    «زي النهارده».. وفاة الأديب والسيناريست أسامة أنور عكاشة 28 مايو 2010    بداية حدوث الجلطات.. عميد معهد القلب السابق يحذر الحجاج من تناول هذه المشروبات    ألم حاد ونخز في الأعصاب.. أعراض ومضاعفات «الديسك» مرض الملكة رانيا    اغتنموا الطاعات.. كيف يمكن استغلال العشر الأوائل من ذي الحجة؟ (الافتاء توضح)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القاسم.. طلب انتساب للموت
نشر في المصري اليوم يوم 20 - 08 - 2014


نازلاً كنت..
على سلم أحزان الهزيمة
نازلاً..
يمتصني موت بطيء
صارخاً في وجه أحزاني القديمة:
أحرقيني!.. أحرقيني لأضيء
هكذا يصرخ شاعر المقاومة، في وجه الحزن والهزيمة، حتى وهو يذوب في الموت.
سميح القاسم لم يكن مجرد شاعر عابر، يمتطي اللغة ليبهر جمهوره ببلاغة الأكروبات الشعري، أو جرأة الموقف العنيد في وجه المحو والاحتلال.
سميح كان حفنة من تراب في أرض فلسطين، إذا غادرها صار غبارا تذروه ريح، وإذا بقى صار الوطن، حتى لو وطن جريح.
ذات صباح ستيني (قبيل نكسة 67) وصلت سميح رسالة من جاره وصديق طفولته "فؤاد" التي غادر إلى بيروت، فاشتعلت في رأسه الذكريات، وكتب قصيدة "إليك هناك حيث تموت":
أخي الغالي
كتبت اليَّ مزهواً
‍‍‍‍‍‍‍‍‍(أخي الغالي)!.. تحياتي وأشواقي
تطير إليك من بيروت/ إليك هناك .. حيث تموت
أخي الغالي :
لماذا أنت لاتأتي إلى بيروت/ وتترك جرحك الممقوت
وتهجر وجهك المغموس في الوحل/ وتنسى عيشة الذل
ويرد القاسم في القصيدة التي روج الكثير من النقاد خطأ، أن سميح كان يقصد بها معايرة صديقه محمود درويش!:
رسالتك التي حطت على بابي .. جناح ملاك
أتعلم؟
حين فضتها يداي تنفضت أشواك
على وجهي .. وفي قلبي :
أخي الغالي:
إليك هناك.. حيث تموت/ كزنبقة بلا جذر
كنهر ضَيع المنبع/ كأغنية بلا مطلع
كعاصفة بلا عمر
إليك هناك حيث تموت كالشمس الخريفية
بأكفان ٍ حريرية
إليك هناك.. يا جرحي ويا عاري/ ويا ساكب ماء الوجه في ناري
إليك إليك من قلبي المقاوم جائعا عاري
تحياتي وأشواقي/ ولعنة بيتك الباقي!
ظل ابن الرامة قابضا على تراب الوطن، يحارب معركته بالكلمة، ويرفض المساومة
"يا عدو الشمس لن أساوم/ ولآخر نبض في عروقي سأقاوم"
ذات صباح ثمانيني (خريف 1988) اتصل بي صديقي العزيز مجدي حسنين الصحفي النشط، والقاص الموهوب (رحمة الله عليه) وكان يعمل معي محررا ثقافيا، وأكد لي خبر وصول سميح القاسم إلى القاهرة لأول مرة.
قبلها بشهور كانت ضجة غبية قد أثيرت حول التطبيع الثقافي، لأن أحدهم تنطع واتهم الأديب والصديق العزيز يوسف القعيد بمراسلة مجلة تصدر في "إسرائيل"، وكان المقصود هو مجلة "الجديد" التي يترأس تحريرها القاسم.
رد القعيد بقوة في صحيفة "الأهالي"، وثارت زوبعة اختلطت فيها الأوراق، وأظهر بعض المتنطعين القضية، وكأن التعاون مع القاسم تطبيعا، وكان الاتهام نفسه قد طال محمود درويش بعد قصيدته "عابرون في كلام عابر"!!
لهذا كنت حريصا على استقبال القاسم في اتحاد الفنانين العرب، ومنه إلى الفندق حيث يطل هوديني الفلسطيني على النيل لأول مرة في حياته.
أجريت أول حوار مع القاسم، وصارت بيننا صداقة سمحت لي بتصويره في الزيارة المقبلة بالفيديو لمدة تزيد على الساعة، خرجنا فيها إلى النيل، وتحدثنا فيها عن حياته وتطلعاته، وفي حوار تليفزيوني أجرته الزميلة هبة الله يوسف تحدث عن الشعر والفن وقضايا العرب، وعرض الحوار في سهرة السبت بقناة المشرق اللبنانية التي توقفت بعد قانون تنظيم الإعلام في التسعينات.
مع هذا الاقتراب تجلت أمامي المشتركات والاختلافات بين شطري البرتقالة (القاسم/درويش)، لك تكون الصورة كما رسمها حيالنا، لكنها كانت أجمل بمنافساتها، وتكاملها، والمشاعر الثرية التي تتضمنها العلاقة بين نجمي الشعر والشهرة في فلسطين.
كان سميح يستطيب أن يستمر في العلاقة (الأخ الأكبر والصديق الأنضج)، وكان درويش يهبط حينذاك من مأذنة المقاومة الحماسية إلى الفضاء الإنساني الأوسع والأعمق في العاطفة، مرة يتأثر درويش بسميح فيكتب عن الثرى بالطريقة "السميحية": "وأبي قال لي مرة/ الذي ماله وطن/ ماله في الثرى ضريح/ ونهاني عن السفر"، ومرة يتأثر سميح بدرويش فيبدع تجليات الفلسطيني التائه في قصيدة "شخص غير مرغوب فيه".
هكذا كانت المنافسة حاضرة، لكنها لا تعكر الحب، والتأثر مباح ويكشف عن إعجاب خفي، لهذا أكد لي سميح بعد إصرار مني أنه لم يقصد درويش عندما كتب "إليك في بيروت"، لأنه ببساطة كتبها قبل خروج درويش بثلاث سنوات، وحكى لي قصته المفجعة مع قريبه، والرسالة التي دفعته لكتابة هذه القصيدة.
بعد موت درويش، كنت أنتظر موتا ما لسميح القاسم، فالطائر لا يعيش طويلا بجناح واحد، وكنت أتلمس اقتراب الموت في عقل سميح، بل تمنيه أحيانا، فهو الذي كتب معاتبا معين بسيسو لأنه ذهب مع الموت زحيدا: يا صاحبي/ يا أيها النهم البخيل/ في النعش متسع لجثتين/ فكيف مضيت وحدك دون صاحبك القتيل"، فما بالنا بتاثير موت درويش عليه:
لماذا تَخلَيتَ عن وزر حزني/ ووزر حياتي
وحمَّلتَني وزر موتك
أنت تركت الحصان وحيداً.. لماذا؟
أجبني. أجبني.. لماذا؟."
سميح لم يهزمه سرطان الكبد، هزمته الهزائم في حياة لم تعد حياة
ألم يقل:
"يا أيها الموتى بلا موت/ تعبت من الحياة بلا حياة
وتعبت من صمتي/ ومن صوتي
تعبت من الرواية والرواة"
ألم يقل أيضا:
"من عاش يخسر سر الحياة
ومن مات بات علي الموت حرا وحيا
وما كان بالأمس عارا محالا
هو اليوم شأن صغير وجائز
فحاذر. وحاذر
زمانك وغدى وغادر
تنح. وغادر"
لقد كان في سنواته الأخيرة، أشد من الماء حزنا، كأنه زيتونة باتت وحيدة في مستوطنة صهيوينة، يكتوي بعذاب غزة، وضياع البروة والرامة من خريطة البلاد، وتلون العلم الفلسطيني بألوان الفصائل والقلاقل..
أليس الموت حلا جميلا؟!
إذن
"فليُسعفني العالم
بنشيد آخر للحُب
وأنا أقضم تفاحة موتي
وأغني .. في فرحٍ وشهيَّه!"
لقد أراد موتا كبيرا، لكن من أين هذا الموت الأسطوري في زمن الهزائم والانشطارات؟!
يكفيك ياطائر الرعد، يا ابن الزلازل أن تنام حفنة من تراب في حضن الوطن، فستظل كلماتك عالية تقاوم، وأحلامك تسطع في مواكب الشمس، حتى يحصد القادمون من جهات الروح، ما زرعت، وما اشتهيت.
[email protected]
اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.