حالة من الانفلات الامني تشهدها ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي في فبراير 2011، وعلى الرغم من ان عدم استقرار الاوضاع الامنية هي سمة مشتركة بين الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي، إلا ان الانفلات الامني في ليبيا تفاقم بشكل ملحوظ الامر الذي اعاق محاولات بناء المؤسسات في ليبيا. وتنوعت أشكال الانفلات الامني ما بين إغتيالات ولعل ابرزها اغتيال السفير الامريكي في طرابلس، واختطاف مسؤوليين حكومين مثل اختطاف رئيس الوزراء الليبي علي زيدان. كما ازدادت عمليات اختطاف الدبلوماسيين الأجانب، ولعل المثل الابرز هو اختطاف السفير الاردني فوازالعيطان والذي امتدت المفاوضات الى 28 يوما قبل اطلاق سراحه، ومن ثم فان كثير من البعثات الاجنبية غادرت ليبيا الى حين استقرار الاوضاع الامنية. ووفقا للتقارير والإحصائيات العالمية، تحتل ليبيا المركز الأول عالميًا في عدد الميليشيات والعصابات المسلحة، حيث بلغ عددها 1500 عصابةمسلحة وتشير الاحصاءات الى أن ليبيا يموت فيها يوميًا ما لا يقل عن 20 شخصًا قتلاً بالرصاص من ضمنهم قيادات عسكرية بالجيش والشرطة، فيما أكد مراقبون أن عدد قطع الأسلحة المنتشرة في مختلف أنحاء ليبيا بأكثر من 22 مليون قطعة ما بين أسلحة خفيفة، ومتوسطة، وثقيلة، في حين أن الجيش أو الشرطة لا يمتلك حتى جزء منها، وهو ما أدى إلى انحساره وعدم قدرته على تأدية مهامه بالشكل المطلوب. ويرى مراقبون ان انتشار الميليشات المسلحة والكتائب القتالية بهذا الشكل الخطيرقد تدفع ليبيا الى حرب اهلية على غرار ماحدث في لبنان. في هذا السياق ،قالت صحيفة «البيان» الإماراتية إن تردي الوضع الأمني في ليبيا من أهم أسباب عرقلة التقدم على المسار السياسي، فحالة الانفلات الشامل الذي تشهده ليبيا لانتخاب لجنة هيئة إعداد الدستور تظهر للأسف أنها بعد ثلاث سنوات على الثورة أبعد ما تكون عن تحقيق أهدافها وأقرب ما تكون إلى حرب أهلية. وتحت عنوان «الفوضى الخلاقة»، قالت الصحيفة إذا لم تتحسن ظروف الأمن وتحقق البلاد تقدمًا فيما يتعلق بالتحديات السياسية والاقتصادية يكاد يكون من المستحيل في حينه ضبط الأمن، ويصبح من المستبعد جدًا أن يخرج البلد من الفوضى الحالية. وأثارت الاشتباكات الاخيرة في بني غازي والتي اندلعت يوم الجمعة الماضية، وأسفرت عن مقتل أكثر من سبعين شخصاً، وفق تصريحات مسؤولين ليبين، التساؤلات حول مدي قدرة رئيس الحكومة الجديد احمد معيتيق على مواجهة تحدي الانفلات الامني. من جانبها، وصفت السلطات الليبية التحرك العسكري، الذي قاده اللواء المتقاعد خليفة حفتر في مدينة بنغازيالشرقية ضد ميليشيات اسلامية بأنه "محاولة انقلابية". وجاء في بيان مشترك اصدره الجيش والحكومة والبرلمان إن "تحرك حفتر ضد من يصفهم بالارهابيين يعتبر عملاً خارجاً عن الشرعية وبمثابة محاولة انقلابية". لكن حفتر رفض هذه الاتهامات، مؤكدا في بيان تلاه أمام الصحافيين أن "عمليتنا ليست انقلابا ولا سعيا إلى السلطة ولا تعطيلا للمسار الديمقراطي"، مضيفا أن "هذه العملية هدفها محدد وهو اجتثاث الإرهاب" من ليبيا وانه "استجاب لنداء الشعب"، حسب تعبيره. لكنه كرر أنه لا يعترف بشرعية السلطات الانتقالية التي "انتهت ولايتها ولفظها الشعب"، على حد قوله. في الوقت نفسه، أثارت التحركات العسكرية الأمريكية التي رُصدت خلال اليومين الماضيين في البحر الأبيض المتوسط غير بعيد عن الحدود البحرية الليبية، قلقا متزايدا لدى الأوساط السياسية الليبية التي لم تتردد في وصفها ب"المُريبة والمُثيرة للتكهنات" ويرى مراقبون بان هذا التحرك ربما يجيء في سياق اتفاق غير معلن بين اللواء الليبي خليفة حفتر الذي قاد هجوما مسلحا على مدينة بنغازي ضد معاقل الاسلاميين المتشددين " انصار الشريعة " وبين الامريكيين الذين يسعون الى القبض على قتلت السفير الامريكي في طرابلس جي كريستوفر ستيفنز في 11 9/2012 . ويقول محللون انه اذا ثبت بان خليفة حفتر تحرك بالتنسيق مع الامريكيين فان من شأن ذلك ان يشعل حربا اهلية طويلة الامد في ليبيا ذلك ان قوى ثورية تمتلك من الامكانيات المادية والعسكرية ما يؤهلها لدخول هذا الصراع ضد حلفاء الولاياتالمتحدة الجدد في طرابلس . وفي نفس الاطار، انتقلت المواجهات المسلحة من بني غازي الى العاصمة طرابلس، وقامت مجموعة مسلحة باقتحام مبنى المؤتمر الوطني. واعلن الجيش الوطني الليبي أمس على لسان متحدثه العسكري تجميد المؤتمر الوطني العام وتكليف الحكومة المؤقتة بالاستمرار في عملها. الان وبعد ان عادت ليبيا الى المربع صفربعد تجميد الؤتمر الوطني العام أعلى سلطة في البلاد ،وفي ظل عجز الجيش الوطني والشرطة على مواجهة الجماعات المسلحة والقضاء على الانفلات الامني، أصبحت ليبيا في حاجة الى خارطة مستقبل جديدة تنقذ البلاد من الانقسام أو الحرب الاهلية أوتدخل امريكي محتمل لن يترك سوى مزيد من الصراعات والانفلات الامني والفوضى.