يبدو أن "الانقلاب الجديد" في ليبيا, غير بعيد عن المخططات الأمريكية والإسرائيلية الرامية لإجهاض "ثورات الربيع العربي", حيث نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تحقيقا في 19 مايو, أظهر "علاقة وثيقة", تربط الجنرال الليبي السابق خليفة حفتر بالولاياتالمتحدة, خاصة وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي أيه". وأشارت الصحيفة إلى أن حفتر من الشخصيات المعروفة جيدا في ليبيا, وشارك في الانقلاب الذي أوصل العقيد الراحل معمر القذافي إلى السلطة في 1969, وقاد عملية عسكرية بعد ذلك في تشاد, لكنه أسر وسجن هناك. وأضافت أن حفتر أعلن انشقاقه عن نظام القذافي عام 1988, وشكل جماعة متمردة ضده في تشاد سميت بالجيش الوطني الليبي, بدعم من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية, التي دربت قواته في معسكرات تدريب خاصة أشرف عليها ضباط من الجيش الأمريكي، ولكن المحاولة فشلت, وأعلن حينها حصوله على الدعم الأمريكي. وتابعت "عندما انطلقت شرارة الثورة الليبية في 2011 , انضم حفتر إليها, وتولى رئاسة هيئة أركان الجيش الليبي بعد إطاحة نظام القذافي, ثم أحيل للتقاعد بعد ذلك". وأبرزت الصحيفة حوارا أجرته شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية في 2011 مع السفير الليبي السابق لدى واشنطن علي العوجلي, المؤيد للثورة الليبية ضد القذافي, وعند سؤاله عن علاقة حفتر ومجموعته المتمردة بالمخابرات الأمريكية, امتنع عن تأكيد وجود علاقة, لكنه أكد معرفة الولاياتالمتحدة جيدا بشخص حفتر. وأضاف العوجلي في الحوار مع "سي إن إن" أن العمل مع "سي آي ايه" من أجل مصالح الوطن, ليس عيبا. كما ذكرت "واشنطن بوست" أنها أجرت في 2011 حوارا مع مسئول بارز في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لسؤاله عن العلاقة المحتملة بين حفتر والوكالة, لكنه أكد في ذلك الوقت أن سياسة الاستخبارات الأمريكية تحول دون مناقشة مثل هذه المواضيع. وأشارت الصحيفة إلى أن حفتر حاول منذ بداية الثورة على القذافي تنصيب نفسه قائدا على قوات الثوار, لكنه فشل في ذلك, واختفى بشكل تدريجي من المشهد السياسي, حتى عاد مؤخرا, ونفذ محاولتين انقلابيتين, في فبراير ومايو 2014 . وحذرت "واشنطن بوست" من أن تحركات حفتر تنذر بانزلاق ليبيا نحو الحرب الأهلية, حيث تحرك كتائب ثوار "مصراته" في غرب ليبيا, بالقرب من العاصمة طرابلس, وتوقفت على بعد 60 ميلا لمعرفة طبيعة ما يحدث في بنغازي والعاصمة والجهات المتصارعة, قبل أن تتدخل. وبدورها, رأت صحيفة "رأي اليوم" الإلكترونية, التي يرأسها عبد الباري عطوان, رئيس تحرير صحيفة "القدس العربي" السابق, أن "حروب حفتر" على "الثوار الإسلاميين" في بنغازي شرقي ليبيا, قد تكون بمثابة تكوين جماعة "صحوات" ليبية, على غرار نظيرتها العراقية, المدعومة الأمريكية, والتي أدخلت العراق, في حمامات دم لا نهاية لها. وشن عسكريون تابعون لرئيس الأركان الليبي السابق خليفة حفتر هجمات في بنغازي منذ 17 مايو ضد كتيبة "راف الله السحاني" الإسلامية, التي يتزعمها إسماعيل الصلابي، ما أسفر عن اندلاع اشتباكات دامية أسفرت عن مقتل 75 شخصا على الأقل, وجرح 141 آخرين, في حصيلة أولية. وبدأت شرارة الأحداث, عندما انطلقت طائرة موالية للواء حفتر, من مطار بنينا العسكري قرب بنغازي, وقصفت معسكرا لكتيبة "راف الله السحاني", ومواقع لكتيبة "أنصار الشريعة"، بستة صواريخ نوع سي فايف "C5". وتضم كتيبة "راف الله السحاتي"، ثوارا من ذوي التوجهات الإسلامية، قاتلوا جيش العقيد الراحل معمر القذافي خلال ثورة فبراير 2011، وانضمت هذه الكتيبة إلى رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي، لكن بعض سكان بنغازي يتهمونها ب"مساندة" بعض الكتائب الإسلامية المتشددة مثل كتيبة أنصار الشريعة. ونددت السلطات الليبية على الفور بالحملة التي يشنها اللواء المتقاعد خليفة حفتر على مواقع ثوار إسلاميين في بنغازي، معتبرة أنها محاولة "انقلاب" على ثورة 17 فبراير، وذلك بحسب بيان مشترك للحكومة والمؤتمر العام والجيش النظامي. واعتبر البيان -الذي قرأه رئيس المؤتمر الوطني العام نوري بوسهمين- أن الحملة التي يشنها حفتر على من يصفهم ب"مجموعات إرهابية" تحرك "خارج عن شرعية الدولة, وانقلاب يقوده اللواء المتقاعد, وحذر البيان من أنه "سيلاحق قانونا كل من شارك في هذه المحاولة الانقلابية". ومن جهته, قال رئيس أركان الجيش الليبي اللواء عبد السلام العبيدي، إن قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر, التي تقاتل الآن كتيبة تابعة للجيش في بنغازي, هي قوات "غير شرعية تسعى للانقلاب على الشرعية"، داعياً سكان المدينة والثوار إلى "التصدي لها". وفي المقابل, نفى حفتر أن يكون ما يحدث في بنغازي انقلاباً أو سعياً للسلطة, وقال إن ما سماها "طلائع الجيش الوطني" اضطرت إلى خوض ما سماها "معركة دفاع عن الوطن والشعب وأرواح جنود القوات المسلحة, الذين يُغتالون بالمئات", حيث أنه منذ سقوط نظام القذافي في 2011، تشكل بنغازي مسرحا لهجمات واغتيالات شبه يومية تستهدف الجيش والشرطة. وأضاف حفتر, الذي يقود قوة شبه عسكرية, أنه يعيد تنظيم قواته لمواصلة حملته على مجموعات إسلامية في بنغازي, يصفها بأنها "إرهابية". وتابع أن الهجمات المتواصلة في بنغازي, تأتي ضمن عملية عسكرية سماها "كرامة ليبيا" تهدف لإخلاء مدينة بنغازي من الكتائب الإسلامية المسلحة, التي اتهمها بالوقوف وراء تردي الوضع الأمني هناك، حسبما جاء في تصريح لقناة "ليبيا أولا", التي تدعمه. ولقي حفتر -الذي قدم نفسه كقائد ل"الجيش الوطني"- دعما في "محاولته الانقلابية الجديدة" من ضباط ووحدات عسكرية منشقة، ودعما بطائرات ومروحيات قتال. وحفتر أحد أبناء قبيلة "الفرجاني" في شرق ليبيا، وكان كلف عام 1986 بقيادة القوات الليبية في حرب ليبيا ضد تشاد, حيث مني بهزيمة ووقع بالأسر. ونقل عام 1990 مع أسرى ليبيين آخرين إلى ولاية فرجينيا الأميركية, ثم عاد إلى ليبيا, بعد اندلاع ثورة 17 فبراير 2011 وشارك في القتال ضد القذافي. وفي 14 فبراير 2014 , حاول القيام بانقلاب عسكري ضد الحكومة, لكن المحاولة باءت بالفشل. يشار إلى أن مدينة بنغازي تشهد هجمات شبه يومية يشنها مسلحون على قوات الأمن والجيش ورجال القانون والإعلام والنشطاء السياسيين بسبب انتشار الميلشيات المسلحة, في ظل الانفلات الأمني, الذي تشهده البلاد بصفة عامة منذ الإطاحة بالقذافي, وقتله عام 2011. وانضم لواءي "الصاعقة" و"القعقاع" في بنغازي إلى رجال حفتر, وهما لواءان معروفان بعدائهما لكل ما يمتّ للإسلاميين، كما تبني مسلحون موالون للواء حفتر اقتحام مبنى المؤتمر الوطني العام "البرلمان" في طرابلس في 18 مايو, فيما تحدثت وسائل إعلام ليبية عن سرقة وثائق مهمة من مبنى البرلمان, خاصة بمَن يشملهم قانون العزل, من أركان ورموز نظام العقيد الراحل معمر القذافي، كاللواء حفتر مثلا. ونقلت وكالة "رويترز" عن محمد الحجازي الناطق باسم ما يسمى "الجيش الوطني" -الذي يقوده حفتر- قوله إن من قاموا بالهجوم على مبنى البرلمان تابعون "للجيش الوطني", الذي يشن حملة على ما وصفها ب"مجموعات إرهابية" في بنغازي. وبرر الحجازي الهجوم بأن "النواب دعموا الإرهاب"، مطالبا بتجميد عمل المؤتمر الوطني العام, وكف يده عن ممارسة أي أعمال أو تصرفات تتعلق بسيادة الدولة وتشريعاتها وإداراتها. وتابع أنه سيتم تسليم السلطة إلى لجنة الستين المكلفة بصياغة الدستور الجديد, والتي انتخبت في فبراير الماضي, حيث ستقوم "بالقيام بالمهام والاختصاصات التشريعية في أضيق نطاق ممكن", على حد قوله. واللافت إلى الانتباه إلى التطورات السابقة بعدما توصل رئيس الوزراء الليبي الجديد أحمد معيتيق لتشكيلة حكومته، وكان بانتظار الحصول على موافقة المؤتمر الوطني العام حتى تبدأ عملها. ويبدو أنه ليس من قبيل الصدفة أن تأتي التطورات الأخيرة في ليبيا، التي بدأت في 17 مايو, بعد ساعات فقط على إعلان وزارة الدفاع الأميركية " البنتاجون" في 16 مايو عن نقل عدد من القوات الأميركية الخاصة إلى جزيرة صقلية، المجاورة للسواحل الليبية، بسبب ما سمته "بواعث قلق بشأن الاضطرابات في شمال إفريقيا، ما يعزّز قدرة الولاياتالمتحدة في الردّ على أي أزمة", كما كان لافتًا أيضًا الصمت الأميركي المتواصل إزاء التطورات الليبية الأخيرة, وهو ما يدعم بقوة فرضية الدعم الأمريكي لتحركات حفتر "الانقلابية