جاءت نتائج الجولة الثانية من الانتخابات البلدية في فرنسا لتلحق هزيمة قاسية بالحزب الاشتراكي الحاكم أمام اليمين وتسجل تقدما ملحوظا لليمين المتطرف الذي حقق خلال تلك الانتخابات "أفضل نتائج في تاريخه". وكشفت النتائج الأولية للجولة الثانية من الانتخابات التي أجريت أمس حصول اليمين على 45,91% من الأصوات بينما حصل اليسار الحاكم على 40,91% في حين جاء اليمين المتطرف في المرتبة الثالثة بعد حصوله على 6,84% من الأصوات. واعتبر مسئولو الجبهة الوطنية أن الحزب حقق خلال انتخابات الأحد أفضل نتيجة في تاريخه في الانتخابات البلدية بفرنسا حيث فاز، وفقا للتقديرات شبه نهائية، ب 13 بلدية يزيد عدد سكانها عن 9 آلاف نسمة من أهمها مدينتي بيزييه (جنوب غرب البلاد) وفريغو (جنوب البلاد)، وهو حدث غير مسبوق وفاق جميع التوقعات. وفقد الحزب الاشتراكي، بزعامة الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، السيطرة على 155 مدينة من أهمها مدينة ريمس (شمال شرق البلاد)، ومدينة باو (الجنوب الغربي)، وكويمبر (غربي البلاد)، وتولوز التي تعد رابع كبرى المدن الفرنسية والمعروفة تقليديا بتصويتها لليسار. ووفقا لتلك النتائج ستنتقل أكثر من 100 بلدة يقطنها أكثر من 10 آلاف شخص إلى حكم اليمين المحافظ، المتمثل في حزب الاتحاد من أجل الشعبية المتحالف مع أحزاب الوسط، وهو ماسيقضي بدوره على المكاسب التي حققها الاشتراكيين في الانتخابات البلدية الأخيرة عام 2008. ولعل العزاء الوحيد للاشتراكيين في تلك الانتخابات هو تمكنهم من الاحتفاظ بالسيطرة على بلدية باريس بعد حصول مرشحتهم "آن هيدالجو" على 54,5% من الأصوات لتكون أول امرأة تتولى رئاسة مدينة باريس في تاريخ فرنسا، و تخلف زميلها في الحزب "برتران دولانويه" الذي تربع على عرش العاصمة الفرنسية لمدة 14 عاما. وخلال الجولة الأولى من الانتخابات، التي أجريت في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، حصل اليمين على 46,5% من الأصوات مقابل 37,7% لليسار، بينما حل اليمين المتطرف ثالثا بحصوله على 4,7% من الأصوات، وحصل اليسار المتطرف على 0,58%. وبلغت نسبة الامتناع عن التصويت في المرحلة الأولى 35,38% بينما بلغت في المرحلة الثانية 38% معظمها من أنصار اليسار. وتعتبر تلك النسبة هي الأعلى منذ سنوات وتعكس حالة الاستياء التي يشعر بها المواطنون إزاء حكومتهم. واعتبر مسئولو الحزب الاشتراكي أن نتائج الانتخابات البلدية تعبر "سيئة ومخيبة" ومثلت "رسالة واضحة من المواطنين يجب الاستماع إليها بالكامل". تعديل حكومي: ومن المرجح إجراء تعديل حكومي بعد الهزيمة القاسية التي تعرض لها اليسار خلال تلك الانتخابات غير أن استمرار رئيس الوزراء جان مارك إيرولت في منصبه مرتبط بحجم التراجع الذي سيسجله الحزب الاشتراكي الحاكم. ويعتبر عدد كبير من المراقبين أن هذه الانتخابات قد شكلت أول اختبار حقيقي للرئيس أولاند وحزبه منذ توليه رئاسة البلاد في مايو 2012، وأنها اعتبرت بمثابة "اقتراع عقابي" للسلطة التنفيذية حيث عكست نتائج تلك الانتخابات حالة السخط والإحباط التي تسود المواطنين إزاء الرئيس أولاند وسياساته، والتي ظهرت بوضوح من خلال الانخفاض غير المسبوق في شعبيته التي جعلته أقل رؤساء فرنسا شعبية في تاريخ الجمهورية الخامسة. كما عكست تلك النتائج عدم رضا المواطنين على سياسات الحكومة الاشتراكية الحالية التي لم تنجح في تحقيق الاستقرار الاقتصادي للبلاد ولم تحد من الارتفاع المتواصل في معدلات البطالة. ويرى هذا الفريق أن هذا الأمر قد ساعد الجبهة الوطنية في تحقيق هذه الانتصارات الملحوظة فضلا عن استفادتها من المقاطعة التي سادت جولتي الانتخابات، ومن عواقب القضايا والفضائح التي هزت الطبقة السياسية في الأسابيع الأخيرة، مثل تضخيم فواتير خاصة بحزب التجمع من أجل حركة شعبية اليميني وتسجيلات سرية لاتصالات مستشار الرئيس السابق نيكولا ساركوزي وتنصت قضائي على اتصالات ساركوزي. ويجمع هؤلاء المراقبون أنه بتحقيقها تلك النتائج المبهرة فإن الجبهة الوطنية قد تكمنت من فرض نفسها "كثالث قوة سياسية في البلاد" لتقضي بذلك على الثنائية السياسية التي شملت دائما اليمين واليسار. ورأي هؤلاء أنها من ضمن أسباب نجاح الجبهة هو تركيز مرشحيها على القضايا المحلية في المدن والبلدات التي يتواجدون فيها، مثل خلق فرص عمل ومواجهة البطالة فضلا عن الاستثمار المحلي وتنمية التجارة، وقد نجحوا بذلك في تفادي الأخطاء التي وقعوا فيها عام 1995 حين ركزوا على قضايا الهجرة والمهاجرين. ويكشف ذلك رغبة "الجبهة الوطنية" في التحرر من النزعة الأيديولوجية، وتقديم مرشحيها كقادة أكفاء يديرون أمور البلديات بشكل جيد، لكي يراكموا الخبرات ويعززوا القاعدة الشعبية "للجبهة" تمهيداً للانتخابات التشريعية المقبلة. مصدر الخبر : البوابة نيوز