أرسل الله سيدنا هود إلى عاد فوجدهم أهل كبر وطغيان وجبروت رغم حضارتهم العمرانية فقال لهم بعد أن دعاهم للتوحيد " َأتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ" وأرسل الله سيدنا شعيب لمدين فوجدهم تجارا ً يطففون المكيال والميزان ويبخسون الناس أشياءهم.. فقال لهم بعد أن دعاهم للتوحيد"َيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ" وأرسل الله سيدنا لوط إلى قومه فوجدهم مخنثين يعاشرون الرجال شذوذا ًفقال لهم بعد أن دعاهم للتوحيد"أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ". فكل رسول منهم كان له خطاب يختلف عن الآخر بسبب الأدواء والأهواء التي تتفشى في قومه.. والحمد لله أنه لم يكن على عهد هؤلاء الرسل وزارة الأوقاف المصرية.. وإلا لأمرتهم جميعا بتوحيد خطابهم وألزمتهم بخطبة موحدة.. ولربما أمرت سيدنا لوط أن يحدث قومه عن العشوائيات.. أو أمرت سيدنا شعيب أن يتحدث عن مشكلة الشذوذ حتى وإن لم يكن موجودا ً في قومه. فها هي وزارة الأوقاف المصرية تلغي كل معاني التعددية حينما تأمر الخطباء في مصر بخطبة واحدة رغم شدة تنوعات المجتمع المصري وتعدد مشاكله وهمومه وتغيرها من محافظة لأخرى.. ومن القرية إلى المدينة .. ومن البادية إلى الحضر. فهل مشاكل الذين يسكنون مدينة نصر والمعادى و6 أكتوبر مثل مشاكل الذين يسكنون الريف أو بدو سيناء أو مطروح. كيف تلزم خطباء يتحدثون إلى أكثر من 50 مليون مصلي بخطبة عن العشوائيات مثلا ً.. وهل العشوائيات وإصلاحها مسئولية الدولة أم مسؤولية المصلين.. وهب أن خطيبا يعيش في قرية غرق بعض أهلها في النيل هذا الأسبوع.. فهل يترك مواساتهم وتصبيرهم ليحدثهم عن العشوائيات. أين ما درسناه جميعا ً في الدعوة إلى الله من الاهتمام ب"الدعوة بالحدث" التي تعلمناها من رسول الله . إن وزارة الأوقاف المصرية تريد أن تحارب الاستقطاب السياسي والحزبية المقيتة التي أصابت مساجدها بمصادرة الحرية وإلغاء التعددية.. حتى في اختيار الخطيب لموضوع خطبته بما يتناسب مع الزمان والمكان والمدعوين وحاجتهم وأزماتهم. ولو كانت الوزارة منصفة لألفت كتابا ًكبيرا ًللائمة فيه مئات النماذج لخطب متميزة تناسب العصر للاسترشاد بها والتعلم منها دون أن تفرض عليهم شيئاً ثقة في علمهم وحكمتهم مع محاسبة المخطئ.. وليكن ذلك في إطار التجويد والتحسين لا في إطار الفرض والإلزام الذي يلغي العقول ويهدم التعددية ويجعل الخطيب أشبه بجهاز التسجيل الذي ينطق بما سجل على الشريط. وهل تستطيع صحيفة أن تفرض على كتابها ما يكتبونه أو طريقة عرض موضوعاتهم.. ولو حدث هذا ستغلق الجريدة أبوابها ويمتنع الناس عن شرائها. فالتعددية ليست مصدرا ً للشر وهي تختلف عن الفوضى.. والإشكال الحقيقي في مصر ليست في التعددية.. ولكن في إدارة التعدد بطريقة صحيحة ليصب في صالح الدين والوطن.. وليست مهمة الدولة السيطرة علي كل مساحات المعرفة والعلم والرأي.. ولكن تنظيمها وترتيبها والحيلولة بينها وبين الفوضى. ولا ينبغي لمساجد الأوقاف أن تنتقل من الفوضى التي كانت تعيش فيها بعد ثورة 25 يناير إلي الكبت والتضييق علي الأئمة والدعاة ومعاملتهم معاملة الأطفال. فالفوضى والكبت نوعان من التطرف لا يليقان بأي مكان فضلا ً عن بيوت الله.. والمساجد كانت تعاني من التحزب الممقوت والاستقطاب السياسي ولكن لا ينبغي أن تنتقل منها إلي صمت القبور أو تحيا بلا نشاط دعوي فيؤمها أصحاب المعاشات فقط دون الشباب الذي سيذهب إلي أئمة التطرف والغلو أو التكفير.."وكأنك يا أبو زيد ما غزيت" فعلينا أن نجعل مساجد الأوقاف وغيرها شعلة من النشاط الدعوي الدائب والدائم مع تطبيق معايير الجودة والمعايير العلمية علي هذه النشاطات بدلا ً من كبت الحريات أو تسيير المساجد بالبيروقراطية التي لا تهدي قلبا ً ولا تزرع إيمانا ً. وفي الختام لابد أن يعلم الجميع أن صلاة الجمعة هي دعوة ونداء من الله وليس من الحكومة أو الوزارة.. وهو اجتماع دعا الله المسلمين إليه ولم تدعهم الدولة أو الوزارة إليه "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ". وهذه العلاقة الحميمة هي في الأصل بين المسجد ورواده من ناحية وبين الإمام والخطيب من ناحية أخرى.. ولا مانع من مراقبة هذه العلاقة من قبل الوزارة وتقييمها بالطرق العلمية وأساليب الجودة الحديثة دون الحجر علي الجميع بهذه الطريقة الفجة التي ستحول الدعوة من هداية للخلائق إلي دفتر حضور وانصراف.