كانت دولة المماليك تعتمد على القوة العسكرية الضاربة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، هذه الدولة حكمت مصر والشام والحجاز وأصبحت أقوى دولة في ذلك الوقت، بالإضافة إلى أنهم أعادوا الخلافة العباسية في مصر شكليًا ليضفوا الشرعية على حكمهم، وذلك عندما قام الظاهر بيبرس باستدعاء أحد أبناء العباسيين سنة (659ه) وعقد مجلسًا حافلا أثبت فيه نسبه وأعلنه خليفة، ولكن بلا خلافة حقيقية، فلم يكن له ولا لمن جاء بعده أى دور يذكر. ونعود إلى أصل المماليك، فهم من جنسيات متعددة ومن مناطق إسلامية مختلفة منها بلاد التركستان، وشبه جزيرة القرم، وبلاد القوقاز، وآسيا الصغرى، وبلاد ما وراء النهر. والمماليك يقسمون إلى قسمين: القسم الأول: المماليك البحرية: وهم الذين جلبهم الملك الصالح نجم الدين أيوب وبنى لهم قلعة بجزيرة الروضة، ثم اختارمنهم فرقة للأسطول سميت "الفرقة البحرية" ولذلك سُموا المماليك البحرية. والقسم الثانى: المماليك البرجية وهم شراكسة اشتراهم السلطان قلاوون لتدعيم حكمه، وتم له ما أراد إلى أن استولوا هم على الحكم من أحفاده الذين جاءوا بعده. وسمى المماليك البرجية بهذا الاسم لأن السلطان قلاوون أسكنهم في أبراج القلعة. وشهد عام (648ه) سقوط دولة الأيوبيين لتحل محلها دولة المماليك عندما تآمرت شجرة الدر مع المماليك على قتل توران شاه آخر حكام الدولة الأيوبية. وبدأ الحكم المملوكى بتولية الحكم مؤقتًا إلى شجرة الدر، وتوالى بعدها على الحكم 29 سلطانًا من المماليك البحرية و27 سلطانًا من المماليك البرجية كان آخرهم طومان باى الذى أعدم بعد هزيمة المماليك في معركة "مرج دابق " و"الريدانية" أمام لعثمانيين. لماذا اسرد هذه القصص التاريخية عليك ايها القاريء الكريم، ببساطة لأن المماليك لايزالون في السلطة فالمماليك في سنوات حكمهم الاخيرة تزوجوا وانجبوا وكونوا عائلات انتشرت في جميع المحافظات، خذ عندك عائلا الاغا والالفي والاباظية وغيرهم كثيرين ستجدهم في مركزك ومحافظتك، كل عائلة منها اصبحت تمتلك الاراضي والعزب والاقطاعيات، وواصل نسلهم امتلاك الثروة والقوة والجاه والمناصب في مصر حتى ان احفادهم هم الان من يمتلكون معظم ثروات مصر حتى بعد ثورة يوليو 1952 ، وجاءت ثورة 25 يناير 2011 لتسلبهم هذا الجاه والمناصب وتحد من احتكارهم للثروة، الى ان انقذتهم 30 يونيو 2013 ليعودوا من جديد الى المشهد السياسي. كان مفتاح الشخصيه المملوكيه ولا يزال – كنظام سياسي- هو المساواة بينهم جميعا في الاصل والنشأة والتفاضل بينهم يكون بالمقدرة القتالية والدهاء السياسي، فكلهم جئ به من بلاده الاصليه رقيقا لينخرط في سلك المماليك ثم ليتدرج بكفاءته السياسية و الحربية حتى يصل الي السلطنة، ولا عبرة إلا بملكات المملوك وقدراته، لذا نجد بعض الغرائب فالظاهر بيبرس كان في الأصل مملوكا لاحد الامراء وهوالامير البندقدار، ونسب اليه فقيل بيبرس البندقدارى، واعتقه سيده، ثم وصل بيبرس بدهائه وقدراته الي ان اصبح سلطانا وسيده السابق مجرد تابع صغير له في دولته، ومهارة بيبرس تتجلى في قدراتة الفائقة على المؤامرات والدهاء مع نشاطه الحربى. وحين يصل مملوك ما بدهائه وحذقه في المؤامرات الى السلطنة فإنة يواجه مؤامرت الآخرين الي ان يموت، وربما يموت نتيجة المؤامرة، وهكذا تدور السياسة المملوكيه في حلقة لا تنتهى من الدسائس والمؤامرات. من يقرأ تاريخنا يجده ملىء بهذه النماذج المشوهة حصيلة الاستبداد وتوارث السلطة، ومع ذلك لا يخجل مستبدو عصرنا من ممارسة رذيلة توارث السلطة كما لو كان الوطن والمواطنين ضيعة أو مزرعة دواجن او عزبة، لا فارق هنا بين عسكر المماليك وعسكر يونيو.