يرتبط المصريون فى شهر رمضان بمدفع الإفطار الذى انطلق للمرة الأولى فى عصر المماليك وكان عن طريق الصدفة.. القصة ترجع إلى أنه أثناء تجربة مدفع جديد، انطلقت أولى قذائفه فى لحظة الغروب، وظن الناس أنه إعلان للإفطار وعندما علم السلطان بسرور الناس قرر إطلاق المدفع يومياً عند الغروب ثم أطلقه فى السحور. ليالى رمضان فى أيام المماليك كانت غاية فى الأبهة والفخامة رغم كثرة الاضطرابات التى عانت منها مصر فى هذا العصر، كما اتسم هذا العصر بصيغ معمارية جديدة وقد ترك المماليك روائع لفن العمارة فى الغورية ومساجد بن برقوق والسلطان حسن وغيرهم. v«سحر الشرق» هكذا وُصفت مصر وبلاد العرب فى عصر سلاطين المماليك، فرغم أن أصل المماليك من الرقيق والعبيد إلا أنهم استطاعوا بذكائهم ودهائهم السيطرة على حكم مصر بحكم قربهم من سلاطين الأيوبيين، وانقسمت دولة سلاطين المماليك إلى دولتين الأولى المماليك البحرية ومن أبرز سلاطينها عز الدين أيبك وقطز والظاهر بيبرس والثانية المماليك البرجية ومن أبرز سلاطينها السلطان برقوق. ورغم ماعانى منه ذلك العصر من اضطرابات عسكرية إلا أنه يعد عصر فن وعلم ورغم ماعرف عن السلاطين من شراسة وجبروت إلا أنهم كانوا على درجة كبيرة من التدين، إذ تعتبر العمارة المملوكية صفحة باقية فى الذاكرة ستظل تشهد على عظمة ذلك العصر وجمال فنه. فقد وصل عدد المنشآت المعمارية فى عصر المماليك البحرية لمائة وستة وثلاثين أثراً مابين مساجد ومدارس وقباب وخانقاوات وزوايا وأربطة وقصور ومنازل. وقد امتازت المآذن المملوكية بارتفاعها وجمال زخارفها، اهتم أيضا المماليك بشهر رمضان وبتنظيم الاحتفالات به لاستطلاع الهلال فكان الفقهاء يجتمعون على أعلى منطقة خارج القاهرة لاستطلاع الهلال وعند ثبوته يعود الفقهاء حاملين الفوانيس والشموع وتزين القاهرة بأزهى الزينات، ولاستطلاع الهلال كان يخرج قاضى القضاة بصحبة القضاة الأربعة والشهود ومعهم الشموع لرؤية الهلال بالإضافة إلى رؤساء الطوائف والصناعات، وكان المكان المتميز لرؤية الهلال منارة مدرسة المنصور قلاوون بالنحاسين، وإذا ثبت الهلال وتحققوا من رؤيته تتم إضاءة الأنوار على الدكاكين ويخرج قاضى القضاة فى موكبه وحوله الفوانيس والمشاعل ثم تعلن الطوائف الصيام، وبعد ثبوت الرؤية يجلس السلطان المملوكى فى الميدان تحت القلعة ويتقدم إليه القضاة الأربعة الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة وكبار رجال الدولة بالتهنئة بحلول شهر رمضان. وللاحتفال بختم القرآن الكريم فى ليلة التاسع والعشرين يقام احتفال مهيب يحضره السلطان والقضاة الأربعة وتوزع خلاله الهبات على العلماء والفقهاء وطلبة الأزهر الشريف والأيتام والأرامل والمرضى والمهاجرين. وقد اعتاد كبار رجال الدولة توزيع كميات كبيرة من الدقيق والسكر والياميش ورءوس الحيوانات على الفقراء فى رمضان وكانت تمد الأسمطة وموائد الرحمن فى بيوت الأمراء لعامة الناس واعتاد بعض الأثرياء أن يقيموا «سماطين» أحدهما للنساء وآخر للرجال. وكان السلطان برقوق أكثر السلاطين سخاء فكان يهتم بأوجه البر والإحسان حيث كان يذبح كل يوم من أيام رمضان 25 بقرة ويتصدق بلحومها على الفقراء والمساكين وكان يفطر جموعاً غفيرة من الصائمين ويأمر بتوزيع الصدقة عليهم، كما اعتاد السلاطين إعتاق ثلاثين عبداً فى رمضان. ويعتبر الصوم فى شهر رمضان فى عصر سلاطين المماليك عادة اجتماعية أكثر من كونها فريضة دينية حيث ارتبط شهر الصوم لدى أهل ذلك العصر بالسهر والمراسم الدينية وإحياء الليالى فى الأضرحة ولدى الأولياء بالاضافة إلى الإقبال على الأطعمة المشهورة والمرتبطة بذلك العصر كالكنافة والقطايف، والسحور ومدفع الإفطار ورؤية هلال رمضان. ويعد مدفع الإفطار أهم مايميز العصر المملوكى إذ حرص على استخدامه بشكل كبير وكان أول مرة يطلق فيها مدفع رمضان سنة 865 ه إذا أراد السلطان المملوكى حشقدم أن يجرب مدفعا جديداً وصل إليه وقد صادف إطلاق المدفع وقت الغروب فى أول يوم رمضان وقد ظن الناس أن السلطان تعمد اطلاق المدفع لتنبيه الصائمين إلى أن موعد الإفطار قد حان فخرجوا فى جموع ليشكروا السلطان وعندما رأى السلطان سرورهم قرر المضى فى إطلاق المدفع كل يوم إيذاناً بالإفطار ومع مرور الوقت أضاف ايضاً السلطان مدفع السحور. أما المسحراتى فقد اختلفت طرق أدائه لمهام وظيفته حسب الصورة التى يراها ففى القاهرة كان يطوف فى شوارعها اما فى الإسكندرية فكان يطرق على الأبواب قائلا:ً «قوموا كلوا». وعرف سوق الشماعين والحلاويين تطوراً كبيراً فى العصر المملوكى فقد وصلت أنواع الحلوى فى سوق الحلاويين إلى 50 صنفاً، أما فى سوق الشماعين فقد كثرت أنواع الشموع وتنوعت وكانت الشموع الموكبية أهمها ومن الطريف أن المرأة عرفت فى العصر المملوكى مرض السمنة الذى أثر على أدائها فى صوم رمضان فكان الصوم يعد من الأمور الشاقة عليهن لذا كانت النساء البدينات يفطرن فى نهار رمضان حتى لايفقدن أوزانهن وقد انتشرت تلك العادة المنمومة بين الفتيات الأبكار. كما عرف المصريون فى عصر سلاطين المماليك تناول الوجبات فى المطاعم خارج المنزل خاصة فى رمضان فقد اعتدن النساء عدم الطهى فى منازلهن فكن يتوجهن كثيراً لتناول وجبة الإفطار والسحور خارج المنزل فى مطاعم معروفة ومشهورة لهذا الغرض وكان يطلق عليها اسم «المطابخ».