ربما صافحت عيني عيونه يوما ، لكني كغيري من مئات آلاف رأوه لم يتوقفوا كثيرا ، ولم ينتبهوا لحجم الجمال الداخلي الذي يخفيه ذلك الصعلوك المتشرد في شوارع القاهرة. هو عازف جيتار متمكن ومطرب رائع وشاعر رقيق وفنان تشكيلي تتباهي جدران قصر الإليزيه بأعماله ، وتتباهى القاهرة بتشرده وجوعه وموته من البرد ، فلا مكان للمبدعين في عالمنا العربي ، ولا أمل لهم في الحياة بيننا . ما الذي كان يمكن أن يكون بهنس بعد كل هذه المواهب كي يعيش ، ابداع متعدد الجوانب لا ينفد وصدق قريب من صدق الملائك واتساق مع الذات ، حزن بهنس حزن الجليلة بانفصال جنوب السودان عن شماله ، وفاجأته أزمة نفسية جعلته يعيش التشرد في القاهرة ، فلم ينتبه أحد ، لا مصر التي أحبها ولا السودان التي عشقها وذاب في ترابها ، لم يلفت انتباه وزير ثقافة ولا هيئة ثقافية في أي من البلدين نعى بهنس يوما الأسطورة بوب مارلي بقصيدة عنوانها "يا ثائر منتصف الليل" يقول فيها له "صرختك هي ليست من البطن أو الحنجرة / ياراستا.. صيحتك من القلب، اللهم أني أحب بوب مارلي" ، وأنا أقول : اللهم إني أحب محمد حسين بهنس. وفاة بهنس بهذه الطريقة تجعلنا نتأكد أننا نعيش في دول فاشلة ، فالدول التي لاترعى أجمل مبدعيها ، كيف لها أن تهتم بأناسها العاديين ، بفقرائهم ومهمشيهم . الدولة التي لاتزرع الأمل في النفوس لا تستحق الحياة. نجوت من عالمنا الذي لا يستحق أمثالك يا صديقي الراحل.