اختتمت انتخابات مجلس الشعب في أول دورة بعد ثورة 25 يناير، ليعقد أول اجتماع يوم 23 يناير الجارى وقبل حلول الذكرى الأولى من الثورة بيومين فقط، في احتفالية سيكتبها التاريخ المصري والعربي والعالمي، ليدون أن مصر اخترقت حاجز الصمت والخوف الذي سيطر عليها أكثر من 30 عامًا، لتَفتح أبوابًا من النور أمام تحرير الشعوب العربية. وبغض النظر عن تشكيلة مجلس الشعب، فإنه جاء عن طريق الصناديق وانتخابات شارك فيها ما يزيد على 60% من الناخبين، في سابقة هي الأولى من نوعها، بهذا الحجم، وإنا كنا نأمل أن تأتي الانتخابات القادمة وقد تحركت الكتل الصامتة، والتي مازالت صامتة دون سبب. وأهم رسالة يعيها أعضاء مجلس الشعب الجديد أنهم جاءوا إلى كراسي المجلس بدماء شهداء ثورة شباب مصر، بمختلف عقائدهم، أقباطهم ومسلميهم، وضحايا يحملون عاهات مستديمة، وجاءوا بعيون "أحمد حرارة" وعيون عشرات الشباب الآخرين، وكل من يحاول أن ينكر فضل هؤلاء فهو كاذب. لابد أن يدرك من سيجلس على مقعد مجلس الشعب أن مهامه ليست فئوية أو تقوم على الهوية، فمن يتبنى قضايا تقسم الوطن ليس له مكان في مجلس الثورة، ومن يتبنى قضايا بعيدة عن مطالب الثورة، ويُغرق نفسه في مطالب وقضايا ذات أبعاد طائفية فلينسحب في هدوء. على كل عضو في برلمان الثورة ألا يدعي أنه جاء بفضل نضال أو موقف شعبي، بل جاء نتاج نضال وتضحيات من شباب حمل أكفانه ونزل إلى ميدان التحرير وميادين المدن المصرية، من أجل تحقيق أحلام شعب ظل محكومًا بالنار والطوارئ سنوات طويلة. قضايا الوطن الحقيقية وبناء دولة جديدة يتعايش فيها شعب مصر، بحياة كريمة وحرية موصولة، وعدالة شاملة، هي أهم محاور أعمال البرلمان الجديد، ومن يحاول أن يعيد مصر إلى الوراء، فحتمًا يضع نفسه في الطريق إلى مزبلة التاريخ. برلمان التيار الواحد والحزب الواحد، أصبح جزءًا من التاريخ، والتاريخ حتمًا لا يعود، والمستقبل هو القادم المؤكد، وبرلمان الصوت الواحد ضد المجموع لا مكان له اليوم، ولكن برلمان الصوت الواحد من أجل مصر المستقبل، هو الباقي. الاختلاف في الرؤى من مفردات الديمقراطية الأصيلة، لكن الاتفاق على مصالح الوطن الحقيقية، وكل الوطن وليس فئة منه، من معايير الوطنية، ولاشك أننا في مرحلة لا يعلو فيها صوت فوق مصالح الشعب، فدماء شهداء الثورة من المؤكد أنه ليس رخيصًا. والمؤكد أيضًا أن الدماء التي سالت في ميادين مصر وشوارعها من 25 يناير إلى الآن، لم تسل من أجل أن تأتي حفنة تتحكم في مصير شعب وأمة، وتفرض رؤيتها، بل إنها سالت من أجل أن يأتي من يحقق أحلام الملايين، ولتتحول إلى واقع ملموس. أتمنى أن يكون مجلس الشعب الجديد مكانًا لحوار حضارى بين الجميع، يدفع بمصر إلى الأمام، لا أن يعود بها إلى الخلف، ونتمنى ألا ينزلق المجلس إلى حوارات ترسخ مفاهيم التخلف، بل يجب أن يكون مكانًا للإجماع حول ما يُصلح سنوات الفساد والإفساد. نريد من المجلس القادم وبكل طوائفه أن يتحمل مسئولياته تجاه شعب حَلِم ويحلم ومازال يحلم بيوم تتحقق فيه الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ونريد مجلسًا يعي ويدرك ثمن دماء شهداء شهور ثورة 25 يناير.