انتخابات النواب 2025.. إقبال ملحوظ على لجان بني سويف للمشاركة في التصويت    جامعة قنا تشارك في ملتقى قادة الوعي لطلاب الجامعات    انطلاق قوافل التنمية الشاملة من المنيا لخدمة المزارعين والمربين    ارتفاع معدل التضخم في المدن المصرية إلى 12.5% خلال أكتوبر    موانئ أبوظبي: ندعم تطوير قطاع النقل المصري    استشهاد فلسطينيين في قصف طائرة مسيرة تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي شرق خان يونس    1105 مستوطنين يقتحمون باحات الأقصى واعتقال 20 فلسطينيا من مدن الضفة الغربية    أحدهما طفل.. شهيدان في قصف الاحتلال شرق خان يونس بقطاع غزة    رضا عبد العال: بيزيرا "خد علقة موت" من لاعبي الأهلي.. ويجب استمرار عبدالرؤوف مع الزمالك    مدرب ليفربول: لا أحتاج لمواجهة مانشستر سيتي    مباريات مثيرة في كأس العالم للناشئين اليوم الإثنين 10 نوفمبر 2025    تعليم الفيوم: انتخابات مجلس النواب تسير بسهولة ويُسر.. صور    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل تاجر الذهب أحمد المسلماني في رشيد إلى 16 ديسمبر المقبل    24 نوفمبر.. محاكمة أصحاب فيديو الفعل الفاضح أعلى المحور    تطورات الحالة الصحية للفنان محمد صبحي بعد تعرضه لوعكة صحية    الصحة تنفذ تدريبا مكثفا لتعزيز خدمات برنامج «الشباك الواحد» لمرضى الإدمان والفيروسات    بعد حجة جديدة.. إلغاء جلسة لمحاكمة نتنياهو في قضايا الفساد    تعزيز الشراكة الاستراتيجية تتصدر المباحثات المصرية الروسية اليوم بالقاهرة    اليوم.. أحمد الشرع يلتقي ترامب في البيت الأبيض    أسعار الذهب اليوم الاثنين 10 نوفمبر 2025 في محال الصاغة    بعد ارتفاع الأوقية.. قفزة في أسعار الذهب محلياً خلال تعاملات الاثنين    نصر الله: الذكاء الاصطناعي التوليدي يفتح عصرًا جديدًا من الابتكار للشركات الناشئة في المنطقة    إطلاق منصات رقمية لتطوير مديرية الشباب والرياضة في دمياط    الزمالك عن إيقاف القيد بسبب فرجاني ساسي: متوقع وننتظر الإخطار الرسمي    «الله أعلم باللي جواه».. شوبير يعلق على رفض زيزو مصافحة نائب رئيس الزمالك    الاثنين 10 نوفمبر 2025.. البنك المركزي يطرح سندات خزانة ب 20 مليار جنيه    انطلاق التصويت في أسوان وسط إقبال ملحوظ على لجان انتخابات مجلس النواب 2025    تنوع الإقبال بين لجان الهرم والعمرانية والطالبية.. والسيدات يتصدرن المشهد الانتخابي    حالة الطقس .. البلاد على موعد مع انخفاض حاد فى حرارة الجو بعد 48 ساعة    اندلاع حرائق مفاجئة وغامضة بعدة منازل بقرية في كفر الشيخ | صور    «الداخلية»: تحرير 1248 مخالفة «عدم ارتداء الخوذة» ورفع 31 سيارة متروكة بالشوارع خلال 24 ساعة    التعليم: تغيير موعد امتحانات شهر نوفمبر في 13 محافظة بسبب انتخابات مجلس النواب    غرق سفينة صيد أمام شاطئ بورسعيد.. وإنقاذ اثنين وجار البحث عن آخرين    مواقيت الصلوات الخمس اليوم الاثنين 10 نوفمبر 2025 في محافظة بورسعيد    مسرح وكتابة سيناريو.. ورش تدريبية لأطفال المحافظات الحدودية بمشروع «أهل مصر»    عائلات زكي رستم وشكوكو وسيد زيان يكشفون أسرارا جديدة عن حياة الراحلين (تفاصيل)    لماذا استعان محمد رمضان بكرفان في عزاء والده؟ اعرف التفاصيل .. فيديو وصور    أحمد إسماعيل: مشاركتي في افتتاح المتحف الكبير يعكس جزءًا أصيلاً من هوية مصر    كيف مرر الشيوخ الأمريكى تشريعاً لتمويل الحكومة؟.. 8 ديمقراطيين صوتوا لإنهاء الإغلاق    مجلس الوزراء يستعرض جهود الدولة للحد من أضرار التدخين وحماية الصحة العامة    رئيس الوزراء يدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب 2025 بالمدرسة اليابانية بالجيزة    «السادة الأفاضل» يتصدر الإيرادات السينمائية بأكثر من 3 ملايين جنيه    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    انطلاق أعمال التصويت في انتخابات مجلس النواب 2025 بالمهندسين    الرئيس الأمريكي يصدر عفوا عن عشرات المتهمين بالتدخل في انتخابات 2020    «الصحة»: التحول الرقمي محور النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان    أمريكا: اختبارات تكشف الجرثومة المسببة لتسمم حليب باي هارت    «أنا مش بخاف ومش هسكت على الغلط».. رسائل نارية من مصطفى يونس بعد انتهاء إيقافه    السوبرانو فاطمة سعيد: حفل افتتاح المتحف الكبير حدث تاريخي لن يتكرر.. وردود الفعل كانت إيجابية جدًا    «لاعب مهمل».. حازم إمام يشن هجومًا ناريًا على نجم الزمالك    الأهلى بطلا لكأس السوبر المصرى للمرة ال16.. فى كاريكاتير اليوم السابع    «الثروة الحيوانية»: انتشار الحمى القلاعية شائعة ولا داعٍ للقلق (فيديو)    «لا تقاوم».. طريقة عمل الملوخية خطوة بخطوة    محافظ قنا يشارك في احتفالات موسم الشهيد مارجرجس بدير المحروسة    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكم البراءة القاتل
نشر في المشهد يوم 30 - 12 - 2011

"الضنا غالى" و"أعز الولد ولد الولد" و"ما يعرفش قيمة الابن غير اللى اتحرم منه ولا يعرف قيمة القرش غير اللى تعب فيه"، و"اللى ليه ظهر ما ينضربش على بطنه"... تلك ببساطة أسس الشخصية المصرية البسيطة التى تقبل بأشياء كثيرة وتتحمل الكثير ولكن لديها خطوطها الحمراء الكبرى التى تشعرها بالظلم فتتجه لمن هو أعظم، تتجه للخالق لتسأله العون والصبر والقصاص من الظالم وهى نفسها الصورة التى تواجدت على هامش حكم البراءة الذى حصل عليه المتهمون فى قتل الشهداء فى أحداث السيدة زينب.
نقلت لنا ردود الفعل حديث آمهات مكلومات عن التضحية التى قدمت من أجل تربية الابناء، عن تفضيل الابناء بالموارد المحدودة و"اللقمة" المتاحة، والتوجه إلى الرحمن للاقتصاص من الجناة فالعدالة على أرض مصر صارت لعقود انتقائية فى تنفيذها وآلياتها وفقدت مع أشياء كثيرة جزءا كبيرا من مصداقيتها.

جاءت المحاكمة بعد تأجيل محاكمة الرئيس السابق مبارك ونجليه ووزير داخليته حبيب العادلى وغيرهم فى قضايا تتعلق بالمال العام والقتل أيضا، فجاءت منذرة بما يمكن أن تصل إليه النتيجة ما دامت الأسس واحدة والأسانيد واحدة على ما يبدو ليصبح لسان حال الوطن التوجه للرحمن بالدعاء أن يحل عدله وكرمه على أرض المحروسة.

وفى هذا المشهد نجد أنفسنا أمام نقطتين أساسيتين فمن جانب هناك فكرة القانون نفسه وإعماله، ومن جانب هناك فكرة الثقة الاجتماعية فى المؤسسة المعنية بالقانون فى شق التحقيقات وجمع الأدلة وفى شق التقاضى وأصدار الأحكام. وخلال عقود أصبحت الصورة الخاصة بالكثير من المؤسسات فى مصر مشوهة والثقة فيها إما ضعيفة وإما مفتقدة ومنها بالطبع الجهات المعنية بضبط المتهم والتحقيق معه، بالإضافة إلى بعض التشكك فيما يخص مؤسسة التقاضى ذاتها نتيجة لحالات مختلفة كانت تبرز عبر الوقت وجود عوامل أخرى غير القانون تحكم "العدالة" وتجعلها حلما بعيدا فى واقع ظالم.

أصبحنا بعد الثورة أمام تحد أساسى لجميع المؤسسات ولقدرتها على التحول لتمثيل الجماهير ومصالح الوطن بدلا من تمثيل فئة محدودة وحماية كراسى السلطة. ولكن علامات الفرح والانتصار لم تدم كثيرا وانتهت الفرحة وجاءت السكرة وأصبحنا أمام الحقيقة التى ترى بالعين المجردة وتزايدت دعوات المظلومين فى وجه الظلم المستمر، وتزايد ارتفاع الأكف تضرعا للرحمن أن يأتى القصاص منه بعد أن دمع القلب والعين وعجز الحق عن الوصول لطالبه وصاحبه.

ظهر الظلم واضحا فى طريقة معاملة المساجين من أصحاب الأيدى الناعمة حيث تم سجنهم ومعاملتهم بوصفهم طبقة خاصة سواء فى مرضهم أو فى محاكمتهم وفيما يتاح لهم من مميزات، كما ظهر واضحا فيما أتيح لهم بحكم المال والجاه والسلطة التى لم تمت بعد من محامين وأمكانيات وفرص، وما أتيح لهم من عدالة لم تتح للمصريين خلال عقود حكمهم.

أكرر دوما أننا نريد مصر كدولة قائمة على المؤسسات وإعمال القانون وأننا لسنا فى حاجة لإعمال آليات انتقامية تجاه أى أحد ليس حبا فيهم ولكن حبا فى مصر وحبا فيما نرغب فى تأسيسه من دولة قانون ومؤسسات. ولكن يبقى السؤال المهم هل ما يحدث من إجراءات وما يقدم من مسوغات كافيا لأحكام البراءة فعلا؟ وهل يدشن هذا لبراءة الجميع باسم القانون الذى يدار بآليات وأسس وقواعد وضعت أثناء عقود الظلم ذاتها؟ وبالمجمل هل لدينا بالفعل القوانين والمؤسسات القادرة على الانفصال عن النظام المراد إسقاطه والوصول لأحكام تقنعنا جميعا أفرادا ووطنا أننا أمام عدالة وتقاض نزيه حتى وان وصلنا فرضا لحكم براءة؟

بعد البراءة تحدث محام من المدافعين عن أحد المتهمين وأكد أن الحكم مستند لأوراق وأسانيد وأن المحكمة لا تحتكم للشواهد ولكن لما لديها من أدلة، مضيفا أنه هو شخصيا تعجب من الحكم بالبراءة على اثنين من المتهمين رغم وجود بعض الشواهد الأقوى ضدهم ولكنه فى النهاية أمام قرار محكمة. مضافا له تصريح لمحام آخر من المدافعين عن حق المدعين بالحق المدنى من "ركاكة" الأدلة المقدمة والتساؤل حول عمل النيابة العامة وما قامت به كأسس للقضية. توقفت أمام تلك التصريحات لأنها تعبر عن تلك النقاط التى أشرت إليها فمن جانب هناك "الأوراق" و"الأدلة" والتى يبدو من أحراز جلسة مبارك وغيره أنها غير كافية لبناء قضية متماسكة تماما كما قيل مع جمع الأدلة فى أحداث أخرى بعد الثورة مثل أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء، ومن جانب آخر فإن التشكيك الذى عبر عنه المحامى يقع فى قلب التشكيك فى التقاضى كشق آخر فى العملية القانونية التى نحن بصددها. وبالتالى نجد أنفسنا أمام مشهد متكامل الأركان من عدم الثقة أولا وافتقادها ثانيا والتشكيك فيها من قبل البعض الآخر ثالثا. ولأن المحكمة أو القانون أعمى خارج نطاق الأوراق والأدلة المقدمة فإن نقطة الضعف التى تبدو محل تساؤل الآن من شأنها أن تضيع حق الوطن ككل وأن تشعل نيران الغضب أكثر على ممارسة علنية للظلم وحكم براءة قاتل لأفراد ووطن إن استمر صدوره تحت واقع الشك وغياب الثقة.

ويصبح السؤال هل من الحكمة التسريع بالتقاضى وإصدار أحكام مماثلة بالبراءة فى نظام مشوه ويحتاج لتغيير هيكلى أم أن الأفضل التمهل وإعادة النظر فى الأدلة والأسانيد المقدمة وإعداد جبهة دفاع قوية عن حقوق الشهداء والوطن؟ هل وصلنا فعلا لحالة الثقة فى المؤسسات القائمة أم أن الثورة تعنى التحقق من حدوث التغيير المراد فى تلك المؤسسات أولا قبل إخضاعها لتلك التجربة التاريخية؟ والا تطرح كل التساؤلات المثارة من بعد الثورة المزيد من التشكك فى قدرة النظام الحالى على الوصول لنتائج تحظى بالثقة لدى الجماهير وما قضية عصام عطا عنا ببعيدة؟

يقال لا تثق قبل أن تختبر ويبدو أننا وثقنا أن لدينا ثورة، وافترضنا أنها نجحت بمجرد تأكيد مبارك من زنزانته على حضوره، ولكننا لم نختبر فاعليتها ولم نتفهم أن الحضور داخل قفص لا ينفى امتداد الحضور خارجه فالعقود السابقة لم ولن تنتهى فى لحظة، ويبدو أننا اختبرنا الثورة بالمزيد من السحل والتعرى والعدالة الانتقائية إن صح أن تسمى عدالة والبراءة القاتلة للضحايا ووطن يرفع أكفه متضرعا إلى الرحمن أن يقتص ممن ظلمه ولازال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.