تلعب القوة دورا كبيرا فى العلوم الطبيعية وفى حياة الإنسانية، وإن اختلت معادلتها فى كلتا الحالتين كان الانفجار هو الناتج الوحيد، والكتلة الحرجة موجودة لدى الطرفين، واتزان المعادلة هو الشرط الوحيد لبقائها دون تدمير، والحفاظ على حقوق كل الأطراف، فعندما تزداد القوة الضاغطة على الشعوب يكون تأثير الاجهاد كبيرا فى انهاكهم وتفتيتهم، ولأن الشعوب طاقة متجددة حتى يرث الله الأرض ومن عليها، والتفتيت قد ينال من شريحة دون أخرى، فالنتيجة الحتمية، وإن طال الزمن، هو الانفجار الذى يولد الثورة على قوى الظلم لا الانبطاح الذى يورث الذل. فى ظل ثورة تترنح بطعنات من التحقوا بها ومن سيطروا عليها، ومحاولة إقصاء الشعب هل تستقيم معادلة طرفاها جماعة المشير وجماعة البنا؟ وهل يمكن أن يؤدى تفاهم الجماعتين تفاديا للصدام االمحتمل إلى انتخابات سلمية ونزيهة بين كل الأطراف؟ ونحن هنا لانتحدث عن أعداد كبيرة وأخرى صغيرة، ولا عن تنظيمات جاهزة وأخرى غير جاهزة، ففى كل الدول الديمقراطية (ونحن نلهث للمس أطراف عتبة الديمقراطية) توجد الأحزاب الكبيرة والضئيلة.. القوية التى تستأثر بنصيب الأسد والضعيفة التى تخرج خالية الوفاض من الانتخابات، نتحدث عن الانفلات الأمنى وعن قوى رجعية لم تنالها رياح - ولا نقول سيف - العزل السياسى، وعن انعدام تكافؤ الفرص الكامن فى غياب العدالة الاجتماعية.. غياب الضرورات التى تعوق إجراء انتخابات سلمية لن تمكن الجميع من أداء دوره بحرية ودون تأثير من رأس مال مستغل ولا سلطة مستبدة ناعمة. ودور المؤتمنين على الثورة هو الانحياز للغالبية العظمى من الشعب المهمش وليس الاستيلاء على الثورة وتدجينها أو تسليمها لقوى رجعية جاهزة، والعمل على الارتقاء والنهوض بالشعب. وهل نحن بصدد طريقة تضمن تكافؤ فرص الجميع عند اختيار المرشحين فى البرلمان القادم؟ ونحن نعانى من انفلات أمنى مروع، وتصحر فى الطبقة الوسطى، وزيادة مساحات الفقر بشكل أقبح مما كان عليه قبل ثورة 25 يناير، بالطبع هذا ليس من نتاج الثورة ولكنه من سوء إدارة جماعة المشير. واستبدال المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمسمى "جماعة المشير" ليس تقليلا من شأن الجنرالات بل هو توصيف دقيق لشلة أو جماعة تبتعد عن التخطيط العلمى والمنطقى وتتصرف بطريقة عشوائية بمنطق الشلة والحفاظ على هيبتهم فى مواجهة من ينتقدهم، وجاهزية التبرير غير المعقول، فالتهم التى نسبت لحبس علاء عبدالفتاح تثير الضحك والغثيان، فكيف يسرق مواطن أسلحة وذخيرة من القوات المسلحة، ويعتدى على ممتلكاتها ويخربها، ماهذا الهطل؟ ألا يشعر الجنرالات بالحرج وهم يستخفون بالمؤسسة العسكرية ويصورونها وكأنها دكان لبيع أسلحة الصيد يمكن الاعتداء عليه وسرقته وتخريبه بسهوله؟ أعتقد أن رضا الجنرالات على هذه الاتهامات فيه إهانة للقوات المسلحة، ويتصرفون كجماعة قوية اعتدت على ضعفاء، وعند تبريرها للفعل ادعت سرقة دكانها لتدارى سوءاتها، وألصقت التهمة بشخص من فصيل يخالفهم التوجه، وعقابه رسالة وعبرة لأمثاله. هل لدينا طريق يحقق مصالح الوطن ممثلا فى كل أطيافه ويجنبنا البلطجة ويساعد على حقن الدماء فى الانتخابات القادمة؟ وهل نملك معادلة تمكن القوى المدنية المنتخبة من إدارة الدولة بغير تصادم مع جماعة المشير؟ وإذا كنا أخطأنا فى الفترة الماضية فى الإدارة والسلوك فلماذا لا نعترف ونصحح الخطأ قبل حدوث الخطيئة؟ ثم ما العمل يا رفاق الدرب؟ أسئلة لا أزعم أنه بمقدورى الإجابة عليها، لكنها دعوة لمشاركة الجميع فى محاولة للإجابة، وطن بحجم مصر يحتاج أراء جميع رجال مصر. أراء تبعث الأمل وقد تثير المخاوف، ويبقى الاجتهاد لكل منا معلقا بين الارتقاء والهبوط،، وقد يجرى عليه التعديل بالحذف والإضافة، وقد يُهمل ويخرج مشروع بديل، المهم أنها أسئلة أثارت حفيظة التفكير وليس بالضرورة أن يكون كل المطروح صوابا ويكفيه شرف إلقاء حجر فى المياه الراكدة. الأسئلة ومحاولة الإجابة لا يعصمان عجلة الأحداث من التسارع فى هذه الأيام بدرجة تنذر بالخطر نتيجة تسابق محموم فى الأخطاء من قِبل "جماعة المشير" وتصعيد من "جماعة البنا" - مستغلين أخطاء الجنرالات - يدفع بالشعب إلى التصادم مع القوات المسلحة نفسها، وعند الصدام تصدر "جماعة المشير" الأمر للقوات المسلحة بالمواجهة. ويكون الشعب بين سندان جماعة المشير فى التخبط والتباطؤ فى اتخاذ القرارات الثورية الصحيحة ومطرقة "جماعة البنا" الدافعة للصدام والمنددة بأفعال الجماعة الحرام وتصرفاتها المرفوضة من كل القوى الوطنية. "جماعة البنا" فى هذه الايام تستعرض عضلاتها وتحدد أماكن وأرقام الترشح البرلمانى على قوائمها لمن يتسولونها من الأحزاب الورقية، وتشعل الدنيا بخطب حماسية، وتلحق بركب المواجهة دوما متأخرة، تحجز السبق بالكلام، وتشارك عندما تطمئن لمشاركة غيرها قبلها، تاركة لغيرها حد الموسى، محتفظة لنفسها بحق التنظيم والتنظير، أول من يخطف الثمار وآخر من يتقدم الصفوف، براجماتية تحكمها مصالحها الخاصة، تجيد التبرير وعقد الصفقات. رفضت الاستجابة للمشاركة فى مظاهرات 25 يناير 2011 وعندما تأكدت من نزول الجماهير إلى الشوارع، واستمرار المظاهرات التى تحولت إلى ثورة عارمة، شاركت الجماعة فى المظاهرات يوم 28 يناير أى بعد ثلاثة أيام من البداية، وفى يوم 7 فبراير كانت "جماعة البنا" أولى الفصائل التى ذهبت للتفاوض مع الجنرال عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية بشأن إنهاء المظاهرات وإخماد الثورة، فى الوقت الذى رفض جميع المتظاهرين فيه الذهاب للتفاوض، وكان شعارهم "لاتفاوض قبل الرحيل" أى رحيل مبارك ونظامه أولا ثم التفاوض بعد ذلك. انتزعت الثورة مبارك ونظامه من حكم مصر مساء الجمعة 11 فبراير، وفى 15 فبراير وقبل أن تجف دماء الشهداء من الميادين، فوجئنا بعملية اختطاف من العيار الثقيل للثورة، وتشكيل مجلس أمناء للثورة برئاسة د. صفوت حجازى وعضوية كل من د. محمد البلتاجى ود.خالد عودة والإعلامى أحمد منصور وجميعهم من "جماعة البنا"، ولم يضبط واحد من هؤلاء قبل 25 يناير متلبسا بالدعوة لمظاهرة ضد رأس النظام الحاكم ولا واقفا فى مظاهرة تندد بتصرفاته وتنتقده صراحة وعلانية. كان مجلس أمناء الثورة هو المسمار الأول فى نعش وحدة الثوار، وأول معول هدم يضرب فى قلب الثورة ويسعى لتحويلها من ثورة ذات تغيير جذرى إلى حركة إصلاحية ذات تغيير جزئى، وهذا ما يناسب مفهوم جماعة البنا المضاد للفكر الثورى ذى التغيير الجذرى، والمتماهى مع الحركة الإصلاحية والتسالى بالتغيير جزءا جزءا "حته.. حته"، المهم أن تدور العجلة، وتكون بأيديهم وتحت حكمهم. شجعت جماعة المشير بالاتفاق مع جماعة البنا على "حركنة الثورة" أى تحويلها إلى حركة ثم "شيطنة الثورة" على حد تعبير الكاتب الكبير محمد عبدالحكم دياب، وبعد تشكيل مجلس الأمناء تكاثرت الشيع والأحزاب والجماعات والائتلافات، تمزق وجه الثورة وتشوهه. سارعت الجماعة بحكم ماتمتلكه من إمكانيات من تدجين كل شيء لصالحها وادعاء أنها صانعة الثورة وصاحبة السبق فيها. كنا نظن الادعاء سلوكا استثنائيا فى "جماعة البنا" نتيجة خروج الجماعة من ظلمة طويلة إلى ضوء النهار المفاجئ، واكتشفنا أنه سلوك طبيعى تعودت عليه منذ نشأتها، وفيما نشره الكاتب المحقق "عمرو صابح" على شبكة الإنترنت من مقال للمناضل "أحمد حسين" مؤسس وزعيم "حزب مصر الفتاة"، فى "جريدة مصر الفتاة" الصادر بتاريخ 12 يناير 1948 تحت عنوان: "أيها اليهود انتظروا قليلا فإن كتائب الشيخ حسن البنا ستتأخر بعض الوقت"، وفيه يسخر الزعيم أحمد حسين من أحاديث "الشيخ البنا" عن إرسال كتائبه للحرب فى فلسطين، وهو مايراه الزعيم ادعاء لم يحدث وتهريجا وضحكا على ذقون المصريين.. إنه سبق للحجز بالقول لا بالفعل، نفس مايحدث اليوم. ولمن لايعرف فإن المناضل احمد حسين ذهب بنفسه للحرب فى فلسطين قبل "كتائب الشيخ البنا" وهذا ما أظهرته الوثائق المحفوظة فى دار الكتب. الجماعة بدأت مشروعها السياسى بصبغة دينية للنفاذ لعامة المصريين المتدينين بطبيعتهم، استهلت الجماعة حياتها العملية بالتعامل المالى مع الانجليز، واتهمت بممارسة الإرهاب فى مرحلة لاحقة قتلت فيها القاضى الخازندار ورئيس وزراء مصر النقراشى باشا فى أواخر الأربعينات. تحالفوا مع ثورة 1952 ضد الإحزاب، وأيدوها فى حلها نظير عدم حل جمعية "جماعة البنا" التى عُرفت آنذاك ب"جماعة الإخوان المسلمين"، و فى أزمة مارس 1954 انحازت الجماعة لمعسكر عبدالناصر على أمل السيطرة على الثورة فيما بعد، وهو مابدا جليا عندما ذهب عبدالناصر للمناقشة مع الأستاذ الهضيبى مرشد الجماعة آنذاك، وطالبه الهضيبى بألا تفعل الثورة شيئا إلا بعد الرجوع للجماعة والحصول على إذنها، وكان رد عبدالناصر حينها جئنا للمشاركة وليس الوصاية. ولما فشلوا فى احتواء الثورة بدأ صراعهم على السلطة ضد الضباط الأحرار، وحاولوا اغتيال عبدالناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية، واقعة أكدها المؤرخ "أحمد رائف" وهو إخوانى صرف، عانى من السجن فى عهد عبدالناصر كثيرا، وانتهت الجماعة فى صراعها على السلطة إلى نهايات مؤسفة مابين الإعدام والسجن، ثم هادنوا "مبارك المخلوع" إبان حكمه وأيدوه ودعموا ابنه جمال فى حملة التوريث المسماه بترشح جمال لخلافة والده مبارك فى انتخابات الرئاسية بينما الشعب يئن و"حركة كفاية" وأخواتها تندد بالظلم والفساد ويرفضون التمديد لمبارك فى حكمه ويرفضون توريث ابنه جمال حكم مصر. انقلبوا على مبارك بعد أن تأكدوا من استمرارية الثورة، ومالأوا جماعة المشير بعد خلع مبارك علهم يسيطرون عليها ويحققون مافشلوا فيه عام 1954، ولما أدركهم الفشل فى احتواء مجموعة الجنرالات راحوا يحرضون الشعب ويستعدونه عليهم بتهمة الالتفاف على الشرعية ومطالب الثورة، وأين كانت مطالب الثورة وقت أن طالبنا بالدستور أولا ليكون حكما ومرجعية عند الاختلاف مع المجلس العسكرى قبل أن يتحول إلى جماعة المشير؟ وأين هى الشرعية التى استبدل فيها نتيجة استفتاء على 8 مواد ب62 مادة، ألم يكن هذا تزويرا وتدليسا سايرت فيه الجماعة التى تدعى المرجعية الإسلامية (والإسلام لاكذب فيه) المجلس العسكرى؟ واعتبرت نتيجة الاستفتاء على الإعلان الدستورى ذى ال8 مواد تنطبق على التزوير ذى ال66 مادة دستورية. جماعة لاتعرف إلا مصالحها، وهى أول من تعلم انها مانزلت الشارع أبدا وحدها طيلة حياتها وإنما تنزل متأخرة أو مشاركة ببعض أفراد منها. أما المجلس العسكرى (جماعة المشير لاحقا) بدأ منحازا للثورة، ثم استدار عليها لأغراضه، وحمى "مبارك المخلوع"، وتغاضى عن تهريب أموال الدولة أثناء إدارته، وأطلقنا عليه فى هذه الفترة "مجلس مبارك" وسجلناها مكتوبة وبعدها صار المجلس "جماعة المشير" تطور درامى رهيب وفى فترة وجيزة. وبمزيد من التخبط فى الإدارة والابتعاد عن الصالح العام للشعب، والالتفاف على الاستفتاء الدستورى المكون من ثمانى مواد واستبداله باثنتين وستين مادة والعبث بالمادة 179، ومحاكمة 17 ألف مدنى محاكمات عسكرية، والانفلات الأمنى غير المسبوق، والكشف على عذرية الفتيات لإذلالهن، انفجار فى الأسعار، وعدم تغيير القيادات الفاسدة من مناصبها، وقتل المواطنين المصريين أمام ماسبيرو، وعدم إقرار قانون العزل السياسى، وتبديد الثورة وعدم محاولة رعاية تنظيم سياسى ينتمى للثورة وفكرها كما تصنع كل الثورات للحفاظ على نفسها ومسيرتها. باختصار أوصلتنا جماعة المشير لسوء حال أسوأ مما كنا عليه ايام مبارك المخلوع، وأخيرا زيارة ملك البحرين –الأسبوع الماضى- لملك مصر فى منتجعه الطبى، وكأن الثورة قامت لتخلع مبارك الرئيس وتنصبه ملكا يملك ويفوض من يحكم نيابة عنه. واقعة تتطلب التحقيق الفورى، وإن صدقت فالمجلس العسكرى يتحمل تبعتها، وإن تمت فى غيبته عليه أن يعلن عجزه عن حماية الدولة وإدارتها ويتركها لمن هم أقدر منه وأكثر فهما للإدارة ومن لديهم متسع من الوقت ومزيد من الصبر والتعقل بالعقل. تصرفات مجموعة جنرالات لا تنم عن دراية بأدنى قواعد الإدارة العلمية، ولا يمكن نسبها إلى مجلس ذى طبيعة فنية. وانحراف الإدارة لايعنى انحراف الجسم الصلب عن مساره الطبيعى، إنحرف الرئيس والقائد الاعلى للقوات المسلحة وبقيت القوات المسلحة سليمة قوية عزيزة بعيدة عن سهام النقد والتجريح، أعود وأكرر نقد القيادة ليس نقدا للمؤسسة، فالقائد منتج له صلاحية محددة، وجسده وعقله قابلان للغزو البكتيرى، والقوات المسلحة كيان صلب ذو رحم يولد كل يوم خير أجناد الأرض. وقبل البحث عن بديل لما نحن فيه يجب أن نعترف أولا: بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة تم تكليفه بإدارة البلاد من قبل الرئيس مبارك وهو موثق فى الصفحة الثانية من الجريدة الرسمية العدد 6 مكرر (د) فى 12 فبراير سنة 2011، ونصه: " بسم الله الرحمن الرحيم، السيد المشير محمد حسين طنطاوى، القائد العام للقوات المسلحة، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة. إدراكا من السيد الرئيس محمد حسنى مبارك لمسؤولياته التاريخية تجاه الوطن، واستجابة لمطالب الشعب التى عبرت عنها جموعه، ورغبة منه فى تجنيب البلاد مخاطر الفرقة، فقد أبلغنى سيادته ظهر يوم الجمعة الموافق الحادى عشر من فبراير سنة 2011 بتخليه عن منصبه كرئيس لجمهورية مصر العربية، وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة مقاليد البلاد، وطلب منى أن أعلن ذلك للشعب، وقد أعلنت ذلك فور تكليفى به. حفظ الله مصر ووقاها السوء. يُنشر فى الجريدة الرسمية. نائب رئيس الجمهورية: عمر محمود سليمان، 11/2/2011". ثانيا: أن معاول جماعة المشير وجماعة البنا بناء على اتفاق بين الجماعتين على استفتاء غير ضرورى على إعلان دستورى مؤقت قاموا بإحداث شرخ فى جدار الوطن يوم الاستفتاء 19/3/2011، استفتاء لم تلتزم به جماعة المشير ودافعت عن مصداقيته جماعة البنا ذات المرجعية الإسلامية، وتغاضوا عن الحذف والإضافة والتزوير، واتهموا معارضيهم بالتدليس وكأنهم يمارسون الحق بغير حق. ثالثا: إن القوات المسلحة هى العمود الفقرى لجمهورية مصر العربية، ناهيك عن دورها الأساسى فى الدفاع عن الأمن القومى وحماية حدود الوطن، فجميع قيادات المؤسسات المدنية بالدولة هم من ضباط المؤسسة العسكرية بعد التقاعد وخلع الرتب، أى أنها دولة عسكرية تغلفها قشرة مدنية رقيقة، تقوم باستعادة الأمن الداخلى عند انفلاته كما حدث فى انتفاضة عام 1977 وأحداث الأمن المركزى عام 1986، والملاحظ أن الأمن الداخلى مازال منفلتا منذ ثورة 25 يناير، ولم تفكر "جماعة المشير" فى استعادته حتى الآن، ويبدو أن عودة الأمن فى الربع الأخير من القرن العشرين كان من أجل المحافظة على النظام الحاكم آنذاك، وحيث لايوجد الآن نظام حاكم فالأمن الداخلى ليس محل نظر، وأمن الحاكم أهم من أمن الشعب. تداخلت القوات المسلحة فى بنية الدولة المدنية بل صارت الجذر الدفين والأساس الخفى الحامل لهيكل الدولة المدنية. رابعا: أن القوات المسلحة قبل ثورة 25 يناير كانت عرفيا فوق المساءلة، ولها ميزانيتها الخاصة غير المعروفة، وغير مسموح بمناقشتها فى البرلمان. خامسا: إن البعض من الشعب نقابله ونقرأ تعليقاته على شبكات الإنترنت يميل إلى الحكم العسكرى طمعا فى تحقيق الأمن الداخلى، وعلينا بأن نقر بأن جماعة المشير فقدت مصداقيتها وخسرت كل الأطراف، ومن الصعب عليها ان تستخدم جماعة ضد أخرى، والمختلفون مع الجماعات سياسيا سيتوحدون معهم فى المطالبة بصياغة دستور جديد لا سلطان فيه لأحد ولا عصمة لجهة معينة. وبرغم تلك الحقائق فإن ثورة 25 يناير تجب ماقبلها من تجاوزات، ولاشيء فوق الأمة، ولا شيء يتجاوز الدستور، والشعب وإن اختلفت أيدلوجياته فمطالبه فى الحرية والعدالة الاجتماعية واحدة. والقوات المسلحة هى إحدى مؤسسات الدولة المصرية، تؤدى دورها ضمن منظومة الدولة، جنودها من أبناء الشعب المصرى، وميزانيتها من المواطنين دافعى الضرائب وليست من الشرق ولا من الغرب، فهى ملك للشعب المصرى وليست ملكا لمجلسها الأعلى، تنشئها الدولة فقط، وتخضع ميزانيتها للمحاسبة. لاجدال فى وجود إشكالية بين المؤسسة العسكرية والدولة المدنية الوليدة، المؤسسسة العسكرية تعودت على وضع معين ومميز بحكم طبيعتها فى دورها الطليعى الثائر الذى خلص البلاد من حكم فاسد بانقلاب عام 1952، وطرد المستعمر الإنجليزى عام 1954، وانحاز قادة الانقلاب وهم من ضباط الجيش للغالبية العظمى من الشعب، فغيروا النظام السياسى والاقتصادى والاجتماعى للأفضل فى مصر، وبانحياز الشعب لهم، تحول الانقلاب إلى ثورة عظيمة، ونادرا ما تتحول الإنقلابات إلى ثورات، فالثورة قادمة من فعل ثورى يسعى لخلاص الوطن من الذل والاستعباد، ونتيجة لتغير الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولاضير ان يقوم بالفعل الثورى أبناء الشعب المنتمون للقوات المسلحة فى لحظات ضعف الشعب وإنهاكه، وهذه قيمة وعظمة الضباط الذين أحسوا بمطالب الشعب فانحازوا له وما خذلوه، وضربوا عرض الحائط بقسم باطل لملك خائن، انهزم الجيش عام 1967 وأصروا على الانتصار وكان لهم بفضل الله ما أرادوه عام 1973. تراث عظيم للقوات المسلحة لا يرقى أن يكون ميراثا لهم فى رئاسة الجمهورية، ولا فى تحصين مؤسستهم من المساءلة، ولتظل هى الداعم للاستقرار والحامى للشرعية بحكم تراثها من غير سيطرة ولا تدخل ولامطالبة بوضع فوق الدستور، فتاريخ قواتنا المسلحة أنصع من أن يدنسه أحد، والعرف أنزلها منزلة السيد الخادم والحامى للوطن، والسيد بفعله وتضحيته لا بفرض إرادته واستخدام قوته ضد المدنيين العزل. تراث المؤسسة العسكرية لاينبغى أن يتحول إلى ميراث يتوارثه أبناؤها، والدولة المدنية الوليدة (الدولة المدنية هنا فى مقابلة الدولة العسكرية) بعد ثورة 25 يناير يحوطها هرج ومرج، وتعوزها دقة الأوصاف والملامح لكنها تبدو دولة تتمسك بأهداب الديمقراطية فى غياب العدالة الاجتماعية وانعدام تكافؤ الفرص. إنها دولة رخوة أمام كتلة صلبة، دولة تستمد دعمها وعونها من القوة المتحكمة سلفا فى طبائع الأمور، وكيف يتنازل القوى للضعيف والحامى لطالب الحماية؟ نعرف ردودا كثيرة منها؛ أن الشعب هو صاحب الشرعية وهذا حق، وأنه هو الذى يحمى مؤسساته.. ومزايدات كثيرة نحن نقرها، لكن دعونا نسأل لماذا لم يحم الشعب ثورته التى اختطفت منه؟ ولماذا انقلب بعض شركاء الثورة عليها وضربوها فى مقتل وجعلوها عاجزة عن إتمام فعلها وإنجاز مطالبها الثورية؟ نحن لسنا على طاولة المزايدات، ولا نجادل بغية تسجيل انتصار رأى معين، فالهم العام أثقل من أن يحمله فرد أو جماعة، وعلى الجميع التكاتف للنهوض به. نبحث فى واقع لمحاولة الخروج من المأزق. لنفترض جدلا أن "جماعة المشير" جاهزة لتسليم السلطة أو تسليم العربة بمفتاح التشغيل مع الاحتفاظ بعجلة القيادة. فهل الأحزاب مؤهلة لإدارة دولة عجلة قيادتها فى يد "جماعة المشير"؟ نحن فى واقع ملتبس يحتاج إلى مرجعية عند الاشتباك القريب والبعيد، والطرق كلها ملتوية وغير معبدة ومليئة بالأشواك النابتة، ومحاطة بالأسلاك الشائكة من الداخل والخارج.. نحن أمام ثورة محاصرة، وعلينا الاعتراف بخطأ تأجيل الدستور وأن نبدأ بإقرار الأمن فورا بالتوازى مع صياغة دستور جديد يحدد ملامح الدولة وعلاقة مؤسساتها، وطبيعة نظامها الحاكم وصلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والبرلمان، وتحديد دور السلطة التنفيذية. الدستور تعبير عن إرادة أمة مكتملة وليس عن إرادة أغلبية، وحقوق كل مواطن محفوظة كاملة وغير منقوصة، والمادة الثانية من الإعلان الدستوري تبقى كماهى لا نقصان فيها، ومصر دولة إسلامية منذ الفتح الإسلامى وستظل كذلك بإذن الله، ولم ترتد عن دينها كى يعيد إسلامها سياسيون يستخدمون الدين لخدمة أغراضهم. المناورة فى السياسة مقبولة وفى الدين مرفوضة. ثانيا: تأجيل الانتخابات البرلمانية تفاديا لأعمال بلطجة وحقنا للدماء، واستدراكا لشبهة عدم دستورية فى برلمان إن تم انتخابه لن يعمر طويلا، وتوفيرا لوقت وموارد مالية تنفق مرتين فى انتخابين متتالين. وإن لم يحدث ما نتخوف منه فدور البرلمان القادم ينتهى بصياغة الدستور المتنازع عليه.. إن حدث، ونعود ثانية لانتخاب برلمان جديد يكلفنا المال الكثير ونستهلك فيه الوقت والجهد. المقصود من الانتخابات البرلمانية هو قتل الثورة وإعلان نهايتها، والزعم بانتقالنا من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية، ونقل مطالب الثورة من الميادين العامة إلى قاعة البرلمان من خلال الممثلين الشرعيين للشعب(!!)، ويصير الثوار فى الميادين جماعات إرهابية خارجة على القانون، ينطبق عليهم قانون الطوارئ بتهمة الإرهاب وتكدير الأمن العام وتعطيل الإنتاج. وفلول الحزب الوثنى المنحل يصبحون ممثلين شرعيين للثورة فى البرلمان(!!)، وسعى البعض للحصول على أغلبية برلمانية تمكنهم من الحديث باسم الشعب ويتهمون مخالفيهم الرأى بالالتفاف على الشرعية. كل يبحث عن مصالحه الخاصة ويريد الحصول على نصيبه من كعكة لم تنضج بعد، والحقيقة المرة أنه لا ديمقراطية فى ظل ثورة مقيدة أو ثورة لم تحقق أهدافها، وإن حدثت كانت أقرب إلى ديمقراطية صورية مشابهة لما كان قبل ثورة 1952، يفوز حزب الوفد بالأغلبية وتشكل الأقلية الوزارة. ثالثا: انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتخاب البرلمان إن أقر الدستور الجديد نظاما رئاسيا تعاونه حكومه تسيير أعمال مؤقتة، أو انتخاب البرلمان بعد صياغة الدستور وإقرار الأمن إن أقر الدستور النظام البرلمانى لحكم الدولة، وفى حالة اختيار النظام الرئاسى-البرلمانى يفضل البدء بانتخابات الرئاسة مع حكومة تسيير أعمال مؤقتة. رابعا: وحتى نتفادى صدام الشعب مع قواته المسلحة الذى يدفعنا له "جماعة المشير" و"جماعة البنا" بسوء تصرفاتهم، نقترح أن يتولى تكملة الفترة الانتقالية فرد أو اثنان من "جماعة المشير" وتبتعد البقية الباقية من الجنرالات وتمثل "المجلس الأعلى للقوات المسلحة"، ثم يبتعد المجلس كلية عن إدارة الدولة، ويتفرغ لإدارة شئونه العسكرية، لكى يكون النقد موجها لإدارة الدولة وليس للمؤسسة العسكرية حتى نتجب الخلط والصيد فى الماء العكر من جانب اصحاب النفوس الضعيفة. خامسا: لابد من مواجهة الموقف بصراحة وشجاعة والابتعاد عن المزايدات الرخيصة، ففى هذه الفترة.. سنة أولى ديمقراطية.. أو فترة أولى برلمانية، مصر لن تحكم بمعزل عن دور للقوات المسلحة، وهذا يتطلب حوارا خاصا واضحا وصريحا على الملأ بين ممثلين للقوات المسلحة وبعض المدنيين المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والبعد عن المصالح الشخصية لتحديد طبيعة الدور، الحوار خاص فى جوهره عام فى مظهره وإن قام به بعض الممثلين عن الجانبين العسكرى والمدنى، ويفضل أن نبدأ بالبند الخامس إن أمكن بشرط ألا يتعطل البند الأول. والبديل هو استمرار الثورة والمواجهة الحتمية للأسف بين الشعب وبعض من قواته المسلحة، ولا عاصم من امر الله. علينا أن نتذكر أنه لاشيء دائم إلا وجه الله سبحانه وتعالى ومن لم يترك موقعه احتراما لإرادة شعبه سيتركه إما بالموت أو بالثورة.. أيهما أقرب. لدى بديل أخشى التصريح به لصعوبة مناله أو استحالته لكنه اقرب الحلول وأيسرها، وهو عودة اللحمة لجميع فصائل الشعب كما كانوا فى ميدان التحرير منذ بداية الثورة وحتى خروج مبارك من السلطة، ونسيان خلافاتهم مع بداية جديدة لاستعادة الثورة المخطوفة، وإكمال مهامها بدون ضحك على أحد ولا تسابق للحصول على أكبر نصيب فى كعكة غير ناضجة وفى معية الغير.