بعد نجاح ثورة يناير المباركة حدثت تحولات مفصلية في تفكير التيار السلفي، فقد انتقل أصحابه من العمل الدعوي إلى الانخراط في العمل السياسي المنظم بحصولهم على رخص بثلاثة أحزاب أو أربعة تعبر عن توجهاتهم السياسية بطريقة شرعية، بدلاً من العمل في تنظيمات مفككة، تختلف بين سلفية جهادية وعلمية وإصلاحية وجامية وغيرها، تبعا للمدارس السلفية المختلفة التي تنتشر في مصر. وجد السلفيون في مصر، بل في العالم العربي، أنهم يمرون بمنعطف خطير في هذه المرحلة الحرجة والدقيقة؛ والتحدي الأكبر الذي كان أمامهم هو التكيف مع الواقع المحيط، وكسر جدار الشرنقة التي كانوا يعيشون فيها أو أُرغموا على الحياة فيها خلال فترة نظام مبارك، وبدأوا يحاولون الاجتهاد للتكيف مع هذا الواقع الجديد مع الاحتفاظ بثوابت السلفية وضوابطها. فقد تجنب السلفيون في مصر العمل السياسي في السابق لأسباب مختلفة؛ بل إنهم كانوا دائماً ما يعتبون على الإخوان انخراطهم في العمل السياسي ودخولهم البرلمان، ويعتبرون هؤلاء الأعضاء المنتخبين شهودا صامتين على الشهادة الزور التي تقال في المجلس، والواقع أن خبرتهم في هذا المجال محدودة، وعلى الرغم من أن هناك تجارب سلفية في الكويت والبحرين، فإن التجربة السياسية -أصلاً- في هذه البلدان ضعيفة، كما أن هذه الدول ملكية وراثية غير دستورية لا تصلح معيارا جديّا، ودليلاً على فشل أو نجاح هذه التجارب السياسية. وفي أعقاب نجاح الثورة المصرية سارع كثير من التيارات السلفية إلى الولوج إلى العمل السياسي الذي بدت آفاقه مفتوحة، فبدأ أول هذه التغيرات المفصلية في التفكير السلفي بالاعتراف بالعمل الحزبي والتنافس بين الأحزاب في جذب أصوات الجماهير، بعد أن كانت تحرم العمل بالسياسة والانضمام الى الأحزاب السياسية في السابق، وتعتبرها من قبيل حضور شهادة الزور، فتم تأسيس حزب النور، والبناء والتنمية، والأصالة، وهي أبرز الاحزاب السلفية حتى الآن. وثاني هذه التحولات هو الاعتراف بالآخر الليبرالي أو اليساري والتنافس معه لجذب أصوات الجماهير، وليس تكفيره واتهامه بالخروج على قواعد الإسلام، وإن كانت لا تزال هناك فتاوى دينية تصدر من بعض مشايخ السلف تعتبر التصويت فريضة بعد ان كان أمرا غير مهم في السابق وأن التصويت لغير السلفيين شهادة زور، ولكن هذه الفتاوى سوف تختفي مع مرور الوقت، ومع اكتساب السلفيين مهارات جديدة في مواجهة المختلفين معهم في العمل السياسي. وحدث تغيير مفصلي آخر في تفكير السلفيين بإجازتهم ترشيح المرأة على قوائم الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، بعد سنوات من تحريم ذلك، ما دفع حزب «النور» السلفى إلى ترشيح 76 سيدة على قوائمه في الانتخابات المقبلة، وربما سنجد تغيرا قريبا في ترشيح الأقباط في المستقبل ومسألة ولاية المرأة والقبطي للمناصب العامة أو الولايات العامة كما يسمونها. ولكن استعراضا للمواقف السلفية بشكل عام يجعلنا نقرر أنها تفتقر إجمالاً إلى الرؤية السياسية والاستراتيجية للأحداث، فلا توجد دراسات شرعية مستفيضة مثلاً للموقف من الدولة المدنية وحقيقتها وكيفية التعامل مع البيئة السياسية المحيطة، ربما تكون أحداث الثورة قد باغتتهم فلم تجعلهم يتجهون لتشكيل رؤيتهم الشرعية والسياسية من هذه المستجدات، وربما سنجد تطورات وتحولات مفصلية كبيرة في المستقبل القريب في التفكير السلفي، ولكن علينا أن نفسح لهم المجال ليعملوا ويحتكوا بالاحزاب والتيارات المختلفة ويتعلموا ويطوروا من أفكارهم ومناهجهم.