بينما انشغلت الأحزاب السياسية بترتيب أوراقها استعدادا للانتخابات البرلمانية المقبلة، وراح كل منها يجهز ما لديه من إمكانيات بشرية وتنظيمية استعدادا للمعركة التي يتوقع الجميع شراستها، لم يلتفت أي من المراقبين السياسيين او الإعلاميين إلي طرف جديد بات يطرح نفسه بقوة كرقم في المعادلة السياسية ويقدم نفسه كأحد اللاعبين في الانتخابات المقبلة، وان لم يكن له متحدثون رسميون يعلنون ذلك وربما كان هذا هو السبب أصلا وهذا الطرف يتمثل في التيار السلفي الذي احكم سيطرته علي قطاعات كبيرة من المجتمع. ارتكن اغلب المراقبين إلي الموقف المعلن من جانب رموز التيار السلفي بعدم المشاركة في البرلمان باعتباره يضع قوانين وضعية تخالف الشريعة الإسلامية، وهي نظرة تفتقد للموضوعية وتتجاهل الديناميكية التي تعد ابرز خصائص التيارات الدينية علي اختلاف أفكارها، في ظل "التلاقح" المستمر بين هذه التيارات علي المدي البعيد. الحقيقة التي يتجاهلها الكثيرون ان السلفية المصرية ليست سلفية وهابية كما هو شائع، فالسلفيون المصريون يعتمدون علي أفكار محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه في السعودية مثل ابن باز وابن عثيمين في فتاوي تخص الطهارة والعبادات وما شابه غير أنهم لا يتعمدون علي آرائهم في أمور أخري تخص المشاركة السياسية والاندماج مع المجتمع وغيرها وهذا ما يوضحه محمود عامر رئيس الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة بدمنهور. نفوذ متزايد الفكرة الثابتة دفعت المحللين للتغافل عن كثير من الحقائق الاخري ومن بينها تزايد نفوذ السلفيين والذي ساعد عليه التحول في المزاج المصري العام نحو التدين والتنامي الرهيب في عدد النوافذ الإعلامية التي يطل منها رموز هذا التيار علي تنوع أفكاره إذ يزيد عدد القنوات المملوكة للسلفيين في مصر والخارج من تلك التي تقدم مضامين سلفية عن 30 قناة تليفزيونية تنقلها الأقمار الصناعية إلي العالم العربي ويدخل بعضها في إطار البيزنس او التجارة الهادفة للربحية. غياب الإحصاء لا يوجد حصر حقيقي لأعداد السلفيين في مصر ويزيد من صعوبة الأمر غياب هيكل تنظيمي واحد يجمعهم علي غرار باقي التنظيمات والجماعات الدينية الأخري مثل الإخوان او الجماعة الإسلامية وغيرهما، ولكن بعض التقديرات المتناثرة تقول ان منطقة مثل حلوان فيها ما لا يقل عن خمسة آلاف سلفي، وأن منطقة الهرم فيها حوالي عشرة آلاف سلفي، وأن محافظة مثل الإسكندرية فيها ما يقرب من مائة ألف سلفي، وهكذا الحال بالنسبة لباقي المحافظات مثل بني سويف والبحيرة وبورسعيد وغيرها من المحافظات التي يصل فيها تعداد السلفيين إلي أرقام تفوق مستوي الحدس العام. ينتشر هؤلاء بين جميع شرائح المجتمع في المدارس في الجامعات، بين التجار وأصحاب المحلات، بين أصحاب الشركات ورجال الأعمال وبصفة خاصة بين الدعاة وخطباء المساجد، ولا تخطئ العين كثافة المتنقبات في المناطق التي يمثل السلفيون فيها كتلة سكانية غالبة، حتي إنهم دخلوا الجامعة الأمريكية ونوادي مثل الصيد والدقي وغيرهما، بات دعاة السلفية وعلماؤهم يهيمنون علي سوق أشرطة الكاسيت في مصر، وباستبيان بسيط بين سائقي التاكسي سنجد أن محمد حسين يعقوب ومحمد حسان ومحمود المصري معروفون أكثر من أسماء المرشد العام للإخوان وباقي رؤساء الأحزاب. المقاطعة هي الأصل مشاركة جماعة مثل انصار السنة في السياسة مخالفة لنصوص وقواعد الجماعة بحسب ما يقول الشيخ أسامة سليمان عضو مجلس الإدارة باعتبارها جماعة دعوية ولا تنص لوائحها علي ذلك بما يعني ان ترشيح الجماعة لشخص يعني امكانية حلها، وان كان سليمان لم ينف مشاركة بعض السلفيين بطريقة فردية وشخصية ووصف الفروع التي تؤيد او ترشح للانتخابات بان عندها "شذوذ فكري"عن منهج السلف، ويكمل ان الجماعة لا تدعم اي فرقة علي حساب اخري. ويقول جمال قاسم رئيس فرع مشتول السوق بمحافظة الشرقية "ان السلفية لن يكون بينها وبين الإخوان أي نوع من الدعم لان الجماعة لا تعترف بهم ولو أرادت الدعم فسيكون للحكومة، ولا امل مطلقا في تجاوز الخلافات مع الاخوان ودعمهم في أي انتخابات مقبلة، مشيرا إلي ان عددا من افراد الجماعة ترشح بالفعل في دورات سابقة ولكن بصفة مستقلة عن الجماعة، فيما اكد الشيخ ابراهيم الطش رئيس فرع طنطا انه لا يري مبررا لمنع احد من الترشح للانتخابات متوقعا مشاركة عناصر من السلفيين في الانتخابات المقبلة ولكن بصفة شخصية بعيدة عن الجماعة. رأي مختلف رغم ان الأصل في نظر السلفيين لقضية الانتخابات البرلمانية هو المقاطعة لأنها تمثل مظهرا من مظاهر المحادة للشريعة الإسلامية وثوابتها بما تنهجه من إضفاء للسيادة علي البشر، الا ان الدورة البرلمانية الماضية في مصر شهدت خلاف ذلك حيث ترشح بعض قيادات السلف كمستقلين عن الجماعات التي ينتمون اليها او علي قوائم أي من الأحزاب السياسية وهو ما حدث مع جمال قاسم عضو الجمعية العمومية بجماعة انصار السنة الذي خاض الانتخابات علي قائمة الحزب الوطني، وهي ظاهرة قابلة للتكرار وان وصفها الشيخ اسامة سليمان رئيس العلاقات العامة للفروع بانصار السنة بانها تمثل شذوذا فكريا عن الاتجاه السلفي. وبحسب الشيخ محمود عامر فان احدا من مشاهير التيار السلفي الاعلاميين لن يرشح نفسه لعضوية المجلس غير ان بعض العناصر من اتباعهم قد يرشحون أنفسهم علي قوائم الأحزاب او مستقلين علي ان يلقوا الدعم الكامل من اعضاء التيار، وتتمثل آليات الدعم في التنبيه للامور المشابهة في الدروس الاسبوعية للمشايخ او الترويج لافراد بعينهم من خلال الاتصال المباشر مع كبار العائلات ورموز المجتمع ومع الناخبين. دور نقابي وقائع كثيرة تؤيد قوة التيار السلفي غير المنظم يأتي في مقدمتها تقديم ممدوح اسماعيل المعروف باسم محامي الجماعات السلامية نفسه في انتخابات نقابة المحامين الاخيرة علي انه "صوت التيار السلفي" وبغض النظر عن التبرير الذي ساقه للأمر بانه هو منهجه الفكري الاصلي، فان ممدوح اسماعيل اعترف بالوجود السلفي في نقابة المحامين لكنه "متناثر" فلا يجمعهم أي رابط غير عملهم في مهنة المحاماة. تجارب سابقة إذا ما نحينا الواقعة السابقة جانبا نظرا لاختلاف موقف السلفيين تجاه مسألة خوض الانتخابات النقابية؛ إذ يفرق السلفيون بين المشاركة في العمل النقابي وسائر صور العمل السياسي؛ باعتبار المجالس النقابية مجالس غير تشريعية، وإنما هيئات خدمية لأعضائها وللمجتمع، فان شريحة أخري كبيرة أيضا تتبني الرأي القاضي بأن النظام الديمقراطي بمؤسساته ومنها البرلمان لا يعتبر النموذج الشرعي للحكم الإسلامي، غير أن المشاركة في هذا النظام إذا حكمته الضرورة تكون خاضعة للمصلحة والضرر، وهذا ما يوضحه محمود عامر الذي اشار إلي ان السلفيين كان لهم دور بارز في مساندة مصطفي الفقي مرشح الحزب الوطني علي حساب المرشح الاخواني جمال حشمت، مفسرا ذلك بالمضار التي لحقت بالدائرة خلال فترة وجود حشمت في المجلس والتي حددها في القلق والشائعات المتتالية من نوعية ان النائب نجح في اسقاط وكيل وزارة او انه اثار ضجة بعينها في المجلس ومال إلي ذلك. كيفية الاستفادة ما سبق يكشف بوضوح ابعاد الدور المحتمل للتيار في الانتخابات المقبلة خاصة اذا ما اخذنا في الاعتبار امرين اولهما الديناميكية التي تتميز بها هذه الجماعات من ناحية ووجود تجارب سلفية مشاركة في البرلمان علي غرار تلك الموجودة في الكويت الان .. كل هذا يحتم علي المهتمين ادراك حقيقة ان الكادر السلفي موجود بالفعل وان دوره في تزايد وان البحث عن الية للتعامل معه وتحريكه باعتبار ذلك قضية فنية ليس غير.