يدهشك أن يكون الأستاذ الجامعى رسول الكاَبة والملل والسخرية بين الطلاب، ولكن لا تلبث دهشتك أن تزول اذا كنت على صلة بأى طالب، خاصة ممن يدرسون بالكليات الأدبية، لأنه سيحكي لك عن المآسي التى يحياها داخل المدرج الذى يدخله الأستاذ المحاضر متأخرا عن ميعاده بساعة وربع على الأقل ليعطى مثالا يقتضى به الطلاب فى الالتزام!. وحين يبدأ الأستاذ في شرح المقرر ليجد الطلاب فى كل وادٍ يهيمون، فمنهم من يختار الصمت التام فلا تفاعل ولا اهتمام، ومنهم من ينظر في ساعته بضجر، في حين يفضل آخرون حل الكلمات المتقاطعة دون لفت نظر المحيطين به. مثل هذا الأستاذ، يبدو في عيون طلابه مجرد "حصالة درجات"، يجب عدم تفويتها، حتى لو كان المقابل هو تحمل ما يعتبرونه أشياء غير مفيدة، ومنها محاولة الأستاذ استعراض عضلاته العلمية أو الفكاهية في مادة لا تحتمل غير شرح بسيط يقود الجميع إلى بر النجاح. يشعر شريف، وهو طالب في كلية الحقوق، بحالة من الضيق لدى دخوله محاضرة أستاذ قديم بالكلية والسبب أن الرجل يقضي نصف الوقت يحدثهم في آرائه الخاصة، والتي يلزم الطلاب بها. أما حسام، الذي يدرس بكلية الزراعة، فلا يحب الدكتور، و لذلك يحضر له رغبة في الحصول على درجات الحضور والغياب، وهو يعتبر أن ذلك أخف الأضرار. وترفض هيام، منطق زملائها الذين يحضرون من باب الخوف، وتصر على حضور ما تحبه فقط. ودواعيها لذلك واضحة: لا أحب أن أكون آلة، فالعلم لا يأتي الا بالرغبة. أما شواهد الملل التي يرصدها الطلاب فتبدأ بطريقة الأستاذ في القاء محاضرته، حيث يتعامل البعض بجفاء، بينما يحمل آخرون الطلاب بالتزامات تفوق قدراتهم كإعداد الأبحاث أو التقارير. كما أن بعضهم يضخم من مقرره، لدرجة لا يكفي معها الوقت، غير أن الأخطر من ذلك كله، على ما ذكر طلاب التقتهم "المشهد" هو الاستاذ الذي يحب السخرية من الحاضرين أمامه. وفي التعامل مع "الاستاذ الممل"، ينقسم الطلاب الى عدة أنواع، فهناك الطالب المستكين الذى يحرص على حضور المحاضرة، دافعه الأول فى ذلك هو عدم فقدان درجات أعمال السنة والتى تتمثل فى حضوره، يحضر ليوقع على بيان الحضور وكفى. تجد هذه النوعية من الطلاب لا يكادون يفقهون شيئا غير النظر الى الأستاذ فى ملل واضح، لا تتحرك أعينهم عن الأستاذ فى محاولة لوهمه بأن التركيز والاهتمام بما يقوله الأستاذ هو شغلهم الشاغل، و اذا فاجأ الأستاذ أحدهم بسؤال فى المقرر وجدهم غائبين حاضرين بأجسادهم فقط. أما "الطالب الصايع"، فتجده يجلس فى آخر "بنج" بالمدرج ليتمتع بسجائره، أو بقراءة الصحف أو سماع الأغانى حتى ينتهي الأستاذ من الشرح أو "الرغى" كما يقول. وربما تجده يلعب مع أصحابه الكوتشينه أو "أوتوبيس كومبليت". و غالبا لا يجد هذا الطالب ما يفعله أفضل من السخرية من الأستاذ بتقليده مرة، و باختراع ما يستحقه من ألقاب يطلقها عليه تعكس ما يتركه الأستاذ فى نفس الطالب وكل دكتور و حظه "ماريو اذا كان الأستاذ قصيرا، ميس نواعم اذا كانت الاستاذة رقيقة". على الجانب الآخر، يوجد من يتابع باهتمام جاد ما يقوله الأستاذ داخل المحاضرة ولكن هؤلاء الطلاب غالبا ما يكونون من "شلة" الدكتور، ف"الشللية" داخل المدرج الجامعى توجد فى طلاب هم رفاق الأستاذ وخاصته الذين ما ان تسأل عنهم، إلا وتجدهم فى مكتب الأستاذ يسلونه ويفرجون عنه هم وعناء المحاضرة!. كما يوجد الطالب الجاد الذى يجلس دائما فى الصف الأول، لا يمسك شيئا سوى الورقة والقلم يكتب كل ما يقوله الأستاذ المحاضر، ليحفظه كحفظ ولي الله للقرآن، لا ينسى حرفا ولا يسهو عن كلمة، تجده دائما كثير الأسئلة عن المقرر و"الكتاب هينزل إمتى يا دكتور؟ الامتحان شكله إيه ؟ "، ينظر الى كل نوعيات الطلاب السابقة باستهانة ويحملهم سبب أى إهمال يشوب المحاضرة، دافعه فى ذلك دخول الامتحان ليكب ما حفظه ويحصل على الدرجات النهائية، وينساه بعد ذلك نسيان السكران لاسمه. ويخرج الطلاب من المحاضرة فى غاية الامتنان من الدكتور الذى أتاح لهم فرصة للراحة والاستمتاع بجلسة هنية يفعلون فيها ما لا يستطيعون فعله طوال اليوم.