صدرت عن هيئة قصور الثقافة ضمن سلسلة "ذاكرة الكتابة"، طبعة جديدة من كتاب "المهاتما غاندي.. حياته وجهاده" للكاتب الكبير الراحل فتحى رضوان، بمقدمة للدكتور عبدالمنعم سعيد، وهو الكتاب الذي يتنبأ فيه رضوان بثورة 25 يناير. فما يلفت الانتباه فى الكتاب الذى صدرت طبعته الأولى سنة 1934، هو الإهداء الذى صدّره به رضوان: "إلى الشباب فى مصر: إلى الشباب الذى طهرته المحن وصقلته الآلام وهيأته نفسه لجهاد طويل، لا يضعف فيه ولا يلين.. إلى الشباب فى البلاد العربية الذى يحلم بالوحدة ويعمل للمجد"، إلى آخر الإهداء النبوءة، الذى نستعيده في وقت أشعل فيه الشباب المصرى والعربى الثورات، وقاد التغيير فى بلاده. يرصد عبدالمنعم سعيد فى مقدمة الكتاب التقارب بين النضال المصرى ضد الاستعمار البريطانى والنضال الهندي الذى قاده غاندى، والذى بدأت شرارته مع ثورة 1919 فى مصر، حيث تأثرت بها الهند وحدثت قلائل شديدة أرجعها البعض لتأثر شعب الهند بالثورة المصرية، كذلك رفض الإنجليز نفى الزعيم سعد زغلول ورفاقه إلى جزيرة سيلان القريبة من الهند، خوفا من أن يصبح سعد مقصدا للثوار الهنود، وتم نفيه بعيداً عن الهند إلى جزيرة سيشل. وينتقل سعيد لرصد تأثر الحركة الوطنية المصرية بنظيرتها فى الهند، واتخاذ أسلوب المقاومة السلمية والمقاطعة طريقا للنضال ضد إنجلترا، وتأثر العمل الوطنى المصري بفكرة " الاكتفاء الذاتى" لدى غاندى، عندما أنشا مغزلا لصنع الأزياء التى يرتديها الهنود، وظهر ذلك التأثر فى مشروع " القرش" الذى شارك فيه فتحى رضوان نفسه، وكذلك جمعية "المصرى للمصرى" التى أسسها سلامة موسى، والتى كانت تدعو لمقاطعة البضائع الإنجليزية والاعتماد على الذات. يصف رضوان غاندى بأنه "عظيم وليس بطلا، فهو لم يكن فى حسبانه أن يقود الناس ولا أن يفرض عليهم آراء معينة، ولم ينتهز الفرصة وإنما كان رجل خير.. ويرجع "رضوان" عظمة غاندى لإيمانه بالحق، فهو لا يعمل من أجل حرية الهند ولا يعمل من أجل الهندوكية ولا يعمل لإسعاد البشرية، بل يعمل حيث يرى الحق أمامه، يعبد الحق ولو قيل عنه كافر ولو قيل عنه خائن، وهو ما ظهر فى رفضه لنظام "النبذ" رغم أنه من مبادئ الديانة الهندوكية، فقد حارب غاندى فى سبيل تحرير المنبوذين ورفع مكانتهم، وحارب نظام زواج الأطفال، وهو من التقاليد الدينية لدى الهنود". ويكشف رضوان فى معرض رصده لتجربة غاندى، العديد من الأمراض الاجتماعية التى انتشرت فى مصر فى ذلك الوقت، وكذلك الكبت الذى يعانيه المجتمع، يقول: " من منا فى مصر يستطيع أن يقول رأيه دون خوف.. العالم يخاف أن يقال عليه كافر.. ورجل الدين يخاف أن يقول رأيه حتى لا يقال عليه محافظ.. والموظف يخاف أن يقول الحق حتى لا يرفت .."، ويمضى فى رصد حالة المجتمع المصرى كأنه يعيش بيننا الآن: " أمراضنا الاجتماعية لا تعالج.. نقائصنا العلمية لا تحارب .. ونحن بعد ذلك نفقد رجولتنا.. كرامتنا.. حريتنا.. ولا يبقى لنا شيء". ويتتبع المؤلف عبر فصول الكتاب العشرين تجربة غاندى منذ مولده حتى وفاته، مستلهما كل مراحل نضاله، سواء ضد الإنجليز أو ضد أعداء الحق، ليختتم كتابه برسائل غاندى من السجن. يذكر أن فتحى رضوان كاتب وسياسى ومحام مصرى ولد عام 1911، شارك فى النضال الوطنى فى كل مراحله، وتولى وزارة الإرشاد القومى فى إحدى أهم المراحل الثقافية فى مصر عام 1957، ومن أهم كتبه "72 شهرا مع عبدالناصر.. أسرار حكومة يوليو.. الخليج العاشق.. مشهرون ومنسيون".