المضربون يؤكدون تعنت المسؤولين .... والحكومة: "أجيب منين". تاريخ الإضرابات العمالية في مصر طويل وممتد إلى حقب مختلفة، لكننا في وقتنا الحالي، ربما نواجه حالة غير مسبوقة سواء من حيث عددها، أو تعددها واختلافها، فمن إضرابات عمال في المصانع، إلى إضرابات المدرسين والأطباء، وآخرها إضراب سواقين أتوبيسات النقل العام، وكما اعتاد المصريون، تعامل الرسميون في الدولة معها بلامبالاة، لكنهم لم يتمكنوا من الاستمرار على هذا الشكل، فخرجوا عن صمتهم أخيراً وبدأوا يتعاملون بنوع من الجدية، حتى وإن كانت جدية باردة، السؤال الذي تفرق دم إجابته على الطرقات المتقاطعة، هو: هل ستحقق الإضرابات أهدافها الرئيسية، وهي تحسين الوضع المادي للقطاعات المهنية المضربة، وتحسين مستوى الخدمة التي يقدمونها للجمهور من باقي أفراد الشعب، أم أن الدولة فعلاً لا تملك شيئاً كي تمنحه لهم، وأنهم بإضرابهم هذا يتجهون بما تبقى من اقتصاد مصر إلى الهلاك؟ انجي عبد الله، الطبيبة بمستشفي المنصورة العام وعضو مؤسس بائتلاف الأطباء ولجنة التنسيق العليا للإضراب، تؤكد أن اضرابهم يشكل ثورة لتحقيق كرامة الأطباء التي تم امتهانها، ورغبة حقيقية في تحسين أوضاعهم وتوفير حياة كريمة لهم، فلا يوجد أجر عادل للطبيب ولاعلاج حقيقي للمرضي، نفس الشئ تقوله هالة طلعت، العضو باتحاد المعلمين المصريين، فهي ترى أن الوزير الحالي يشوه صورة المعلمين أمام أولياء الأمور، ويضللهم بشأن إضرابات المعلمين، لاعباً بورقة الدروس الخصوصية، في حين أنه بإمكانه حل المشكلة كلها، بإقالة مستشاريه الذي يتقاضى الواحد منهم أكثر من خمسين ألف جنيه شهرياً دون أي خدمة حقيقية يقدمها للعملية التعليمية في مصر، بينما يضطر المعلم إلى التسول عن طريق الدروس الخصوصية حتى يعيش حياة كريمة، ولم تنس هالة، أن تشير إلى أزمة تكدس الطلاب في الفصول، وسوء المناهج التعليمية، وغيرها من القضايا التي يضربون من أجلها. على الجانب الآخر يرى علاء عوض، المستشار الإعلامي لوزارة القوي العاملة، أن حرية الرأي مكفولة للجميع، لكن من المعروف أنه قبل ثورة 25 يناير، كانت حقوق جميع العاملين في الدولة ضائعة بسبب النظام السابق الذي تسبب في العديد من المشكلات الاقتصادية التي نحن بصددها الآن، ويعود ويقول: لكن مصر الآن تمر بمرحلة صعبة للغاية وعلي الجميع أن يعمل من أجل مصلحة هذا الوطن وأن ينحي المصالح الشخصية على المصالح العامة للدولة. لكن هل بإمكان أهل المهن المضربة والعمال على اختلاف فئاتهم، العمل بهذا المبدأ والصبر على الحكومة؟، تقول إنجي عبدالله، أن هناك نقاط غير مفهومة تعمد وزارة الصحة على تجاهل طلباتنا بتوضيحها، منها 3% ميزانية الوزارة الكلية المقررة من وزارة المالية وميزانية القوافل الطبية التي لا نعرف أين ذهبت وفيما تم انفقاقها؟ والمستشارون الذين يتقاضون مبالغ تصل إلى 160 ألف جنيه في حين أن راتب الطبيب لا يتجاوز 300 جنيه، وهيئة الجودة التابعة للوزارة التي لا تفعل شيئا سوى أنها تخدع المواطنين بأن المستشفي قد دخلت الجودة، بينما يكتفون بوضع لوحة رخامية تجذب الجمهور في حين أن المستشفى في الحقيقة متهالكة، إضافة إلى افتقاد التدريب الفني للأطباء، وافتقاد بعض المستشفيات الحكومية للأدوات الأساسية من شاش وقطن فاغلب الأدوية التي تصرف من خارج المستشفي نتيجة عدم توافرها، تكبد المريض تكاليف باهظة. هالة طلعت تقول كلاماً مشابهاً وإن كان من زواية التعليم، فهي ترى أن وزير التربية والتعليم الحالي، يتبع سياسة الإنكار، حيث لا يرى وجود مشاكل حقيقية في العملية التعليمية في مصر، لدرجة أنه لم يعترف صراحة بالكيانات التعليمية المستقلة، من اتحاد معلمين او نقابة المعلمين المستقلة، ووصفها بأنها غير شرعية، رغم أنهما منشأتان بقرار من وزارة القوى العاملة، إضافة إلى إلقائه المسؤولية على المحافظات التي تتبعها المدارس، وتتساءل هالة عن منحة اليونسكو التي تُقدم إلى مصر سنوياً والتي تتجاوز مليارات الجنيهات ويتم إنفاقها على "المحاسيب" على حد قولها، تقول: لو وجهت تلك المنحة في مسارها الصحيح لأصلحت وأقامت العديد من المدارس، ولتم تحسين وضع المعلم ووضع العملية التعليمية نفسها. لكن على الجانب الآخر؛ يؤكد المستشار الإعلامي لوزارة القوى العاملة، أن الاقتصاد المصري مهلهل للغاية، فهناك عجز في الموازنة العامة منذ 30/7/2011 الماضي يقدر بنحو 186 مليار جنيه فمن الذي يتحمل هذا العجز وكيف يتم تعويضه؟ إلهامي الميرغني، مؤسس الحزب الاشتراكي المصري، يؤكد أن الإضرابات والاعتصامات التي يقوم بها العمال سواء الأطباء أو المدرسين أو سائقي القطاع العام، هي حق مشروع لهم، فهم مغلوبون على أمرهم لا يفعلون شيئاً سوى الاعتصام، ويكمل الميرغني؛ أن مشاكل الاحتجاجات تتمثل في عناصر رئيسية وهي الحد الأدني للأجور وتثبيت العمالة المؤقتة وإصلاح المؤسسات العمالية، وبالتالي فالعمال يقومون بالاضراب لزيادة البدلات والحوافز إلى 200%، ويتابع، "الأجور في مصر مختلفة، إما ثابتة بنسبة 20% أومتغيرة بنسبة 30% ، فعلى سبيل المثال الصحفي في مؤسسة كالأهرام مثلا يتقاضي مبلغ 400-500جنيه أما رئيس مجلس الإدارة فيتقاضي راتب 3مليون جنيه شهريا وموظف البنك يتقاضي راتب 2000 جنيه ورئيس مجلس الإدارة يتقاضي مليون ونص جنيه شهريا، وبالتالي لا يوجد حد أدني للأجور في مصر، كما لا يوجد تناسب بين قطاع كبير من العمال وفئة اخرى منهم، فلو قسنا الأجور في دولة كالولايات المتحدةالأمريكية سوف نجد أن الراتب الشهري لأوباما رئيس الجمهورية لا يتعدى 40 ألف دولار شهريا، بينما أي عامل آخر يتقاضي 14 ألف دولار، أي هناك تناسب بين الأجرين، إذا لا يوجد مبرر لعدم إقرار مصر حتى الآن فكرة الحد الأدني والأعلى للأجور. على الجانب الآخر يرى كمال غبريال المفكر الليبرالي، أن الإضرابات موجودة قبل الثورة، وتكاد تمثل الإرهاصات الأولى لها، ولكن في جميع أنحاء العالم يسبق الإضرابات مفاوضات مع الحكومة أو أصحاب الشركات، وبالتالي تكون منظمة ولها نتائج إيجابية، لكن في مصر، لا ينصت المسؤولون لشكاوي العمال، كما أن من يمثلونهم على الأغلب منافقين ويعملون لمصالحهم الشخصية، لكن غبريال يؤكد أن للإضرابات آثاراً سلبية، فهي تشل الحياة العامة في الدولة، وإن كانت مطالب العمال مشروعة، إلا أن الإضرابات يجب أن تكون أكثر عقلانية وتنظيما وليست عشوائية أو فوضوية كما يحدث الآن، ويضيف غبريال أنه يجب وضع جدول زمني لبحث المطالب، فالدولة تتكبد خسائر بالمليارات وليس التركيز على تحقيق المطالب بصورة فورية، كذلك يجب أن تكون المطالب مشروعة دون ان يكون مبالغاً فيها. لكن على الجانب الآخر يؤكد رئيس الحزب الاشتراكي المصري، أنه لا توجد آثاراً سلبية للإضرابات كما يدعي البعض، بل على العكس تماماً، فلها آثاراً إيجابية في إصلاح الشركات والمؤسسات التي نخر الفساد فيها على مدار ثلاثين عاماً، فلو نظرنا الي إضرابات المعلمين و الأطباء وسائقي النقل العام سوف نجد أنها لا تتحدث عن الأجور فقط، ولكن إصلاح تلك المؤسسات، كاصلاح التعليم والصحة و النقل العام و حتى عمال شركات الحديد الذين طالبوا بتحسين أوضاعهم وقامت الحكومة بضخ مبلغ 139مليون جنيه في الشركة، وادعوا أن المشكلة في الحديد دون النظر في حل مشكلة مادة "البيليت" والمواد الخام الأخرى وهذا أبسط حقوقهم. ربما يشير وضع الإضرابات العمالية في مصر إلى دخوله نفق مظلم أو بيت جحا، حيث تتنازع عليه أطراف مختلفة، بين مؤيد لها باعتبارها الطريق الوحيد لإصلاح حال المؤسسات والشركات المصرية والعاملين فيها، ما ينعكس على الوضع الاقتصادي العام في المستقبل بشكل إيجابي، وما بين محبز لمنهجة هذه الإضرابات بوضع جدول زمني على المدى البعيد لتحسين أوضاع المهن والعاملين فيها، وكذلك الدولة التي تؤكد عجزها عن حل أي أزمات حالياً، وتطالب العمال بالتضحية بمصالحهم الشخصية من أجل اقتصاد مصر الذي ترى أنه منهاراً بالفعل ولن يحتما أكثر من ذلك. ليبقى السؤال مطروحاً... إلى أين تذهب الإضرابات بمصر والمصريين؟.