أثار إقرار مشروع قانون الانتخابات النيابية اللبنانية، المعروف بقانون اللقاء الأرثوذكسي جدلا، وأحدث انقساما مابين مؤيد له يرى حتمية تبنيه، ومعارض يرى أنه يقسم لبنان كما لم تقسمه الحرب الأهلية. إذ أقرت اللجان المختصة في البرلمان اللبناني الثلاثاء مشروع القانون الجديد الذي، إذا ما تم تبنيه، ستجرى على أساسه الانتخابات النيابية في يونيو المقبل. يقضي القانون بأن يكون لبنان دائرة انتخابية واحدة، تنتخب كل طائفة فيه ممثليها وتُعتمد على أساسه النسبية في العملية الانتخابية وتوزيع المقاعد النيابية. وصوتت كل الأحزاب والتيارات السياسية مع القانون بعد انسحاب نواب تيار المستقبل الذي يرأسه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، ونواب الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه النائب وليد جنبلاط والنائبين المستقلين روبير غانم وبطرس حرب. وينتظر أن يدعو رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى جلسة للهيئة العامة لمجلس النواب، يتم التصويت خلالها على مشروع القانون ليصبح نافذا إذا نال أكثرية الأصوات. واعتبر الحريري في تصريحات صحفية أن إقرار مشروع اللقاء الأرثوذكسي في اللجان المشتركة "يوم أسود في تاريخ العمل التشريعي". كما وصف رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، يوم إقرار المشروع "بالأنصع بياضا في تاريخ لبنان، معتبرا أنه "يعيد الحقوق لأصحابها من دون المس بحقوق الآخرين". واكد عون أن هذا القانون "لن يسبب أي احتكاك بين المذاهب والطوائف، لأن المنافسة ستكون في نفس الطائفة، ما من شأنه إعادة الثنائية فتستقيم معها الديمقراطية"، متهما من يعارض القانون بأنه "من تعود الاستفادة من حقوق غيره". ويختلف مشروع قانون "الأرثوذكسي" عن نظيره الذي أجريت بموجبه الانتخابات النيابية الماضية في عام 2009 والمعمول به حاليا والمعروف باسم "قانون الستين". القانون الحالي ينص على تقسيم البلاد وفقا للمناطق، على أن تقسّم العاصمة بيروت إلى 3 دوائر ما يجعل عدد الدوائر بشكل عام 24 دائرة انتخابية. غير أن قانون "اللقاء الأرثوذكسي" ينص على أن يكون لبنان دائرة واحدة تتنافس فيها قوائم انتخابية طائفية، أي كل طائفة يكون لها قوائم انتخابية خاصة بها تتنافس فيها فيما بينها، فتفوز كل قائمة بعدد مقاعد يوازي نسبة الأصوات التي حصلت عليها. وقد رفض نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري مشروع القانون معتبرا أنه مخالف ل"دستور القيم الأرثوذكسية" وقال "سموا هذا القانون ما شئتم ولكن ليس القانون الأرثوذكسي". وأضاف "سموه القانون الطائفي والمذهبي. سموه قانون المتاريس. سموه قانون المزايدات. سموه قانون الفتنة. سموه قانون تصفية الحسابات بين بعض المسيحيين، ولكن لا تحسبوه على كل المسيحيين". أما النائب نديم الجميل، ابن زعيم حزب الكتائب الراحل بشير الجميل أحد أشهر قادة الحرب الأهلية اللبنانية، فقد اعتبر أنّ “لهذا القانون أخطارا عدة" وأن اعتماده سيفجر البلاد" وسيشرذم المسيحيين وسيأتي بأكثرية نيابية تابعة لحزب الله. وقال "إن اعتمدناه نكون بذلك أعطينا حزب الله قوة برلمانية بالإضافة إلى ما يملكه بسلاحه غير الشرعي، وبالتالي نكون مهدنا الطريق له للوصول الى الحكم والسيطرة على لبنان وتغيير وجهه الحضاري". أما وزير المالية، النائب محمد الصفدي، فقال في بيان أصدره الأربعاء أن "لا شك في أن القوانين الانتخابية التي طبّقت منذ العام 1992 وما نتج عنها من سياسات، أجحفت بحق المسيحيين، ولكنها في الحقيقة كانت مجحفة بحق كل لبنان، لأنها كرّست الهيمنة الطائفية على حياتنا السياسية والعامة، وأوجدت تباعداً بين اللبنانيين، وولّدت لدى قسم كبير منهم شعوراً بالإحباط، وشجعّت على الفساد وأضعفت الأمل بقيام دولة مدنية يتساوى فيها المواطنون من دون تمييز". واعتبر "أنها مسؤولية مشتركة بين جميع اللبنانيين، لكنها بالدرجة الأولى مسؤولية قيادات المسلمين، إذ يجدر بنا أن نسأل أنفسنا عمّا دفع بالمسيحيين إلى الإحباط والتراجع والتقوقع، بينما يفترض بهم أن يكونوا السباقين إلى إلغاء الطائفية وبناء الدولة المدنية. ولكن معالجة الخطأ لا تكون بارتكاب الخطيئة، فالحل هو بالانفتاح وبتطوير النظام وبالتحرّر من الطائفية، وليس بمزيد من الغرق فيها". وأضاف أن "استجلاب أزمات المنطقة إلى داخل الوطن، لا تأتي علينا إلا بالخراب". وبعيدا عن السياسيين، انقسم الشارع اللبناني أيضا، وقالت سلوى بسول "هذا القانون يقسم لبنان ويكرس الطائفية في 20 ثانية كما لم تقسمها الحرب الأهلية في 20 سنة". "المشكلة أننا المسيحيين، نرى ما يحدث في دول الربيع العربي من استهداف للمسيحيين، ونخشى أن يحدث نفس الشيء في لبنان. فالزعماء يستغلون هذا الخوف ليروجوا لمثل هذا القانون لأنه في رأيهم، يحمي وجودهم النيابي، ولكنه قمة قصر النظر فهو يجذر الطائفية إلى أبعد مدى"، حسب بسول. أما إيلي بطرس فيرى أن "القانون ضروري لحماية المسيحيين لأننا في أوقات استثنائية تستدعي اجراءات استثنائية". ويرى حمود الداعوق في هذا القانون "مناورة من حزب الله الذي يريد بذلك تفتيت فريق 14 أذار بسحب حلفاءه المسيحيين منه فيضعفه". وينص مشروع القانون الجديد أيضا على أن يصبح عدد نواب البرلمان اللبناني الجديد 134 أي بزيادة نائبين للأقليات المسيحية، ونائب كاثوليكي، ونائب درزي، ونائب شيعي ونائب سني، بعد أن كان يضم 128 عضوا. ووفق التوزيع الطائفي السياسي المعتمد منذ عام 1989، فإن مقاعد البرلمان اللبناني ال128 موزّعة مناصفة بين المسلمين والمسيحيّين وفق الحسابات التالية: 28 للسنّة، 28 للشيعة، 34 للموارنة، 14 للأرثوذكس، 8 للدروز، 8 للكاثوليك، 5 للأرمن، 2 للعلويّين، مقعد واحد للأقلّيّات.