من يبدأ يومه من دون تخطيط فهو يخطط لفشله، فكم من يوم اكتشفنا فى نهايته أننا لم ننجز شيئاً يذكر، ليس لسبب سوى أننا لم نحسن ترتيب أولوياتنا، إذ شرعنا بتصريف العاجل من الأمور على حساب أعمال مهمة كان يمكن أن تساهم فعلياً فى تقدمنا نحو تحقيق أهدافنا الوظيفية والخاصة، ولأن الموظفين بشر يتحاشون مواجهة توبيخ مديرهم أو انتقاداته اللاذعة بسبب تقصيرهم بالعمل، فإنهم مدعوون إلى التخطيط الصباحى والتأمل بهدوء لمدة لا تتجاوز 15 دقيقة. ولكى لا يهدر الموظف وقته بالتخطيط المسهب والنظري، فإن الالتزام بما لا يتجاوز ربع ساعة يومياً يعد وقتاً كافياً، إذا اتبع الفرد منهجية محددة، سنتطرق إليها لاحقا، بحيث تحتوى على أنشطة اليوم على أعمال تقربنا نحو بلوغ أهدافنا الوظيفية والأسرية والشخصية المتعلقة بالترفيه عن النفس وشحذ الهمم، سواء بتطوير الذات: كالقراءة وحضور المجالس واللقاءات المفيدة أو بممارسة رياضة أو هواية تدخل السرور على قلب الموظف وتمده بما يحتاج من الطاقة اللازمة لأداء متفانٍ طوال الأسبوع. لا تستهن بالتخطيط بعض الموظفين يستهينون بمدة 15 دقيقة، اعتقاداً منهم أنهم كلما قضوا أوقاتاً أطول فى العمل، فإنهم يتقدمون فى مسار حياتهم، فلا داعى للتخطيط، حسب رأيهم، غير أنهم ينسون أنهم يمارسون دورا واحدا فقط (أو هدفا واحدا) على حساب أدوار وأهداف حياتية أخرى مهمة، كعلاقتهم مع أنفسهم ومع أسرهم ووالديهم وأصدقائهم، وليس الموظف الناجح هو المتفوق فى شركته أو وزارته وفاشل فى حياته الاجتماعية والأسرية وعلاقته مع خالقه. وقبل جلسة التخطيط الصباحية لابد أن يحدد الفرد ما هى أهداف حياته التى يجب أن تكون واضحة وقابلة للقياس ومحددة بمدة زمنية معينة، فلا يصح أن «يتمنى» المرء أن يصبح «أحسن» موظف فى بلده من دون أن يحدد ماهية هذا التميز بأهداف واضحة لا لبس فيها. جدول أعمال بعد ذلك فإن أفضل طريقة لكتابة جدول أعمال اليوم، فى أقل من ربع ساعة، تكون باتباع مصفوفة ترتيب الأولويات التى قدمها أحد رواد علم الإدارة الذى درس سلوك الناجحين البارزين فى العالم لمدة 25 عاماً، وجاء بسبع عادات للناجحين وهو الدكتور ستيفن كوفى، الذى يزور دولة الكويت هذا الأسبوع لتقديم محاضرة جماهيرية، وهذه المصفوفة تمثل خطة عملية للعادة الثالثة للناجحين وهى «ترتيب الأولويات» ولاقت مثل غيرها من العادات السبع رواجا منقطع النظير فى أدبيات الادارة لأهميتها من جهة، ولأنها عملية وفى غاية البساطة من جهة أخرى، وعلى المستوى الشخصى فان هذه المصفوفة (المرفقة مع الموضوع) غيرت الكثير، لأنها بمنزلة البوصلة التى ترشدنا الى أفضل طريقة لترتيب أولوياتنا على نحو لا يخلّ بأدوارنا الحياتية المتعددة. المطلوب رسم إشارة الجمع (زائد) على ورقة مربعة أصغر من حجم كف اليد بقليل، بحيث ينتج عنها أربعة مربعات متساوية، يحمل المربع الأيمن العلوى الرقم 1، والمربع الأيسر العلوى الرقم 2، والرقم 3 فى المربع الأيمن السفلى، والمربع الأيسر السلفى رقم 4 كما هو موضح بالرسم. 4 مربعات المربع «1»: طبيعة هذه الأنشطة أنها لتصريف العاجل من الأمور التى لا تحتمل التأجيل، ولكنها ليست دائماً ذات أهمية تذكر على المدى الطويل فى مسيرة حياتنا نحو تحقيق أهدافنا، ومن أمثلتها: دفع قيمة فاتورة حان اليوم آخر موعد لسدادها أو تسليم تقرير طارئ أو الحاجة للتسوق فى آخر يوم من التنزيلات وما شابهها. والملاحظ أن معظم الناس يقضون أوقاتهم فى هذا المربع. وبرغم أهمية أنشطة هذا المربع غير أن المواظبة على هذه الأنشطة لا يحدث تغيرا جذريا فى حياتنا وخاصة تحقيق أهدافنا على المدى الطويل. المربع «2» (المربع الذهبى): أنشطة هذا المربع هى الأهم على الاطلاق، لأنها تضم أعمالنا «المهمة» بالنسبة الينا، ولكنها «غير عاجلة»، وهى أعمال تؤدى المواظبة عليها إلى «تطوير قدراتنا على المدى الطويل» وتحقيق أهدافنا بطريقة سليمة، كالقراءة والرياضة والعبادة وبناء العلاقات والتخطيط الطويل المدى، سواء كان وظيفياً أوعائلياً أو مالياً وغيرها، بعبارة أخرى الأعمال التى توضع فى هذه الخانة هى التى إن واظبنا عليها سوف نلمس منها تغيرا ايجابيا ملحوظا فى حياتنا على المدى الطويل. على سبيل المثال: اذا كان هدف الفرد أن يصبح مديرًا بارزًا فى شركته أو وزارته فلابد أن يستغرق وقتًا أكثر فى أعمال تنمى هذا الطموح أو الهدف مثل حضور الدورات التدريبية الجيدة، وحضور المؤتمرات، وقضاء وقت كاف فى ممارسة القدرات الادارية بالاحتكاك بالموظفين لصقل مواهبه، وبناء العلاقات الاجتماعية المهمة، وهى أعمال «مهمة» جدا ولكنها ليست «عاجلة» بطبيعة الحال. اذ ان هذه الأعمال يمكن تأجيلها الى أوقات أخرى، ولكنها تبقى أعمالا ذات أهمية كبرى وتؤثر على حياتنا. ان أكثر ما يشغلنا عن قضاء وقت أطول فى انجاز أعمال المربع «2» هو انشغالنا بما هو «عاجل» عما هو «مهم» جدا على المدى الطويل بحيث يساهم فى تغيير مجرى حياتنا. المربع «3»: فى هذا المربع توضع الأنشطة «غير المهمة» التى تميل إلى أن تكون «عاجلة». مثال ذلك الرد على بعض الاتصالات الهاتفية، أو الرسائل البريدية، أو حضور بعض الاجتماعات، وما شابهها. المربع 4: أما كل عمل ليس مهماً ولكنه عاجل فانه يقع فى خانة المربع «4»، مثل الأنشطة الترفيهية كالتسوق أو مشاهدة التلفاز أو تصفح الإنترنت، أو إجراء اتصالات هاتفية للسؤال عن أصدقاء وهكذا. إعداد هذه المصفوفة المبسطة هو أهم 15 عشر دقيقة يمكن أن يستثمرها الموظفون فى حياتهم يوميا، لأن مردودها المادى والمعنوى كبير على مسيرة حياتهم حتى لا يتخبطوا فى أعمالهم اليومية مقدمين أعمالا أقل أهمية على أعمال أكثر أهمية. كما أنها تشعر الموظف بالرضا الداخلى لأنه ينجز ما يستحق الانجاز ويؤجل ما يستحق ذلك من دون الشعور بوخز الضمير. ولذا فانه من الأهمية بمكان أن يضع الموظف نصب عينه دوما الأعمال التى تقع فى الخانة رقم 2 لأنها كما قلنا أعمال «مهمة ولكنها غير عاجلة» وهى بطبيعة الحال صفات الأعمال التى ان واظبنا عليها، فانها تغير فعليا مجرى حياتنا.