وقعت كارثة قطارى البدرشين، بعدما انفصلت إحدى عربات قطار حربى قادما من الصعيد متجها إلى القاهرة لنقل قرابة 2800 شاب على قوة التنجيد إلى محطة رمسيس، حيث سيتم ترحيلهم عقب ذلك إلى قطاع مبارك بالقاهرة. حيث تحرك القطار الحربى من سوهاج، فى الرابعة مساءً، وتوقف فى أسيوط حيث استقله عدد من الشباب المقيمين بأسيوط والوادى الجديد، ولم يتوقف بعد ذلك إلا فى المنيا حيث كانت عقارب الساعة تشير إلى السابعة مساءً، بسبب عطل مفاجئ بالقطار، وسادت حالة من القلق بين الركاب حيث طالبوا باستبداله بقطار آخر إلا أن المسئولين رفضوا الانصياع لمطالب المجندين، واندلعت العديد من المشادات الكلامية بعدما هدد عدد من المجندين بعدم استقلال القطار، واستكمال الرحلة بسبب العطل. وقد سيطر المسئولون على الموقف، واستكمل القطار رحلته بعد 15 دقيقة من توقفه، متوجها إلى القاهرة، وبعد انطلاقه من محطة المنيا اندلعت مشادات كلامية أخرى بين الركاب والباعة الجائلين، الذين انتشروا داخل عربات القطار بكثرة، كما دارت العديد من المشادات الكلامية بين المجندين والمسئولين، الذين انهالوا بالسب على المجندين وكادت أن تقع اشتباكات، وقتها كان القطار قد اقترب من محطة بنى سويف ولم يتبق إلا وقت قليل للوصول إلى القاهرة. بوصول القطار إلى محطة العياط، كانت عقارب الساعة قد تخطت العاشرة مساء واجتاز محطة البدرشين، وكان المجندون منشغلين بالحديث فيما بينهم داخل عربات القطار، حتى شعر الجميع بهزة قوية فى مؤخرة القطار، وارتفع صراخ المجندين حتى خيم على منطقة جنوبالجيزة، وهنا صعدت أرواح المجندين إلى بارئها، معلنة إهمال المسئولين الجسيم. وخرج أهالى المنطقة على أصوات الاستغاثات، واكتشفوا أن العربة الأخيرة من القطار الحربى الذى كان قادما من الصعيد، متجها نحو القاهرة، انفصلت بسبب السرعة الزائدة للقطار، وخرجت من القضبان واصطدمت فى جرار قطار البضائع، الذى كان متوقفا بالقرب من كوبرى أبو الربع بالبدرشين. واستكمالا لمسلسل الإهمال، وصلت سيارات الإسعاف متأخرة، بعد قرابة نصف ساعة من وقوع الحادث، وتسبب الظلام الدامس فى تعطيل رجال الاسعاف لإنجاز مهمتهم، حيث استعانوا بالأهالى الذين يسكنون فى محيط مكان الحادث، الذين أمدوهم ب”اللمبات” لمساعدتهم فى انتشال جثث المتوفين وإنقاذ الضحايا، كما تسبب تأخر وصول قوات الحماية المدنية فى ارتفاع عدد المتوفين. وقامت قوات الحماية المدنية، بمساعدة الأهالى في انتشال جثث الضحايا، واستخرجوا المصابين، ودفع الأهالى بعدد من السيارات الخاصة لمساعدة الإسعاف فى سرعة نقل المصابين لإسعافهم فى المستشفيات القريبة من مكان الحادث، واستمرت عمليات استخراج المصابين من أسفل عجلات القطار أكثر من ساعة، حيث كان ينطق البعض بالشهادتين ويتمتم آخرون بآيات من الذكر الحكيم. وانتقل إلى مكان الحادث الدكتور هشام قنديل، رئيس مجلس الوزراء، والدكتور حاتم عبد اللطيف، وزير النقل، واللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، ومحافظ الجيزة، ومساعد وزيرى النقل والداخلية، ولم يستمروا فى مكان الحادث سوى دقائق معدودات، حيث استقبلهم الأهالى بقولهم “ارحل..ارحل”. ونظم عدد من الأهالى وقفات احتجاجية فى مكان الحادث، ورددوا العديد من الهتافات منها “الشعب يريد إسقاط النظام” و”يسقط يسقط حكم المرشد”، وفرشوا أمتعتهم على شريط السكة الحديد وأكدوا أنهم معتصمون لحين الاستجابة لمطالبة وإقامة فرقة إنقاذ بهذه المنطقة التى يقع عليها حوادث قطارات متكررة بين الحين والآخر، وهددوا باقتحام مبنى محافظة الجيزة فى حالة عدم الاستجابة لمطالبهم، وطالبوا بضرورة رحيل وزير النقل ورئيس هيئة السكة الحديد، ومحاسبة المسئولين. كما تجمهر العشرات من المجندين الناجين من الحادث بالمكان ورددوا هتافات “هنجيب حقهم يانموت زيهم” وارتفعت أصواتهم بالصراخ وتعالت الصيحات مستنكرين ما حدث لهم وإهمال المسئولين الذى قصف أعمار زملائهم، حيث أنهم أتوا من مكان واحد يربطهم شىء واحد وحلم واحد إلا أن الموت عصف بجميع الأحلام واغتال الأمانى، وانسابت الدموع واندلعت العديد من المشادات الكلامية بين المجندين ورجال الشرطة الذين حاولوا السيطرة عليهم. وانتقل فريق من النيابة العامة، إلى مكان الحادث، برئاسة المستشار محمد شقير، رئيس نيابة البدرشين، وتمت معاينة الحادث، واستمعوا إلى أقوال الناجين والمصابين وشهود العيان. واستمرت قوات الحماية المدينة، فى رفع آثار الحادث قرابة 4 ساعات متواصلة، وتم استدعاء عدد كبير من الأتوبيسات من محافظة القاهرة لنقل المجندين الناجين من مكان الحادث إلى قطاع مبارك التدريب، إلا أن عددا كبيرا منهم رفضوا مغادرة المكان حتى الاطمئنان على زملائهم ومحاسبة المسئولين المقصرين فى الحادث، فيما استقل عدد كبير من المجندين الأتوبيسات لمغادرة المكان واندلعت مشادات كلامية بين الطرفين، وأصيب بعض المجندين بحالات من الإغماء، بعدما دخلوا فى نوبات بكاء لمدة طويلة حزنا على الزملاء والأصدقاء الذين فقدوهم فى هذا الحادث الأليم. وبعيدا عن الدماء التى كانت تسيل على شريط السكة الحديد فى مكان الإحداث، انهمرت دموع المصابين الذين تم نقلهم لمستشفيات الحوامدية والبدرشين والهرم وبولاق؛ حزنا على زملائهم، يتذكرون اللحظات الأخيرة فتنطلق الدموع، يتذكرون أن الموت داهم زملاءهم ولم يكملوا وجبة العشاء، واستبدلوا غناء “بحبك يا بلادى” بدموع وصراخ، ولسان حالهم يردد “حسبنا الله ونعم الوكيل”.