لثالث مرة، قال الرئيس السابق حسني مبارك للقاضي أحمد رفعت: أفندم، ثم صمت، بينما الضجيج يحيط به من كل الجهات، في جلسة وصفها المتابعون بالأكثر أهمية منذ بدء المحاكمة الأهم في تاريخ مصر. وبينما انشغل مبارك، الذي وصل كالعادة، على سرير طبي إلى قفص الاتهام بالنظر يمينا ويسارا مع وجود ولديه بالقرب منه، تسبب صورة له رفعها أحد مؤيديه في الأزمة الأولى داخل قاعة المحكمة، حيث احتج المدعون بالحق المدني على ذلك، وقام أحدهم بالرد على ذلك، بأن حرق صورة مماثلة للرئيس السابق. وخارج القاعة، اشتبك مؤيدو الرئيس السابق وأهالي الشهداء غير مرة، وتعاملت الشرطة – على ما تابعت "المشهد"- بقسوة مع أهالي الشهداء، ما ادى إلي اصابة نحو 20 منهم، في حين اعتقل حوالي 20 أخرين بداعي الاعتداء على رجال الشرطة. وقبيل مغرب اليوم، انصرف أنصار مبارك وأهالي الشهداء، فيما بقيت أعداد محدودة من قوات الأمن في محيط أكاديمية الشرطة، حيث تجري المحاكمة، وسط معلومات بأن تستمر الجلسة حتى وقت متأخر. بخلاف ذلك، لم يكن لمبارك أثر طوال الجلسة، حيث استمعت المحكمة الى أول شاهد اثبات وهو اللواء حسين موسى رئيس ادارة الاتصالات بوزارة الداخلية، وذلك بعد أن استمعت لطلبات الدفاع الجديدة، ومن بينها الحصول على مستندات تخصيص الأراضي في شرم الشيخ خلال السنوات العشر الماضية لغير رجل الأعمال المتهم في القضية ذاتها حسين سالم وشركاته. كما طلب الدفاع عن وزير الداخلية السابق حبيب العادلي ومعاونيه بمخاطبة جهاز المخابرات العامة حول المراسلات والمخاطبات التي أرسلت من جانبه إلى جهاز مباحث أمن الدولة (المنحل)، والتي حوت تنبيها صريحا لاتخاذ الحيطة والحذر في ضوء المعلومات التي أشارت إلى دخول 5 من عناصر كتائب عز الدين القسام التابعة لحركة حماس الفلسطينية إلى داخل الأراضي المصرية. وطلب الدفاع عن المتهمين الاستعلام من وزارة الداخلية حول البنادق المحرزة في القضية لمعرفة مستخدمي تلك الأسلحة من الضباط.. والاستعلام من وزارة الداخلية والنيابة العامة عن المحاضر التي حررت في الفترة من 25 إلى 30 يناير من جانب السفارة الامريكيةبالقاهرة حول سرقة سيارات تابعة لها، وما توصلت إليه من تحريات، بالإضافة للاستعلام من المدعي العام العسكري حول القضايا التي اتهم فيها مصريون وأجانب بالتخابر لصالح لدول أجنبية. وأكد دفاع المتهمين ضرورة استكمال الإطلاع على ملفات القضية والحصول على نسخ من الاسطوانات المدمجة (سي دي) التي لم يتم الاطلاع عليها بالرغم من كونها ضمن الأحراز، علاوة على سماع شهادة شهود الإثبات ومناقشتهم وكذلك بالنسبة لشهود الواقعة ومشاهدة شرائط الفيديو وسماع شهادة العميد أشرف حلمي مأمور قسم بولاق الذي لم يدرج اسمه بقائمة الشهود. وفور انتهاء المحكمة من سماع كافة طلبات المحامين سواء من هيئة الدفاع عن المتهمين أو المدعين بالحقوق المدنية، قامت برفع الجلسة للتشاور فيما بين أعضائها واتخاذ القرار.. ولم تكد تمر بضع دقائق حتى اشتعل الموقف بين مؤيدي الرئيس السابق وبين معارضيه داخل قاعة المحكمة، ودارت اشتباكات بين الفريقين، على اثر رفع أحد مؤيدي مبارك لصورة له والهتاف لصالحه. وبدا أن الهتاف الذي ردده عشرات من أنصار الرئيس السابق قد اثار حفيظة المحامين المدعين بالحقوق المدنية وأسر الشهداء والمصابين في أحداث الثورة، على نحو دفعهم للاشتباك معهم، حيث تطور الأمر من مجرد المناوشات اللفظية بين الجانبين إلى معارك عنيفة للغاية تبادل فيها الطرفان الاشتباك بالأيدي والتعدي على بعضهم البعض. كما تبادل الطرفان الشتائم والسباب والاتهامات بالعمالة لجهات أجنبية والخيانة والسرقة واللصوصية أثناء تلك الاشتباكات.. قبل أن تتحرك قوات الأمن بصورة عاجلة للفصل بين الجانبين ومحاولة تهدئة الأجواء بينهما، وشوهدت تعزيزات أمنية كبيرة من أفراد الأمن أمام وخلف الحاجز الحديدي الفاصل بين مقاعد الجمهور بقاعة المحكمة وبين قفص الاتهام، للحيلولة دون حدوث تسلق للحاجز والنفاذ منه إلى قفص الاتهام الذي يودع فيه مبارك ونجلاه والعادلي وبقية المتهمين. واحتشدت قوات الأمن المرتدية للزي المدني خلف الحاجز الحديدي حيث كونوا سياجا بشريا قرب قفص الاتهام. وردد الحاضرون من أسر شهداء الثورة والمصابين فيها تؤازرهم مجموعات من المحامين المدعين بالحقوق المدنية، لشعارات تطالب بإعدام مبارك ونجليه والعادلي والقصاص منهم.. فيما أخرج أحد الحاضرين بقاعة المحكمة صورة لمبارك وقام بإحراقها وسط تهليل وفرح من المتجمعين حوله. وفور هدوء الوضع بقاعة المحكمة.. ودخول المتهمين قفص الاتهام وفي مقدمتهم مبارك وعلاء وجمال والعادلي وقيادات الداخلية السابقين إيذانا بعود الجلسة للانعقاد. عادت الأجواء لتشتعل حيث هتف المحامون المدعون بالحقوق المدنية يساندهم الحاضرون من أسر المجني عليهم في أحداث الثورة ضد مبارك، مرددين هتافات من نوعية "الشعب يريد إعدام المخلوع".. "يا مبارك يا مبارك..الإعدام في انتظارك" ووقف العديدون منهم على مقاعد مدرجات قاعة المحكمة ينظرون نحو قفص الاتهام وهم يشيرون بعلامة الذبح على الرقبة. وخارج مبنى أكاديمية الشرطة، شهدت الساحة - كما جرت العادة في كافة جلسات القضية - مشادات عنيفة بين أهالي وأسر الشهداء والمصابين من جهة، وأنصار مبارك من جهة أخرى عدة مرات.. وتدخلت قوات الأمن المركزي لفض الاشتباكات التي أسفرت عن إصابة العشرات عند محاولة الأهالي اقتحام بوابة الأكاديمية ودخول المحاكمة بالقوة، فتصدت لهم قوات الامن ومنعتهم من الدخول. ورشق الأهالي رجال الأمن بالحجارة الأمر الذي أدى إلى وقوع إصابات بين الضباط والمجندين، كما أصيب عدد من المتظاهرين، وعلى الفور حضرت سيارات الإسعاف وقامت بنقل المصابين إلى المستشفيات القريبة. وكانت تجمعات كبيرة من أهالي وأسر الشهداء والمصابين قد حضرت إلى مقر أكاديمية الشرطة اعتبارا من الساعة السادسة صباحا وحملوا صور ذويهم ورددوا العديد من الهتافات التي تطالب بإعدام مبارك من بينهم (الشعب يريد إعدام السفاح) (القصاص القصاص.. ضربوا ولادنا بالرصاص) (لنجيب حقهم.. لنموت زيهم ).. كما حمل العشرات من أسر الشهداء صور أبنائهم الذين استشهدوا خلال أحداث الثورة. وعلى الجانب الآخر، حضر العشرات من مؤيدي الرئيس السابق حسني مبارك والذين قاموا بحمل صوره ورددوا الهتافات المؤيدة له منها "يا مبارك إحنا معاك مش هنسيبك".. ثم تطور الأمر إلى مشادات بين أنصار مبارك وبعضهم البعض غادرت على اثرها أعداد كبيرة من مؤيدي وأنصار الرئيس السابق من أمام أكاديمية الشرطة بالتجمع الخامس ولم يتبق سوى عدد قليل جدا. وكانت مديرية أمن القاهرة قد دفعت بقرابة 3 آلاف من أفراد الأمن المركزي لتأمين المحاكمة، وقام حوالي ألف مجند منهم بعمل سياج بشري بين أهالي واسر الشهداء وبين أنصار مبارك غير أن ذلك لم يحل دون تجدد الاشتباكات لاحقا. من جهة ثانية، استمعت المحكمة شاهد الإثبات الأول اللواء حسين موسى - مدير الاتصالات السابق بوزارة الداخلية، حيث قال إن التعليمات في يوم 25 يناير قضت بتفريق المتظاهرين باستخدام المياه والغازات المسيلة للدموع، موضحًا أن اجتماعًا تم بين القيادات الأمنية في يوم 27 يناير لبحث كيفية التعامل مع تواصل المظاهر وكشف موسى أن قائد الأمن المركزي السابق والمتهم في القضية اللواء أحمد رمزي هو الذي أعطى أوامر استخدام السلاح الحي في مواجهة المتظاهرين، مشيرًا إلى أن سيارات إسعاف استخدمت في نقل الأسلحة للقوات بعدما علمت الداخلية أن المواطنين يهاجمون سيارات الشرطة.
وتضع شهادة موسى حلاً للغز عدم قيام سيارات الإسعاف بنقل المصابين للمستشفيات، وكذلك استخدامها في اعتقال الثوار. وسألت المحكمة الشاهد عن معرفته بصدور قرار من وزير الداخلية حبيب العادلي بشأن إطلاق الرصاص، فرد بالنفي، ثم تدخلت النيابة وسألته ذات السؤال ليتدخل القاضي قائلاً: هذا السؤال مكرر. واتهمت النيابة الشاهد بتغيير أقواله، لأن ذكر قبل ذلك أن المتهم" احمد رمزي" أعطى أوامر باستخدام العصي ضد المتظاهرين ما يدل على أن درجة الاعتماد على الشهود في هذه القضية لإثبات الاتهامات ستقل مع الوقت. والجدير بالذكر أن شاهد الإثبات الأول صادر ضده حكم جنائي بالحبس سنتين بتهمة إتلاف اسطوانة خاصة بالقضية. ورفعت الجلسة لاستراحة قصيرة واستأنف بعد نص ساعة وسمح المستشار أحمد رفعت للمدعين يالحق المدني بسؤال شاهد الإثبات وقد حدثت حالة من الهرج سادت قاعة المحكمة ورفع القاضي الجلسة مجددا بعد دقائق من أستأنفها ردا علي حالة الفوضى. واستؤنفت الجلسة للمرة الثالثة مع السماح لسؤال شاهد الإثبات من المدعين بالحق المدني حيث أقرر" الشاهد" أن السيارات المدرعة استخدمت لتفريق المتظاهرين وأن التعليمات التي أتت من اللواء محمد عبد الرحمن هي "أضربوا العيال دول وميهمكش حاجه". وأن كان لديهم تعليمات بالتعامل مع المتظاهرين باستخدام المعدات والأسلحة المتاحة مثل العصا والدرع والغاز والخرطوش وأشار إلى أن الأسلحة التي استخدمت جاءت من معسكر أمن الدراسة.