في المرة السابقة تطرقنا للتخبط الإداري والمالي الذي تعيشه تونس، وهي أحد بلدان ما يسمى "الربيع العربي"، وفي هذه المرة دعونا نتطرق لدولة أخرى تعيش في حالة من التخبط السياسي والاقتصادي ويحكمها رئيس من حزب الحرية والعدالة، وهو الواجهة الرسمية لتنظيم "الإخوان المسلمين". ولن نتناول هنا الجوانب السياسية التي كان آخرها إقالة النائب العام من قبل الرئيس، ومن ثم إعادته بعد أن اتخذ النائب موقفاً شجاعاً عبر عن قوة النظام القضائي المصري وكشف عن كذب الادعاء بأن إقالته تمت بناء على طلبه. وعلى نمط المراوغة السياسية، هناك مراوغات اقتصادية ستكون لها تداعيات خطيرة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مصر، فالرئيس محمد مرسي قال في البداية إنه رفض قرض صندوق النقد الدولي لأنه يأتي ضمن الربا المحرّم، إلا أنه عاد وذكر، بأن مصر ستقبل باتفاقية القرض لأن الصندوق وافق على اتباع نظام التمويل الإسلامي؟! ربما يصدق المواطن الساذج مثل هذا الادعاء، إلا أن العاملين في الحقل المالي والمصرفي سيضحكون ملء أشداقهم لهذه المراوغة غير المحسوبة. وللعلم، فإن مصر تجري مفاوضات للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 4,8 مليار دولار أميركي، هي في أمسِّ الحاجة إليها، إلا أن النظام الإخواني الجديد يقف أمام قضايا شائكة ومحرجة يسعى للحصول على مخارج لها لتمرير اتفاقية القرض. أولى هذه القضايا تكمن في الشعارات الرنانة التي رفعها حزب "الإخوان" عندما كان في المعارضة والقائلة بتحريم قروض الصندوق لتعاملها بالربا. أما القضية الأخرى، فتتعلق بشرط الصندوق الخاص بإلغاء الدعم المقدم للمحروقات والمقدر بأربعين مليار جنيه مصري أو 6,5 مليار دولار في ميزانية العام الجاري 2012. وفيما يخص العقبة الأولى، فإن صندوق النقد الدولي لا يتعامل بنظام التمويل الإسلامي، علماً بأن الربا هو علاقة استغلال حاجة لمالك المال لشخص محتاج، وهي تحمل طابعاً إنسانياً، إلا أن العلاقة بين صندوق النقد والبلدان الأعضاء فيه تحمل طابعاً عصرياً قائماً على أسس مالية ونقدية لا تخص الأفراد، وإنما تنظم العلاقة بين الأطراف المكونة للنظام الاقتصادي العالمي، مما يعني أن مزج هذا بذاك يعني استغلال الوعي المتواضع للناس والتحريض في حالة التواجد خارج مؤسسة الحكم والخداع عندما أصبح حزب "الإخوان" ممسكاً بتقاليد الحكم. والدليل على مسألة المراوغة والخداع، هو أن رئيس الوزراء المصري هشام قنديل قد بدأ الحديث عن مسألة إلغاء الدعم على المحروقات، وذلك لتنفيذ شرط الصندوق للحصول على القرض المطلوب حيث يدرك رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه مدى حاجة مصر إليه لضرورة التغلب على المصاعب الاقتصادية ومحاولة تعزيز معدلات النمو. والحقيقة أن مسألة إلغاء الدعم التي يتبناها نظام "الإخوان"، هي مسألة حساسه لم يتجرأ نظام حسني مبارك على الاقتراب منها، إذ إن السواد الأعظم من شعب مصر يعتمد على هذا الدعم لتأتي مسألة إلغائه لتلغي بدورها أحد أهم مطالب ربيعهم، إذ إنه سيؤدي إلى مزيد من التدهور في حياة الناس المعيشية، ويضاف إليها ارتفاع معدلات البطالة في ظل النظام الجديد التي ارتفعت إلى 12 في المئة في الربع الثاني من العام الجاري 2012 وفق الإحصائيات الرسمية. وبالنتيجة، فإن الأغلبية التي منحت أصواتها للأحزاب الإسلام-سياسية في الانتخابات عليها أن تتحمل مسؤوليتها إلى جانبهم، بغض النظر عن كونها انخدعت أو لم تستوعب سرعة تطور الأحداث وتلاحقها، علماً بأن المكابرة والانفصال عن النظام المالي العالمي يعني الانعزال والمزيد من المعاناة للناس، حيث تعتبر إيران المثل الأقرب والأكثر مأساوية بسبب انهيار عملتها، إذ يبدو أن الأنظمة الإخوانية الجديدة في بلدان الربيع الأصفر تسير على نفس الخط من الناحية الاقتصادية، إذ إن ما تجيده هذه الأحزاب بصورة ملفتة هو زعزعة الاستقرار بالتحريض والتجييش وليس التنمية من خلال الرؤى والبرامج الاقتصادية، إلا أن مثل هذه الإجادة لا تطعم الناس خبزاً.