لم يتوقف الجدل بعد حول حصول مصر على قرض من صندوق النقد بقيمة 4.8 مليار دولار، ففيما دافعت جماعة "الإخوان المسلمين" عن سعى الحكومة للاقتراض الخارجى من صندوق النقد، خاصة بعد إعلان الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء عن أن القرض "ميسر جدا" وأفضل من القرض الداخلى، وأنه بدون شروط مجحفة لمصر، أعربت قيادات بحزب "النور" السلفى عن رفضها الاقتراض بفائدة. وأعلن حزب "الحرية والعدالة" فى بيان أن "مصر قد ورثت إرثا ثقيلاً من التحديات الاقتصادية يتمثل فى عجز الموازنة الذى وصل إلى 170 مليار جنيه بنهاية 30 يونيو عام 2012، وعجز فى ميزان المعاملات الجارية، وانتشار الفساد فى مؤسسات الدولة وتهالك مرافق خدمات المواطنين، كما يتوقع أن يصل عجز الموازنة فى هذا العام إلى نحو 135 مليار جنيه (23 مليار دولار) وأن يصل الدين العام إلى 1.4 تريليون جنيه مصرى وهو ما يكلف الموازنة العامة أكثر من 130 مليار جنيه فوائد سنوية، من ثم فإن حجم الالتزامات التى ورثتها مصر يفوق بمراحل حجم التسهيلات الائتمانية التى يوفرها قرض صندوق النقد الدولى". واعتبر الحزب أن اللجوء إلى التسهيلات الائتمانية من صندوق النقد الدولى هو حق أصيل لمصر باعتبارها عضواً فى الصندوق ولها الحق فى الحصول على تسهيل ائتمانى يماثل 200% لهذه الحصة بحد أدنى، ولكن هذا اللجوء لا يعنى توقف مسار الإصلاح الهيكلى للاقتصاد المصرى من خلال خطوات مدروسة منها إصلاح منظومة الدعم وخفض عجز الموازنة وترشيد الإنفاق الحكومى وتنمية سوق الصكوك الإسلامية كوسيلة للتمويل وغيرها من الإصلاحات المطلوبة. وأوضح على عبد الفتاح، القيادى بحزب "الحرية والعدالة"، أن فكرة الاقتراض كانت مرفوضة فى عهد حكومة الجنزورى لأنها كانت مؤقتة ولا يوجد ضمانات على استمرار عملها بينما الحكومة الحالية دائمة وهى أدرى بشئون البلاد ونحن حاليا فى مرحلة بناء الدولة ونحتاج إلى الدعم. وأشار إلى أن مصر لن تسمح باقتراض يمس سيادة الدولة، رافضا الدعوات التى تقول إن القرض سيجرنا إلى تبعية سياسية ويتيح للخارج فرض إملاءات سياسية على الشأن الداخلى. ولفت إلى أن القرض لن يفرض أعباء على المواطن لأن نسبة الفائدة قليلة والتسديد بعد مدة طويلة، مضيفا أن الشروط ميسرة والاقتراض ليس لسد الجوع ولكن من أجل بناء مشروعات ومصانع سوف يغطى عائدها قيمة القرض ويفيض. يأتى ذلك فى الوقت الذى أعلن فيه حزب "النور" السلفى، أنه لم يحسم موقفه بعد من قرض صندوق النقد، لكن قيادات بالحزب أعربت عن رفضها الحصول عليه، مبررة ذلك بالفائدة التي ستدفعها مصر على القرض. وقال الشيخ على نجم عضو مجلس الشعب المنحل عن حزب "النور": "يمكن إباحة الحصول على القروض إذا أوصدت كل الأبواب، لكن فى مصر هناك أبواب كثيرة لم تغلق، فأيًا كان نوع القرض فهو محرم شرعًا ولا يجوز لمسلم أن يقترض بفائدة فالقروض محرمة فى التشريع الإسلامى". وأوضح نجم أن هناك بدائل أخرى ليست محرمة أقرها الإسلام للنهوض بالمجتمع، مشيرًا إلى أن هذا القرض يمكن القبول به إذا كان بدون فائدة حتى لا يمثل عبئًا على الصناعات الصغيرة، فمن غير المقبول أن نفرض مستقبلاً على الإنسان أو المؤسسة قبل أن ينجح المشروع وفى حالة الخسارة يصبح الخاسر مطالب بتسديد هذه الفائدة. ولفت إلى أن بعض دول أوروبا شرعت فى تطبيق نظام الاقتصاد الإسلامى ونحن أولى بتطبيقه، ففى بعض الدول غير الإسلامية تلاشت الفوائد تماماً، متسائلا، كيف يلجأ للاقتصاد الإسلامى من هم ليسوا من أهل الإسلام ونحن لا نفعل ذلك؟ وأكد الدكتور يونس مخيون، عضو الهيئة العليا لحزب النور، على رفض الحزب لسياسة الاقتراض مهما كانت شروطه قائلا: "نرفض اتباع سياسات النظام القديم وأى شكل من زيادة الأعباء على كاهل المواطن البسيط". وطالب الحكومة بالبحث عن بدائل بعيدة عن الاقتراض من صندوق النقد الدولى، لأن له شروطاً تهدد الشأن المصرى وتشكل نوعاً من التبعية وتضر بسياسات البلاد. وذكر أن الاقتراحات التى قدمها حزب "النور" بديلا عن القرض لم يتم الرد عليها حتى الآن، مشيرا إلى أن اللجنة الاقتصادية بالحزب سوف تناقش الوضع فى حال رفض هذه البدائل. من جهتها، أعربت "الجبهة السلفية"، عن رفضها قرض صندوق النقد الدولى، تحت أى مسمى سواء مصروفات إدارية أو فوائد حسابية معربة عن أسفها لاتخاذ الإدارة المصرية هذا القرار، الذى كانت قد أعلنت عن رفضه من قبل، مشددة على أن مصر بها موارد كثيرة تغنيها عن الاستدانة من الخارج والاقتراض الربوى. وقال خالد سعيد المتحدث باسم الجبهة السلفية، فى تصريحات صحفية، إن الجبهة السلفية أنشئت لإثبات موقف سياسى إسلامى مختلف، والجبهة لم تحلل الربا ولا قرض البنك الدولى ولم تقل بمصروفات إدارية، مؤكدًا أن الربا لا يحلل بالمصروفات الإدارية كما ادعى البعض ويجب على الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية العدول عن موقفه تجاه القرض ويطرح أى بدائل أخرى. في الوقت الذي أفتى الدكتور ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية بأن حصول مصر على قرض من صندوق النقد ليس ربا بشرط ألا تزيد نسبة الفائدة على 2% من قيمة القرض، حيث تعد تلك النسبة مصاريف إدارية، على حد قوله. وأضاف برهامى فى فتواه التى نشرها على موقعه الرسمى على الإنترنت أن "رسوم كتابة الدين والانتقال لتحصيله إذا تحملها المقترض فهى ليست ربا، وفى الزمن الحديث صارت القروض بين الدول وبين رجال الأعمال وغير ذلك تتولاها مؤسسات مالية ضخمة تتولى دراسة ظروف الدولة المقترِضة واحتياجاتها، وتنفق هذه المؤسسات على المبانى والموظفين وهو ما يسمى بالمصاريف الإدارية، وتحدد نسبتها فى العرف غالبًا بأقل من 2%". وأشار إلى أنه لا مانع من وجود نسبة لهذه المصاريف من حجم القرض، موضحًا أنه إذا كانت المصاريف الإدارية أقل من 2%؛ فهى ليست ربا محرمًا، أما إذا كانت هذه النسبة بغرض الانتفاع من إقراض المال أو إذا كانت لا توجد مؤسسة تحتاج لنفقات فتكون ربا محرمًا. وأوضح أن "القرض الذى ستحصل عليه مصر والمعلن عن فائدته بنسبة 1.1%، يعتبر منحة من المقرض، أما القروض الربوية فهى لدى الصندوق ذات فائدة متفاوتة قد تصل إلى 16% و20%، والفائدة المخفضة من 2% إلى 6%، والمتوسطة بين ذلك، وبناءً على ذلك قلنا إن هذا القرض ليس قرضًا ربويًّا". من جانبه، قال الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الأزهر إن على الإخوان رد الأمر لفقهاء المسلمين لأن للدين علماءه وللشرع فقهاءه، فقال الله عز وجل (لا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب)، وقال (إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون). وأضاف كريمة: أجمعت الأمة سلفاً وخلفا على أن الربا قليله وكثيره حرام شرعاً، وقال الله تعالى (يمحق الله الربا)، والقروض سواء من الأفراد أو من المؤسسات المحلية أو الدولية حرام شرعاً ولا تجوز إلا بعد نفاد كل الوسائل من قروض حسنة أو رهن ما يمكن رهنه أو تقليل حجم الإنفاق وما يخص الدولة توجيه جزء من مصرف الغارمين. واعتبر الدكتور حمدى عبد العظيم الخبير الاقتصادى، أن الحالة الاقتصادية التى نمر بها تفرض علينا السياسة الاقتراضية، ولكنه انتقد إقبال الحكومة على زيادة حجم القرض ليصل إلى 4.8 مليار دولار بدلا من 3.2 مليار دولار. وأشار إلى أن حصة مصر بصندوق النقد الدولى تقتضى طلب مبلغ بقيمة 3.2 دولار فقط، معتبرا أن زيادة المبلغ ل4.8 مليار دولار سيقابل بشروط من قبل البنك الدولى، موضحا أن الشروط التى تفرض على مصر قد تؤثر سلبا على الأوضاع المعيشية للمواطن العادى وقد تمتد لشروط سياسية. وشدد على ضرورة أن تطلع الحكومة الرأى العام على الشروط المفروضة وكيفية تسديد الدين ومجالات صرف القرض، مؤكدا أن هذه الخطوة ستقطع الطريق على كل الشخصيات التى تخرج فى الإعلام وتطلق تصريحات تثير الرأى العام. وأوضح عبد العظيم أن القرض بالفعل ميسر، حيث تبلغ قيمة الفائدة 1.1% فقط فى حين أن الفائدة العالمية قد تصل 8% وأن قيمة الفائدة هى تكلفة المصاريف الإدارية فقط، مشيدا فى الوقت نفسه بقدرة الحكومة على أن تقترض بفائدة تعد ضئيلة بالمقارنة بقيمة الفائدة المتعارف عليها عالميا. وأوضح أن الاقتراض الداخلى قد يكلف الدولة أعباء أكثر من الاقتراض الخارجى، حيث إن فائدته تصل ل 6ا% وهو ما يخالف الاقتراض الخارجى الذى لا تزيد فائدته عن 1.1%.