فى زمن مضى كان البطيخ والشمام يشكلان القطبية الثنائية المهيمنة على الصيف وصاحبة الكلمة العليا فى عالم (التحلية) و(الترطيب) و(التسلية) بالنظر إلى الاستفادة من لبهما فى المساء والسهرة.... البطيخ تفوق على الشمام بل وكل أنواع الفواكه فى عقد اتفاقيات صداقة وتكامل مع أغذية بعينها لا تجود ولا يتم الاستمتاع بها إلا مصحوبة به ، فالجبنة القديمة(المش)شكلت مع البطيخ ثنائيا رائعا على موائد معظم المصريين البسطاء، والبطيخ مع المش لا يتم التعامل معه بالشوكة والسكين وإنما يتم التعامل معه ك (شقق) يتم لهطها ونحتها حتى يتبين لحمها الأبيض. وكان البطيخ والشمام لهما الأغلبية الساحقة فى سوق الاثنين الممتد من شارع الشيخ ريحان وصولاً إلى شارع الناصرية مروراً بشوارع مؤنس والسقايين الشارع والحارة وشارع مجلس الشعب، وكان من أشهر البائعين ميمى او(كاسترو)الذى كان يمتاز بأنه ضخم الجثة وسريع الحركة ما أن يقف أمامه الزبون ويطلب منه بطيخة حتى يلتقط واحدة بسرعة هائلة ويضعها على كرشه وفى ثوانى يكون قد شقها وأخرج قلبها متفاخراً بلونها الأحمر....وكان عدد من الباعة يقدمون خدمة عاجلة وهى بيع البطيخ ب(الشقة) أو الشريحة للترطيب على قلوب رواد السوق.... وكان البطيخ مع الجورنال من أهم العلامات المميزة لموظفي الحكومة والاثنان معا يشكلان غذاء الجسد والعقل...كان ذلك فى زمن قراءة الجريدة كلمة كلمة .....وفى زمن الاستماع لمسلسل الساعة الخامسة والربع بالاذاعة.... وفى زمن الجلوس فى البلكونة مع كوب شاى.... وفى زمن كانت حقول البطيخ تروى فيه بمياه نظيفة لم يصبها التلوث بمخلفات المصانع والصرف الصحى...كان البطيخ والشمام وسرت الشمام وكوز العسل فى زمن الرضا والقناعة قبل انفجار ثورة التطلعات وقبل ظهور الكنتالوب الذى نافس بقوة الشمام. الحديث عن البطيخ سببه اننى منيت نفسى باكلة رائعة قوامها الجبنة البيضاء بالطماطم مع البطيخ.. ...ذهبت إلى محل الفكهانى وطلبت منه بطيخة محترمة....مارس البائع بحرفية شديدة اقنعتنى الفرز والتجنيب بعد التطبيل... وبعد فاصل من العزف استقر على بطيخة وسالنى هل اشقها؟! قلت لا قال لتطمئن قلت سارضى بنصيبى وسألته وما الموقف لو شققتها وكانت حمراء تسر الناظرين غير أن طعمها لا علاقة له بالسرور.... أخذت البطيخة وانا انظر اليها بإعجاب وأقول كل المؤشرات تبشر بالخير....حانت اللحظة الحاسمة وتم اقتحام البطيخة ....حمرة رائعة موشاة بنقط سمراء وبيضاء... تهللت ومددت يدى والتقطت قطعة قذفتها فى فمى المتلهف...صعقت عندما أحسست بطعم الخيار البشر مثل البطيخ ....مظاهر وجواهر.... من تعتبره إنسانا وتفاجأ بأنه لا يمت بصلة للإنسانية....ومن يحتاج لاختبارات كثيرة لتعرف حقيقته..... ومن يرطب حياتك ومن يحولها إلى جحيم..... الناس كالبطيخ بختك يا ابو بخيت المشهد .. درة الحرية المشهد .. درة الحرية