أعرف أن للملوك قصوراً وبوابات وحجاب .. لذلك ، أخاطبك باللقب الأبقي " خادم " الحرمين .. لست متأكداً من أن هذه الرسالة سوف تصل إليك ، ومع ذلك قررت أن أكتبها كي أخلي ذمتي أمام الله وأمام أهلنا في كل من مصر وبلاد الحرمين .. لجأت إلي هذه الوسيلة بعد أن ضاقت السبل للوصول إلي أهل الحكم من أجل أن أحذرهم جميعاً من لغم يتم دسه بعناية بين شعبي البلدين .. لا أتقمص دور زرقاء اليمامة ، ولكنني خبرت من أحوال الدنيا وعلاقات الدول بالممارسة والقراءة والتمحيص الشيئ الكثير ، كما أنني عاشق موله بتراب ارض الكنانة وكل شبر فيه ، مثلما أنا مشدود بكل عواطفي إلي الحرمين الشريفين ... سيدي الملك .. باختصار .. جزيرتي تيران وصنافير لا يمتان بصلة إلي المملكة العربية السعودية .. لم يعش عليها سعودي واحد أو مات فيها ، لم تكن في أي يوم سلماً أو حرباً جزءاً من تراب مملكتك الشاسعة .. أعرفها وأحفظها عن ظهر قلب ، ذلك أنني كنت مقاتلاً في قوات الصاعقة قبل حرب أكتوبر 1973 ، وكنا نقرأ ونستعيد خرائط سيناء شبراً شبراً ، لأننا كنا نعلم أنه عندما يأتي اليوم فقد يتم إسقاطنا فوق أي بقعة فيها .. حفظتها وادياً وادياً وتبة تبة وجبلاً جبلاً .. كل خور ومجري سيل وجزيرة .. كنت أدرس كونتورات جزر شدوان وتيران وصنافير ، أين يمكن الإنقضاض وفي أي بقعة قد نثوي فيها شهداء ... كنت أتذكر دائماً المؤتمر الصحفي الدولي الذي عقده جمال عبد الناصر يوم 28 مايو 1967 ، وهو يقول بتحد أنه يغلق خليج العقبة ، وأن تيران مصرية .. مصرية .. كذلك كنت أتذكر أنه عندما انسحب الصهاينة منها بعد العدوان الثلاثي عام 1956 ، عادت إلي حضن مصر دون أن ينازعها أحد ذلك العناق ، بل أن بعض أشقائنا من العرب كانوا يعايروننا قبل أن يغلق ناصر خليج العقبة ، أننا نختفي خلف قوات الطوارئ الدولية ولا نمارس سيادتنا علي تيران وصنافير ونترك إسرائيل تعبر في الخليج .. يا جلالة الملك لست أريد أن أثقل عليكم بحديث حول الوثائق ومقتضيات القانون الدولي والتاريخ ، وهو حديث طويل أستطيع أن أجزم أنه يؤكد بلا أدني شك ملكية مصر لهاتين الجزيرتين طول التاريخ وبغير انقطاع ... ما أخشاه هو أن خطأ أرتكبته البيروقراطية في كلا البلدين قد يكلف الشعبين صراعاً ودماءاً نحن في غني عنها ، فقبل أن يتم ما قيل أنه إتفاق تعيين الحدود البحرية بين البلدين ، لا أظن أن شقيقاً سعودياً واحداً كان يتصور أنه يمتلك هاتين الجزيرتين ، كما لا أظن أن مصرياً واحداً كان يشك لحظة في ملكيته لهما .. أن التحديات التي تواجه البلدين في المستقبل قاسية ومتعددة ، ولا شك أنكم تلاحظون النيران التي تشتعل علي أطراف المملكة وتخومها وتتأهب قوي إقليمية لدفع هذه النيران إلي قلب المملكة ، ولا بد أنكم تعرفون أن مصر وشعبها لن يقبلوا أن يمس أرض الحرمين أي سوء ، وسوف يقدمون أرواحهم فداءاً لسلامة أرض وشعب المملكة .. هل يمكن أن نتصور ثبات تلك المشاعر في حال تم إقتطاع جزء من أرض مصر وإضافته إلي أرض المملكة ؟ .. أن الأقرب للتصور هو أن ذلك سوف يؤدي إلي عداء وكراهية ضامرة ورغبة مستعرة مستمرة في استعادة ما تم انتزاعه مهما طال الزمن .. ولعلك تسألني عن كيفية إصلاح ذلك الخطأ البيروقراطي ؟ .. وأجيب علي الفور أنه سيكون بالشكل الذي يحفظ لكل الأطراف كرامتهم ، بحيث تكون الخطوة الأولي هي إلغاء الإتفاق الباطل الذي نزع الجزيرتين بغير حق من صدر مصر ، ثم إعادة فتح التفاوض حول إتفاق تعيين الحدود البحرية بين البلدين من جديد ، مع التوافق علي عرض أي نزاع في ذلك علي لجنة تحكيم دولية تتولي حسم النزاع ، وبما في ذلك موضوع الجزر إذا اقتضي الأمر ذلك ... أن ذلك الحل يا سيدي ينزع ألغاماً كثيرة في مجري العلاقات التاريخية بين الشعبين الشقيقين ، كما أنه سيتيح الفرصة والزمن للبحث والتحري عبر آليات قانونية دولية علي مرأي ومسمع من كلا الشعبين بحيث تكون النتيجة النهائية مرضية لكلا الشعبين ، ولديكم سوابق طيبة في ذلك مع بعض دول الخليج العربي التي تم تحديد الحدود معها عن طريق تحكيم دولي ... أثق أن غالبية معتبرة في الشعبين سوف ترحب بهذا الحل الوسط ، الذي يزيل أي شبهة في اتفاق يبدو أنه لم ينضج النضج الكافي ، ويمنح للجميع فرصة لإلتقاط الأنفاس ومراجعة النفس ، لأنه لن يكون هناك أسوأ من الإصرار علي العناد والإستعلاء علي مشاعر الشعبين .. وحتي إذا سلمنا جدلاً بأن الجزيرتين سعوديتين ، فمنذ تأسيس المملكة عام 1932 لم تمارس المملكة أي مظهر من مظاهر السيادة عليهما ، ولن يضير أحد أن يضاف عام أو بضعة أعوام حتي يحسم الأمر بجلاء ووضوح قاطع ، لأنه لا وجه للعجلة خاصة في شأن علي هذا القدر من الخطورة ... أن حبي وتقديري لشعبنا العربي الشقيق في السعودية بلا حدود ، ولا شك عندي أن شعب مصر كله يشاركني هذا الشعور ، ولدي ثقة غير محدودة في حسن تدبيركم وقراءتكم الصحيحة لأوضاع منطقتنا وإحتمالاتها المستقبلية ، وأطمع في إستجابتكم الكريمة لهذا الرأي الذي لا ينفي بشكل كامل أي إحتمال في المستقبل ، فربما يتضح أن الجزيرتين سعوديتان في النهاية ، رغم كل ما وقر في يقيني وخبرتي العملية ودراساتي وممارساتي في القانون الدولي بأنهما مصريتان أقحاح ... باختصار .. ربما تستطيع – لظروف لا أعلمها – أن تكسب جزيرتين في هذه المرحلة ، لكنني أؤكد لك أنك سوف تخسر شعباً لن يتنازل أبداً عن حقه .. ولعلك تجد فيما طرحته عليكم مخرجاً كريماً للحكومتين ... ----------- * مساعد وزير الخارجية الأسبق المشهد .. لاسقف للحرية المشهد .. لاسقف للحرية