أرجو ألا يساء فهم هذا المقال ، وهو علي أية حال ليس بقلمي ، وإن كنت لا أندهش مما جاء فيه ، فهو تأكيد لمعاني كثيرة سبق لي أن كتبتها ، والمقال التالي هو ترجمة حرفية لما نشرته صحيفة " الجارديان " قبل الغزو الأمريكي للعراق ، وللأسف لم أجد وسيلة إعلام عربية توافق علي نشر ترجمتي له في وقتها ( عام 2003 ) .. تحت عنوان : المبشرون الأمريكيون ينتظرون علي حدود العراق " وفيما يلي الترجمة ببعض التصرف : الترجمة : أن ذلك يمكن أن يحدث فقط مع غزو أمريكي ، حيث يقف المبشرون المسيحيون خلف القوات في إنتظار الإشارة بأن العراق آمنة بشكل كافي كي يبدأوا في العمل ، يحملون الطعام في يد والأنجيل في اليد الأخري . أن كل هذه المجموعات يتم تمويلها بكرم من الأمريكيين الذين يترددون علي الكنائس ، ولا شك في أنهم سيقومون بعمل رائع في تقديم المياه والطعام والعون الطبي والنفسي للسكان المروعين ، ولكنهم يتسببون في إثارة الذعر بين المسلمين الذين يخشون من أن العراقيين الضعفاء سوف يتحولون عن دينهم ، كما أن هناك المسيحيين الذين يحذرون من أن هؤلاء المبشرين سوف يكونون أهدافاً أولية في العراق الذي لم يستقر بعد . لقد تزايد خوف المسلمين لأن الرجل الذي يتولي مسؤلية القيادة في العراق هو الأب فرانكلين جراهام ، الذي سبق له أن ألقي كلمة الترحيب في إحتفال تولي الرئيس بوش للرئاسة ، كما أنه إبن بيلي جراهام ، ومن أشد منتقدي الإسلام ، فهو الذي وصف الإسلام بأنه دين شرير وعنيف ، وأن رب الإسلام يختلف عن رب المسيحية مثلما يختلف الضوء عن الظلام . ذلك الرجل يدير منظمة تدعي Samaritan's Purseالتي يتواجد أعضاؤها في الأردن في إنتظار الإنتقال إلي العراق ، وهذه المنظمة لديها تاريخ كبير في المساعدات الإنسانية لمدة تزيد علي ثلاثين عاماً ، إلا أن هدفها واضح وهو : " أن المنظمة تخدم الكنيسة علي مستوي العالم من أجل خدمة رسالة الرب " . ولقد تحاشي السيد جراهام مؤخراً إصدار تصريحات نارية ولم يشأ أن يتحدث إلي الجارديان ، ومع ذلك فقد كتب مقالاً ل لوس أنجلوس تايمز أمس حاول فيها أن يخفف من الإنتقادات الموجهة إليه ، حيث أكد علي أن منظمته سوف تقدم المساعدة للشعب العراقي بدون صبغها بصبغة دينية ، وقال : " أنه في بعض الأحيان يكون أفضل تبشير يمكننا القيام به هو ببساطة أن نكون هناك بكوب من الماء البارد بما يعكس روح المسيح في خدمة الآخرين " . أن الدافع الأساسي لهذه المجموعات هي تغيير الدين ، وهم يدربون العاملين تحت غطاء المساعدات كي يغيروا دين الناس ...ومن ناحية أخري يستعد لدخول العراق أيضاً مجموعة " Southern Baptist" وهي ثاني أكبر تنظيم ديني في أمريكا بعد الكاثوليك وأكثرها قوة في الحركة المسيحية المحافظة ، وهي أشدها في تأييد بوش والحرب ضد العراق وتأييد إسرائيل ، وقد أكد سام بورتر منسق هذه المجموعة في أوكلاهوما أن المساعدات الإنسانية هي الهدف الأول من تدخلهم في العراق ، وأنه يوجد لديهم 25 ألف متطوع جاهزين للعمل في مناطق الكوارث في أمريكا وفي أي مكان آخر . وقد حذر بعض المعلقين المسيحيين من أن إقحام المبشرين في دولة غير مستقرة ولا يعلمون عنها الشيئ الكثير سوف يعرضهم للخطر ، فقد تم قتل ثلاثة مبشرين في اليمن في ديسمبر الماضي ( 2002 ) بواسطة مسلم متعصب قال أنه قام بذلك لأنهم كانوا يبشرون بالمسيحية في بلد مسلم . ================================ إلي هنا أنتهي المقال المذكور ، ولكنني لا أظن أن الموضوع ينتهي عند هذا الحد ، فلو أن ما جاء فيه أو بعضه كان صحيحاً ، فأن ذلك يعد مؤشراً آخر أشد خطورة من كل ما صحب واقعة العراق ، فهو يعني مثلاً أن شمال الكويت لم يشهد فقط حشداً للقوات والمدرعات والطائرات ، وإنما أحتشد فيه أيضاً بعض المتطرفين الدينيين الذين يستعدون للإنقضاض كي يلقوا بدلاً من القنابل الذكية بعض الزيت علي النار المشتعلة ، فمن المعروف أنه ليس صعباً إختراق الحدود وإحتلال الأراضي وتغيير الحكومات ، ولكن من الصعب إن لم يكن من المستحيل إختراق العقول وإحتلال الضمائر وتغيير العقائد الراسخة ، بل أن مجرد المحاولة قد تؤدي إلي إنفجار متعدد الشظايا قد يشمل المنطقة كلها .. من المعروف أن هناك جهات كثيرة كانت تجتهد منذ سنوات عديدة كي تعبث في خطوط التماس الدينية والمذهبية والإثنية في محاولة " لبلقنة " المنطقة وإضعافها ، ولا شك في أن بروز التيار اليميني المحافظ وإحتلاله قمة السلطة في كل من أمريكا وإسرائيل قد أعطي دفعة كبيرة لهذه التوجه ، ومشكلة هذه المحاولات أنها لم تتعلم بعد من تجربة أفغانستان ، فخلال التواجد السوفييتي في هذا البلد المنكوب ، قامت أجهزة كثيرة بالعمل من أجل خلق ما أطلق عليه بعد ذلك ب " المجاهدون " ، وكان الأساس هو تغذية الشعور الديني المتطرف وإستغلال عواطفه الجارفة من أجل مقاومة الوجود العسكري السوفييتي .. وكلنا نعرف ما ترتب علي ذلك حتي هذه اللحظة ، فقد يكون من السهل أن تخرج " العفريت " من القمقم ، ولكن من الصعب السيطرة عليه أو إعادته إلي مكانه مرة أخري ... ولقد دفع الذين قاموا بذلك أفدح الأثمان ، وليست واقعة الهجوم علي نيويورك وواشنطن هي آخر الوقائع .. ------------- * الكاتب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق المشهد .. درة الحرية المشهد .. درة الحرية