حتى لا ترتكب أميركا نفس الأخطاء السابقة جيمس كارول قبل سبع سنوات جاء هجوم القاعدة الإرهابي ضد أميركا وعلي الأرض الأميركية، ولكن بعدها بثلاثة أيام جاء الخطأ الأميركي الفادح، تمثل ذلك الخطأ في وقوف الرئيس الأميركي في الكاتدرائية الوطنية ليعلن من هناك ان الله قد أمره بان يرد على هذه الهجمات ليخلص العالم من الشر. هنا اعلنت أمريكا حربها على الإرهاب وتم التعبير عن ذلك باستخدام مصطلحات دينية ترتبط« بالرب المسيحي» الذي أصبح في منطق بوش ليس مجرد حليف في هذه الحرب، بل راعيا لها. بتصرفها ذاك تكون إدارة بوش قد نفذت الجزء الخاص بها من الخطة التي وضعها اسامة بن لادن. لقد وجهت الكثير من الانتقادات للرئيس بوش على الكثير من الاخطاء التى ارتكبها، ولكن اكبر فشل سجل له هو الوقوع في الفخ الذي نصبه له اسامة بن لان، في الرابع عشر من سبتمبر 2001 اتخذت السياسة الخارجية للولايات المتحدة منحى جديدا يقوم على الاصولية المسيحية وهذا ساهم في ازالة ذلك الخيط الرفيع الذي يفصل بين الدين والدولة مما دفع حمى الحماس المسيحي إلى مستويات عالية غاية في الخطورة وهو أمر لم يكن سرا، في حينه بل تمت مناقشته في الكثير من الأوساط ومن قبل المؤسسات والمعاهد. اصبحت أميركا منهمكة في حرب دينية يقف فيها الخير ضد الشر، ولم يتوان البعض عن وصف ما يجري بأنه حملة صليبية جديدة تم تحديد العدو فيها تحديدا مباشرا باستخدام مصطلحات دينية وكان هذا العدو هو «الإسلام الفاشي». هذا الانتشار لمثل هذه المفاهيم لم يطل المؤسسات السياسية بل انتقل ليتسلل إلى المؤسسة العسكرية الأميركية نفسها حيث تم فيها وضع الرب المسيحي في مكان محدد ضمن تسلسل هرم القيادة واصبح الجميع يصلي باسم المسيح بحيث اصبحت الصلاة جزءا من عمل الحكومة. ارد بن لادن ان يقدم نفسه على انه المدافع العالمي عن المسلمين وارد اشعال حرب مع الشيطان الاكبر من أجل تطهير العالم الإسلامي من الخبائث التي تكاثرت داخله وأراد فوق كل شيء حصول صدام بين الحضارات. نجح بن لادن فيما سعى اليه وتم دفع الأميركيين نحو تبني رؤية دينية ضد الإرهاب اشبه ما تكون بحرب بين الإسلام والمسيحية. اصبحت المسيحية من وجهة النظر الغربية هي التي تمثل الخير واصبح المسلمون هم من يمثل الشر بتطرفهم. لكن لابد من التصدي للشر وهذا قبل كل شيء باللجوء لاستخدام الاساليب المتسمة بالعنف. ادت هذه الاساليب إلى اراقة الكثير من الدماء ونشرت الفوضى في الكثير من الأماكن وعلى نطاق واسع، وتسببت في ايقاع الكثير من الخسائر والمآسي في حياة الشعوب والافراد على حد سواء، وكأن قدر عالمنا ان يواجه التدمير باستمرار بوسائل سريعة كالحروب، أو بوسائل بطيئة كالتلوث. إسرائيل مصابة بالهوس إلى اقصى درجة يمكن تصورها وهي تسعى لأن ترسخ الطابع اليهودي لها على اساس ان ذلك يأتي ضمن «خطة الله» التي ستنفذ قبل ان تقوم القيامة، في الوقت الذي لا تهتم فيه الدولة اليهودية بترسيخ اي معنى من معاني التقوي والورع في الأوساط اليهودية المنتشرة في العالم اجمع. بدأت حرب بوش الصليبية في التراجع وبدأ الكثيرون ينظرون اليها على انها حرب فاشلة حتى في اوساط المتدينين. لم يعد احد يتحدث عن إلحاق الهزيمة بالشيطان ولم يعد أحد يتحدث عن الله على اساس انه حليف للولايات المتحدة في حربها على الإرهاب. أصبح السياسيون اكثر حذرا في استخدام الخطاب الديني وأصبح الكثيرون يريدون ابعاد انفسهم عن الدولة الدينية التي أقامها بوش والتي لم توصل أميركا إلى اي نتائج ايجابية. فحروب بوش الدينية ورطت أميركا في حرب العراق وفي حرب أفغانستان وهما حربان لا يبدو في الأفق ما يشير إلى قرب حدوث نهاية لهما. هاتان الحربان كلفتا أميركا الكثير من حيث المال والدماء وأثرتا على الوضع العالمي لأميركا وسمحتا لدول اخرى بالظهور على حساب النفود الأميركي وارتفعت الاصوات للمطالبة بايجاد نظام عالمي جديد يقوم على اساس تعدد الاقطاب، وخير مثال على ذلك ما آلت اليه الامور الآن من تحد للنفود الأميركي عقب الحرب الروسية - الجورجية الأخيرة. مع اشتداد الحملة الانتخابية لاختيار رئيس جديد للولايات المتحدة، عاد البعض لاستخدام الحمى المسيحية في مجال السياسة الخارجية بالرغم من ان احدا لا يحبذ ذلك حتي في اوساط الكثير من المحافظين في الحزب الجمهوري حاول مايك هوكابي استخدام هذا الاسلوب وفشل في بداية حملته الانتخابية. اما جون مكين فهو يقدم بعض الكلام المعسول عن التقوى والورع ولكن الحافز الديني لا يلعب اي دور رئيسي في سياسته وتوجهاته. ولكن هناك من يشعر بالقلق تجاه سارة بالين ولا يخفى على احد العلاقات التي تربط سارة بالين بالتيار الانجيلي. هذا الأمر غاية في الخطورة ويجب ان تتم مناقشته وبتوسع فعندما يبدأ القادة المسيحيون المحافظون في صبغ ادائهم بالصبغة الدينية والتقوى والورع فإن ذلك سيكون له نتائج دراماتيكية سواء على المستوى المحلي الأميركي أم على المستوى العالمي. لقد ذكرت بالين بانها على استعداد لخوض الحرب ضد روسيا وترفض أي مساس مهما كان بإسرائيل ومصالحها. ما الذي يوجد خلف هذه المواقف؟ هل تؤمن بالين ان الحرب هي احدى الوسائل التي يمكن الاخذ بها لتطهير الذات وتطهير الغير؟ هل تؤمن بالين ان الله قد اعطى إسرائيل كل تلك الأرض المممتدة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط؟ هل من المناسب ان يفرض القادة العسكريون الأميركيون اختبارا دينيا على الجنود الموجودين في الخدمة أو الراغبين في الانضمام اليها؟ هل تعتقد بالين ان أميركا وحدها هي أرض الفضيلة وان الشعوب الأخرى هي من يمثل الشيطان؟ هذه الاسئلة مهمة للغاية وعلينا ان نعرف الاجابات عليها من قبل أولئك المرشحين للوقوف على قمة هرم السلطة في بلادنا.. اننا نطالب بذلك حتى تتجنب أميركا ارتكاب نفس الاخطاء السابقة التي كلفتنا الكثير من الاموال والارواح وتشويه صورتنا في العالم والقضاء على الكثير من النفود والاحترام الذي كنا نتمتع به قبل ان يوردنا بوش المهالك. عن صحيفة الوطن القطرية 19/10/2008