إن قلمى ليرجف وهو يكتب عن واحد من أفضل من أمسك بالقلم فى الصحافة المصرية.. وإن قلبى لينبض وهو يذكر واحداً من أعمدة الصحافة المصرية الذين دشنوا أعظم رسالة إنسانية وإجتماعية للقلم .. وعاش بقلبه ومشاعره وجوارحه مع القسم القرآنى " ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ" فأدرك أن ثواب القلم عظيم فى بعض الحالات وحسابه عسير فى أخرى .. وأدرك أن ما يسطر على الأوراق هو أهم مسؤوليات الإنسان .. وأكثرها معاناة وتعذيباً لأصحاب النفوس الحية . ولذلك قيل له : لماذا لم تجعل ابنك صحفياً وكاتباً مثلك ؟ فأجاب بسرعة : ولماذا أعذب ابنى بهذه المهنة الشاقة كما تعذبت .. متبعاً فى ذلك نهج أمير الشعراء أحمد شوقى الذى كان له ابن يهوى الشعر فأوصاه الشاعر حافظ إبراهيم أن يهتم به لكى يكون خليفة له فغضب شوقى قائلاً : لماذا تريد له العذاب فأمانة الكلمة ليست مسؤولية أو معاناة فحسب ولكنها عذاب يومى .. ومعاناة متواصلة بين قولة الحق وكلفتها الباهظة ، وزهوة الباطل واغواءاته .. وبين الصدق وتبعاته والنفاق وزينته العاجلة . لقد كانت الكتابة عند أمثال عبد الوهاب مطاوع أشبه بالولادة المتعسرة بما يصحبها من آلام ومعاناة ومتاعب وآهات .. إنها نفثات قلبه وخلجات روحه وعصارة فكره . فلم يكن عبد الوهاب مطاوع مجرد كاتب صحفى يحلم بالوظيفة والمرتب ولكنه كان مصلحاً إجتماعياً بحق .. بل يعده البعض أهم مصلح اجتماعى فى الصحافة المصرية .. ولم يكن ليعالج مشاكل قراءه على الورق فحسب بل كان يذهب إليهم ويسمع منهم .. وقد يسافر إليهم .. فتراه تارة يذهب إلى أحد القراء فى الإسكندرية أو المنصورة أو غيرها .. وقد يتصل بصاحب المشكلة ليستوضح منه أجزاءً غامضة فيها . وكان إذا أراد الكتابة خلا إلى نفسه وأغلق باب مكتبه وانعزل عن الكون كله ليكتب بكل جوارحه .. وإذا انتهى من مقاله كان يتصبب عرقاً حتى فى فصل الشتاء . وقد تحول معظم أرباب المشاكل الاجتماعية الذين كتب عن مشكلاتهم إلى أصدقاء وأحباء وأعوان على الخير .. وأصبح هو صديقاً وأباً لهم ولأسرهم .. وقد كون مع هؤلاء الأصدقاء والأحباء فى داخل مصر وخارجها" جمعية بريد الجمعة "التى قامت بنشاطات إنسانية وإجتماعية واسعة على مستوى مصر.. فأحياناً تتولى تأسيس أقسام فى إحدى مستشفيات جامعة عين شمس .. وأحياناً تقوم بتطوير أقسام فى القصر العينى .. وأحيانا تسدد ديون بعض المدينين.. أو تدفع مبلغاً لصاحب حق حلاً لمشكلة قد تؤدى لدماء أو ثأرات أو صراعات اجتماعية . وكان المرحوم "مطاوع" يحفظ أسرار قرائه وأصحاب مشكلاته فلم يُشَهِر يوماً بصاحب مشكلة أو يفضحه تحت إغراءات الشو الإعلامى .. ولعل مدرسته الصحفية الاجتماعية المبدعة والرزينة الحكيمة تكون درساً للذين لا همَّ لهم إلا فضح أو شتم أو سب الآخرين أو المتاجرة بآلامهم ومعاناتهم ..فلم يمن الرجل يوماً على صاحب حاجة أو يتكبر على فقير أو يستعلى على مكروب أو يتوانى عن تنفيث همه وتفريج كربته فى تواضع للخلق وانكسار للخالق سبحانه . وكانت لديه أجندة حمراء يكتب فيها حاجات المرضى أو الفقراء أو اليتامى أو الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم لمرض مزمن أو أزمة لا حل لها أو علة اجتماعية معضلة ألمت بهم .. فكان يكتب فى كل أسبوع حاجات هؤلاء دون الإفصاح عن أسمائهم فإذا بأهل الكرم والجود والنجدة يتقاطرون إليه حبا فيه وفى الخير ورغبة فيما عند الله .. فإذا بالصعب يصبح على يديه سهلاً .. وإذا بالعسير يتحول إلى يسير . لقد كان عبد الوهاب مطاوع من الأتقياء الأخفياء الذين يعطون بغير حساب .. ولم ينافق أحداً طوال حياته .. ولم يسع إلى منصب أو دنيا .. ولكن الدنيا هى التى كانت تسعى إليه .. وكان المرحوم العلامة /أحمد بهجت هو أسوته وقدوته وأستاذه وصديقه ..وكان كلاهما "نسيج وحده" . وقد تأثر شقيقى وأستاذى أ/صلاح إبراهيم بالمرحوم أحمد بهجت ..وتأثرت أنا كثيرا بعبد الوهاب مطاوع .. وكنت ألزم كل تلاميذى بقراءة مقالاته وكتبه .. وأكتب كل أسبوع تعليقات على حلول مشكلاته أرسلها لزوجتى .. وكنت أناقش مع تلاميذى ما وصل إليه من حلول . واعتقد مع كثيرين أن مطاوع كان كاتباً موسوعياً فريدا يمزج فى مقالاته حكم الأولين والآخرين والمسلمين وغير المسلمين والمشرق والمغرب .. ويجمع الدين مع التاريخ مع علم النفس والاجتماع وتجارب العلماء والحكام والأدباء .. ويجعل ذلك كله فى خلطة سحرية رائعة يسوقها إلى الناس بقلم رصين وأدب راق وخلق كريم . وكان الناس يقرأون صفحته فى أهرام الجمعة قبل أن يقرأوا أى شيء فى الأهرام .. وبعضهم كان يشترى أهرام الجمعة من أجله .. وقد انخفض توزيع الأهرام كثيراً بعد أن ودع بابه والدنيا .. فقد كان الأهرام فى كفة ومطاوع فى كفة أخرى . وكان مطاوع لا يستنكف أن يسأل علماء الأزهر فى مسألة دينية تخص المشاكل التى يعالجها أو عالماً فى الاجتماع أو الطب أو النفس إذا ما أراد أن يتناول معضلة من المعضلات التى عالجها وتصدى لها . وكان يؤمن أنه صاحب رسالة، ولم يكن يظن كما يظن بعض الكتاب اليوم أن مهمته تسويد أكبر عدد من الصفحات بكلمات النفاق الهابط أو الكذب الزائف أو الطعن فى ثوابت الدين أو الأمة أو تجريح الأشخاص أو الهيئات أو المتاجرة بقلمه فى دنيا العبيد .. رحم الله مطاوع. ##