القوى الإقليمية الداعمة له ستصبح مناوئة حال نجاحه المرحلى الافتراضى: إسرائيل وحماس كنز المعلومات حول تنظيم داعش فى سيناء والانتقال إلى "الصحراء الغربية" صيغة دعائية أفادت دراسة مهمة حول تنظيم "داعش" أن ما تردد عن قيام التنظيم بإعلان إمارة الواحات الإسلامية قريبا، بعد السيطرة على كل المناطق الجبلية بالصحراء الغربية والوادى الجديد، وعدد كبير من المحافظات الحدودية ومناطق الواحات وسيوة لإعلان إمارة إسلامية هناك، مجرد حرب نفسية أكثر من كونها استراتيجية حقيقية يتبناها "داعش" لإقامة إمارة له فى صحراء مصر الغربية. وبينت الدراسة بأن ذلك لا يعنى تهوينا من الخطر الذى يمثله هذا التنظيم على الأمن والاستقرار، ليس فى مصر وحدها بل فى المنطقة العربية بأكملها. وقالت الدراسة التى أعدها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المستقبلية: على عكس الظروف الملائمة التى تجعل من أنصار بيت المقدس يركزون على سيناء، كان من غير المفهوم سعى التنظيم لخلق ارتكاز له فى صحراء مصر الغربية التى لا تحتوى على جبال منيعة يمكن لنشطاء التنظيم الاختباء فيها من مطاردات الجيش المصرى، كما أن الطبيعة المنبسطة للصحراء وندرة التجمعات السكانية لا تمنح مقاتلى التنظيم حاضنا شعبيا مثل الموجود فى سيناء يمكن الاختباء داخله أو إقامة علاقات مصلحية قوية معه. ونوهت إلى أن الجيش المصرى وقوات الأمن يمتلك فى هذه المناطق حريات كاملة فى حجم التسليح وإعداد القوات والمواقع التى يشغلها أو يتحرك فيها، كما أن الجوار المصرى، سواء جهة الحدود الليبية أو السودانية، تختل فيه موازين القوى العسكرية والسياسية بقوة لصالح مصر. وأوضحت الدراسة التى أعدها سعيد شحاتة، الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، تحت عنوان "لماذا يحاول داعش العمل فى صحراء مصر الغربية؟"أن التواجد الكبير للحركات السلفية فى مدن الصحراء الغربية لم يشكل رافعة للتنظيمات الإرهابية، لعدة اعتبارات منها أن الجيش المصرى على مدى عقود طويلة كان المصدر الأساسى لمد سكان مدن وواحات المنطقة بكل وسائل الإعاشة من طعام وماء ووقود، ومنها أيضا أن تنمية الساحل الشمالى منذ بدايات تسعينيات القرن الماضى وطدت مصالح سكان الصحراء الغربية مع رجال الأعمال الذين يستثمرون بكثافة فى هذه المناطق، ومن ثم لا يمكن لهذه المناطق أن تشكل حاضنا شعبيا ملائما لمقاتلى أنصار بيت المقدس أو "داعش". وعلى الرغم من كل هذه العوامل تحرك التنظيم على فترات متقطعة فى مناطق الصحراء الغربية، ففى يوليو 2014 تعرضت نقطة تفتيش تابعة لقوات حرس الحدود فى واحة الفرافرة لهجوم إرهابى أسفر عن مقتل 22 جنديا، ونشرت آنذاك جماعة "أنصار بيت المقدس" بيانا أعلنت فيه تبنى الهجوم باسم "الدولة الإسلامية فى العراق والشام ومصر". وفى يوليو الماضى تبنى التنظيم عملية خطف وإعدام مهندس كرواتى يعمل فى إحدى شركات البترول العاملة بالصحراء الغربية، مدعيا أن ذلك كان ردا على عدم استجابة الحكومة المصرية لمطالب التنظيم بالإفراج عمن سماهم ب"النساء المعتقلات فى سجون مصر". كما أشاع التنظيم أنه أسقط طائرة حربية مصرية فى أغسطس الماضى، بينما نفى المتحدث العسكرى سقوط الطائرة بفعل عمل إرهابى، وقال إنها تعرضت لعطل فنى أدى إلى سقوطها أثناء مطاردتها لعناصر إرهابية، بخلاف حادثة تعرض موكب لسائحين مكسيكيين بالخطأ فى شهر سبتمبر 2015 لضربات من قوات الأمن المصرية قرب الواحات فى الصحراء الغربية، مع تواصل عمليات الجيش فى سيناء ضد تنظيم أنصار بيت المقدس. وتبدو هذه العمليات ذات صيغة دعائية أكثر من كونها جزءا من استراتيجية متكاملة لإقامة إمارة لتنظيم "داعش" فى صحراء مصر الغربية؛ ولا يخرج عن أن تنظيم "داعش" ينفذ الجزء الخاص باستراتيجيته التى تمنع تكرار محاولة الاستيلاء على منطقة فشل فى العمل فيها حتى وقت قريب، ونقل المواجهة إلى منطقة أخرى للإيحاء بتمدده والتغطية على فشله فى الجبهة الأخرى فى سيناء. نشأة التنظيم فى سيناء وأشارت الدراسة إلى أن نشأة وتمركز تنظيم بيت المقدس "داعش" حاليا فى سيناء، جاء لعدة أسباب، منها،أولا: لا توجد فى شمال سيناء قوات أمن كبيرة بسبب القيود المفروضة على تحركات ومستوى تسليح وعدد جنود الجيش المصرى وفق معاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل منذ عام 1979 بمعنى أن درجة قدرة الأمن المصرى على تتبع أفراد التنظيم ستكون قليلة مقارنة بأماكن أخرى يمكن أن يتمركزون فيها. ثانيا: تعتبر المنطقة التى ينشط فيها التنظيم فى شمال سيناء والمجاورة لحدود مصر مع قطاع غزة منطقة مثالية من حيث كونها عمقا استراتيجيا لجماعة أنصار بيت المقدس، حيث يوفر حكم حركة حماس التعاطف السياسى مع الجماعات الإرهابية كما أن لجماعة بيت المقدس امتدادات داخل القطاع، الأمر الذى يسهل عملية نقل الذخائر والمساعدات والمؤن اللازمة لإعاشة أفراد التنظيم. ثالثا: إن إسرائيل وحماس تمتلك معلومات تفصيلية عن حجم مقاتلى التنظيمات الإرهابية فى سيناء عامة، وتنظيم أنصار بيت المقدس خاصة، وأنماط التسليح وطرق تهريب الذخائر ومواد الإعاشة والمواقع الآمنة له من هجمات القوات المصرية. ولكل من إسرائيل وحماس أسبابهما فى عدم التعاون الاستخبارى مع مصر فى هذا الجانب، فإسرائيل لا تنظر إلى مصر إلا على أنها منافس إقليمى لو تمكن من تهدئة الاوضاع الأمنية على حدوده وتفرغ لإقالة الاقتصاد من عثرته، فسوف يكتسب قوة تساعده على الضغط على إسرائيل، سواء فى ملف التسوية الفلسطينية أو فى ملف إخلاء المنطقة من الأسلحة النووية، فضلا عن التنافس الاقتصادى بينهما، خصوصا فى الغاز الذى تمتلك مصر وإسرائيل منه إمكانيات كبيرة بعد الكشوفات الأخيرة. أما حركة حماس، فإنها ترهن مدها لمصر بمعلومات عن التنظيمات الإرهابية فى سيناء بفتح مصر معابرها بشكل دائم مع القطاع، أو أن تتخلى عن سياسة هدم أنفاق التهريب، وهى اشتراطات لا يمكن لمصر قبولها لدواع أمنية وسياسية أيضا. رابعا: إن بعض القوى الإقليمية التى لا تريد لمصر استقرارا يقودها إلى توسيع دورها الإقليمى يمكن أن تدعم التنظيم الذى تشكل عملياته ضغطا أمنيا واقتصاديا وسياسيا على مصر، وهو ما يجعل تركيا مرشحة بقوة لأن تكون إحدى الجهات المحتملة التى تدعم التنظيم، ومعها قطر بشكل نسبى، خاصة فى ظل علاقة الدولتين بتيارات الإسلام السياسى المختلفة. ومن هنا يرى تنظيم بيت المقدس فى شمال سيناء مكانا ملائما لأنشطته الموجهة ضد مصر، ولكن فى الوقت نفسه، فإن التنظيم الذى يعتمد استراتيجية إعلان مناطق يتم الاستيلاء عليها كجزء مما يسميه "دولة الخلافة"، يدرك بوضوح أن احتمالات نجاحه فى سيناء شبه معدومة كون أن من يقدمون له العون من القوى الإقليمية سيتحولون فى حالة نجاحه فى تحقيق هدفه المرحلى الافتراضى (إقامة ولاية له فى شمال سيناء) إلى قوى مناوئة، فإسرائيل ستتعامل معه فى هذه اللحظة على أنه خطر أمنى عليها، خاصة أن ذلك سيعنى لها تزايد احتمالات قيام مجموعات منفلتة من التنظيم بإطلاق صواريخ من المناطق التى يسيطرون عليها تجاهها. كما أن حماس ستعتبر إقامة هذه الولاية بمنزلة دعم للجماعات التكفيرية الموجودة فى قطاع غزة، والتى تسعى بدورها لإسقاط حكم حماس وإقامة ولاية غزة. ولاشك أن بعض القوى الإقليمية تقدم دعما لتنظيم "داعش" فى سيناء ليكون أداة استنزاف عسكرى واقتصادى لمصر، ولكن هذه القوى نفسها ليست مستعدة للسماح للتنظيم بإقامة ولاية له فى سيناء.