الضربة الجوية والطريق إلى نصر أكتوبر العظيم (2)    رئيس جامعة سوهاج يفحص حالات إكلينيكية أثناء إلقاء درس عملي لطلاب الطب (صور)    وزيرة التضامن تفتتح حضانة "برايت ستارز" بحدائق العاصمة    «الأتوبيس الطائر» للتفتيش والمتابعة على مدارس أسيوط    تأهل كلية الاستزراع المائي بالعريش لجائزة مصر للتميز الحكومي    جدول مواقيت الصلاة فى الإسكندرية ومحافظات الجمهورية غداً الخميس 23 أكتوبر 2025    زراعة الفيوم تنظم تدريبا على ترشيد استهلاك مياه الري للمزارعين وروابط المياه    محافظ الغربية يتابع أعمال رصف وتطوير طريق حصة آبار ببسيون    وزير الإسكان: تخصيص 408 قطع أراضٍ للمواطنين بمنطقة الرابية    البترول: مصر تُصدر 150 ألف متر مكعب من الغاز المسال إلى تركيا لصالح توتال إنيرجيز    محافظ دمياط يفتتح محطة رفع صرف صحي النجارين بكفر البطيخ    الجالية الفلسطينية في الاتحاد الأوروبي ترحب بزيارة الرئيس السيسي إلى بروكسل للمشاركة في القمة المصرية الأوروبية    الأونروا: إسرائيل تنفذ عمليات تدمير شمال الضفة وتجبر الفلسطينيين على النزوح القسري    جدل فى قطاع غزة حول مصير أبو عبيدة.. أين الملثم؟    تحمل 8 آلاف طن.. إطلاق قافلة «زاد العزة» ال56 إلى الأشقاء الفلسطينيين    الريال ضد برشلونة.. تأكد غياب فليك عن الكلاسيكو بعد طرده أمام جيرونا    الائتلاف الحكومي بإسرائيل يسقط مقترح تشكيل لجنة تحقيق بأحداث 7 أكتوبر    "الأونروا": يجب فتح جميع المعابر إلى غزة مع ضرورة أن تكون المساعدات غير مقيدة    ️لجان ميدانية لتحديد أولويات الخطة الإنشائية بقطاع الشباب والرياضة 2026/2027    كرة اليد، جدول مباريات منتخب الناشئين في كأس العالم بالمغرب    جوائز كاف – إمام عاشور وإبراهيم عادل وثلاثي بيراميدز ينافسون على أفضل لاعب داخل القارة    تاريخ مواجهات ريال مدريد أمام يوفنتوس في دوري أبطال أوروبا    لبنى عبد الله: أمير عبد الحميد رحب بالاستمرار في الأهلى من موقع الرجل الثالث    بيراميدز يواجه التأمين الإثيوبي ذهابا وإيابا في القاهرة    جنايات المنصورة تنظر قضية مقتل مسنة على يد نجل شقيقها بالدقهلية    على خطى «لصوص لكن ظرفاء».. اعترافات المتهمين ب«سرقة ذهب» من فيلا التجمع    محافظ أسيوط: غدا فتح باب التقديم لحج الجمعيات الأهلية لموسم 1447ه – 2026م وحتى 6 نوفمبر المقبل    إزالة مخالفات بناء في جزيرة محمد بالوراق| صور    أوهمها بفرصة عمل.. المؤبد ل «عامل» بتهمة خطف سيدة وهتك عرضها بالإكراه في الشرقية    القبض على المتهم بقتل طليقته أمام مدرسة في مدينة السادات بالمنوفية    مدير آثار أسوان: تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني تجسيد لإعجاز المصريين في الفلك    «مدبولي»: نعمل على قدم وساق استعدادًا لافتتاح المتحف المصري الكبير    الأقصر تتحرك لدعم موسم سياحي استثنائي.. لقاء موسع بمشاركة خبراء ومختصين    بيحبوا يكسروا الروتين.. 4 أبراج لا تخشى المخاطرة وتحب انتهاز الفرص    نائب وزير الصحة يتفقد جاهزية الخدمات الطبية والطوارئ بميناء رفح البري    نائب وزير الصحة يتفقد ميناء رفح البري لضمان جاهزية الخدمات الطبية والطوارئ    بينها الأسماك الدهنية وممارسة الرياضة.. أطعمة صحية للمحافظة على القلب    هيئة التأمين الصحي الشامل تتعاقد مع 3 مراكز طبية جديدة وترفع عدد الجهات المعتمدة إلى 505 حتى سبتمبر 2025    حكم تاريخي مرتقب من محكمة العدل الدولية بشأن حصار غزة    دبلوماسي روسي سابق: النزاع مع أوكرانيا قائم على خلافات جوهرية    منال عوض: نسعى لحل مشاكل المواطنين والتواجد المستمر على أرض الواقع    وزير المالية: نتطلع لدور أكبر للبنوك التنموية متعددة الأطراف فى خفض تكاليف التمويل للدول الأعضاء والقطاع الخاص    مفتي الجمهورية: الله تولى بنفسه منصب الإفتاء وجعله من وظائف النبوة    وزير الأوقاف يهنئ القارئ الشيخ الطاروطي لاختياره أفضل شخصية قرآنية بموسكو    مهرجان القاهرة الدولي لموسيقى الجاز يهدي دورته السابعة عشرة إلى زياد الرحباني    ياسر جلال يرد على تهنئة الشيخ فيصل الحمود المالك الصباح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 22-10-2025 في محافظة الأقصر    موعد مباراة بايرن ميونخ وكلوب بروج فى دوري الأبطال والقنوات الناقلة    جوائز كاف - بيراميدز ينافس صنداونز على أفضل ناد.. وغياب الأهلي والزمالك    الصحة وصندوق مكافحة الإدمان يفتتحان قسما جديدا للحجز الإلزامي بمستشفى إمبابة    خلال 24 ساعة.. ضبط قضايا اتجار في العملات الأجنبية بقيمة ما يزيد على 11 مليون جنيه    رئيس جامعة أسيوط يرأس اجتماع لجنة متابعة مشروع مستشفى الأورام الجامعي الجديد    حكم القيام بإثبات الحضور للزميل الغائب عن العمل.. الإفتاء تجيب    مجلس الكنائس العالمي يشارك في احتفال الكنيسة المصلحة بمرور 150 عامًا على تأسيسها    حين يتأخر الجواب: لماذا لا يُستجاب الدعاء أحيانًا؟    سماء الفرج    موعد شهر رمضان المبارك 1447 هجريًا والأيام المتبقية    أسعار الدواجن والبيض اليوم الأربعاء 22 أكتوبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نوبة رجوع .. نوبة نوم !
نشر في المشهد يوم 20 - 10 - 2015

بين جدران الكلية الحربية أسرار عاشتها أجيال من أبناء ( الشرف ، الواجب ، الوطن ) ، ذلك الشعار/ النداء الذي كانوا يهتفون به فتهتز أرجاء مصنع الرجال ، ومنطقة مصر الجديدة ...
من البديهي أن هناك أسراراً لا تقال ، وستدفن مع هؤلاء الرجال ، ولكن هناك أسرار أخري أقل خطورة يمكن تداولها ..
وحيث أننا نعيش هذه الأيام أجواء الذكري الثانية والأربعين لحرب أكتوبر ، فقد رأيت أن أستدعي من مخازن ذكرياتي تلك الأيام الصعبة والجميلة في نفس الوقت التي أمضيتها بين جدران الكلية الحربية ..
كانت حرب الإستنزاف تدور علي أشدها ، وأتابع أحداثها بشغف بينما كنت أواصل دراستي بالسنة الإعدادية لكلية الهندسة جامعة عين شمس ، كنا نتجمع ونتحاور في حديقة الكلية الكائنة في ميدان عبده باشا في العباسية ، نفس الشباب الذي شارك قبل عامين في مظاهرات غاضبة بعد صدور أحكام القضاء ضد بعض قادة الجيش وخاصة الفريق صدقي محمود قائد القوات الجوية ، حيث اعتبرناها إهانة لدماء الشهداء ، وعلامة علي عدم الجدية ، وخرجت مظاهراتنا تهتف بالقصاص والتغيير والديمقراطية ..
قمنا بتشكيل لجان مختلفة ، وأتذكر المنشورات التي كتبتها مع زميلي ناجي النجار ووقعناها بإسم " إتحاد الطلاب الأحرار " ، والتي تطالب بضرورة محاكمة شفافة لكل من تسبب في نكسة 67 ، وأهمية القضاء علي النظام البوليسي الأمني الذي كان يروع الناس ، وطالبنا أيضاً بأهمية الديمقراطية السياسية بنفس قدر الديمقراطية الإجتماعية ..
انتهت تلك الأزمة بعد لقاء أجراه جمال عبد الناصر مع الشباب ، وأعيدت المحاكمات أستجابة لضغوط الرأي العام ، وبدأ ناصر تغييرات عميقة في قيادات القوات المسلحة ، وارتفع شعار " يد تبني ويد تحمل السلاح " و " إزالة آثار المعركة " ..
من رحم هذه الأحداث خرج جيلي ، وأتذكر اللحظة التي اتخذت فيها قراري بترك كلية الهندسة بعد أن أنتظمت فيها لعام كامل ، كي ألتحق بالكلية الحربية .. كنت مع بعض أصدقائي نتدرب علي " التحبير " في الرسم الهندسي ، ثم خرجنا إلي حديقة الكلية مساء كي نواصل الحديث الذي لا يتوقف عن دورنا في معركة التحرير المنتظرة .. أتذكر أنني قلت آنذاك أن إسرائيل تهزمنا لأن ضباط وجنود جيشها لديهم قدرات علمية وعقلية مميزة ، ولابد لطلبة الطب والهندسة في مصر أن يتخلوا عن أنانيتهم ويلتحقوا بالكلية الحربية ..
بالطبع كان هناك من وافق ومن أعترض ، وكانت حجة المعترضين ( التي كانت فيما بعد حجة والدتي أيضاً رحمها الله ) أننا بعد التخرج من كلياتنا المتفوقة قد نكون أكثر فائدة للبلد .. لكنني لم أكن أستطيع الإنتظار أربعة أعوام أخري ، وأخذت قراري وأخليت طرفي من كلية الهندسة دون علم الأسرة ، ولا زلت أذكر الرقيب الذي كان يتسلم أوراقي في الكلية الحربية والذي طلب أن يحضر ولي أمري كي يتأكد من موافقته ، وكدت أن أبكي وأنا ارجوه إستلام أوراقي ، بينما هو ينصحني بالتفكير لأن مصلحتي أن أستكمل دراسة الهندسة وبعد ذلك يمكنني الإلتحاق بالجيش كي أشارك في تحرير سيناء ، ولا زلت أذكر ردي عليه بدهشة وغضب : " هي سيناء ها تستني محتلة أربع سنين كمان ؟!! " ..
كانت الأيام الأولي في الكلية الحربية شديدة الصعوبة والقسوة ، فلم أكن سوي مجرد رقم يتلقي الأوامر طول الوقت وعليه أن يطيعها بلا أدني تردد ، وكانت التدريبات الأولية شاقة مهلكة تستغرق اليوم كله ، فنبدأ قبل طلوع الشمس ، ونظل في حالة إنهاك وضغط بدني ونفسي طوال اليوم حتي موعد تناول طعام العشاء في الميس ..
وكان " البروجي " هو الآلة التي تجمعنا وتفرقنا ، وكانت أشد نوباته إزعاجاً هي " نوبة صحيان " ، التي كانت تنزعنا نزعاً من فوق أسرتنا كي نهرول بسرعة إستعداداً لتفتيش نوبة لبس أول ... كنا بلا استثناء تقريباً نكره " نوبة صحيان " ، حتي اعتدنا عليها ، وصارت جزءاً من ساعتنا البيولوجية ، لدرجة أننا كنا في الغالب نستيقظ ثوان قبل أن يبدأ البروجي في الصياح ...
وكانت أحلي نوبة بلا جدال هي نوبة رجوع التي تحدد نهاية اليوم ومشقته ، فعندما ينفخ البروجي لحنها المميز ، غير مسموح لأي فرد أن يكون بعيداً عن فراشه ، فكل واحد يقف إنتباه إلي جوار الفراش في إنتظار النوبة التالية التي هي الأحلي بلا منازع : " نوبة نوم " .. فنقفز إلي أسرتنا ونلقي بأجسادنا عليها متهالكين ..
يعزف البروجي نوبة رجوع في مراسم دفن شهدائنا في المعركة ، قبل إطلاق بعض الطلقات في الهواء تحية لروح الشهيد ، وقد أرتبط ذلك في ذهني بشكل رمزي باستعادة روح القتال مرة أخري بعد أن نودع أجسادنا تحت الرمال .. نوبة رجوع للأمل والرغبة المؤكدة في الإنتصار ، لذلك ظل الصوت المميز لنوبة رجوع يحتل مكانة خاصة في نفسي بإعتباره نداء التأهب لمرحلة جديدة أفضل ..
لم يكن لنوبة نوم مكاناً في حياتنا العسكرية بعد التخرج من الكلية الحربية ، بل أن " النوم " نفسه قد أصبح عزيزاً خاصة في الأيام الرائعة من شهر أكتوبر 1973 ، وكنا كمقاتلين في الصاعقة المصرية نتناول أقراصاً أسمها علي ما أذكر " ريتالين " كي تساعدنا علي أستمرار اليقظة وعدم النوم ، وبالفعل لم نغفل خلال ذلك الشهر سوي سويعات نادرة ومحسوبة بدقة ...
لم يكن قد مضي علي إنتصارنا زمن طويل ، حين بدأ الإنفتاح الإقتصادي في العام التالي وبدأت عملية نهب مصر ، وحين صعد الرئيس السادات إلي الطائرة متوجهاً إلي القدس ، نفخ البروجي نوبة نوم .. نوم طويل !!!
--------------
* مساعد وزير الخارجية الأسبق
المشهد .. لاسقف للحرية
المشهد .. لاسقف للحرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.