يطالبونك أن تتخلى عن عقلك كما تخلوا ، أن تكون ضمن قطيع كما كانوا ، أن تهجر أخلاقك ونبلك الإنساني الطبيعي لتدافع عن إرهاب وإرهابيين وتشمت في موت الخصوم وترى وجاهة لهدم الدولة ونشر ثقافة الاستئصال ، أو تدافع بالمقابل عن مسؤولين فاشلين وقضاء غير نزيه وأخطاء حكم كارثية وفساد يراه المرء بالعين المجردة وزنازين يحشر فيها بشر كثيرهم أبرياء وأن تتبنى إجهاض أحلام ثورية بوطن حر نعيش فيه بكرامة وتنضم إلى جوقة تشويه كل ما يمت لثورة يناير بصلة. هي أزمة شخصية أن تكون ذاتك ، لا ضمن قطيع ، ولا أظنها أزمتي وحدي ، بل أزمة كثير من الشرفاء الذين لم يولولوا مع أنصار الإخوان على حكم زائل ، ولم يرقصوا مع "مجاذيب السيسي" أو يخونوا كل المخالفين له ، حتى وإن خالفوه بمحبة ليس حرصا عليه ، وإنما حرصا على مصر الحرة الضاربة بجذور عظمتها في أعماق التاريخ. الحال التي وصل إليها المصريون تمثل استثناء يستحق الدراسة ، فالأب يقطع ابنه ، والأخ يفجر في خصام أخيه ، والجار لا يراعي وصايا الرسول مع جاره ، قطاع منهم عباد للمرشد وقطاع آخر مقابل من مجاذيب الرئيس المدافعين عن الدولة الأمنية الباطشة ، وبين هذا وذاك فريق يخشى إعلان رأيه ، فهو مع السيساوية سيساوي حتى النخاع ومع أنصار الإخوان يرفع شارة "رابعة" نموذج أحمد أبو عميرة دال في هذا الصدد ، أحمد مهندس مدني تخرج من هندسة القاهرة ، كتب على صفحته بموقع فيس بوك ما يجب أن يدق إنذار يصم الآذان ، يقول الشاب "اتصلت بي امي المسنة لتطمئن علي بعد أن قاطعتها عامين ومنعت ارسال الاموال لها وهى بأمس الحاجه لها ، فسألتها هل ما زلت تؤيدين السيسي ؟؟. فقالت لي نعم . فأغلقت السكة بوجهها" "عن نفسي فقد قاطعت امى التى انتخبت السيسي ومنعت ارسال الاموال لها بالرغم من احتياجها حتى تعود صاغرة وتكف عن تاييد الانقلاب". لم أصدق عيني حين قرأت هذه العبارات وتصورت أنها لشخص يحاول تشويه تيار الإسلام السياسي ، خاصة وأن الأخطاء التي كانت تحويها العبارات والتي تم تصحيحها تنم عن جهل فاضح باللغة التي هي أول مفاتيح فهم الدين ، لكن صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك ، وهذا رابطها (https://www.facebook.com/profile.php?id=100006028507737) تركت لدي انطباعا أنه شخصية حقيقية ، فهي تحوي بياناته ومن بينها رقم هاتفه ، ومن ثم فإنه لا مجال للتشكيك في هوية صاحبها ، وتعبيره عن ذاته بالطريقة التي يراها صحيحة. في المقابل نجد آخرين يرون أنصار الإخوان ومعهم كل الإسلاميين هوام ضالين خونة يجب أن يسحقوا ، لدرجة تشن فيها حملات الكترونية ضد دفن الدكتور يوسف القرضاوي في مصر ، بعدما انتشر خبر منازعته الموت ، وتعلوا أصوات مطالبة بتنفيذ أحكام الإعدام بلا رحمة . أظن أن هذه الحالة ليست إلا حصادا مبكرا لما زرعه أمثال توفيق عكاشة وأحمد موسى وفي الجانب المقابل أبو إسلام أحمد عبد الله ووجدي غنيم ، وأمثالهم عشرات من المشوهين والمرضى النفسيين الذين يخرجون على الشاشات بجهل فاضح لا يهدف إلا لانتزاع صيحات الاعجاب وتصفيق البسطاء المخدوعين والمغرر بهم والمغسولة أدمغتهم . مصر تجاوزت الخطر السياسي بثمن فادح ، فقد أطل كالحيات خطر اجتماعي ينسف كل ما كان لمصر من التسامح وهو تراث إنساني نبيل لم يتكون إلا عبر أزمنة واحتلال طويل متعاقب عبر العصور . على خلفية هذا المشهد الكارثي نجد السلطة رغم سوءاتها أكثر رحمة وتقبلا للآخر من الشعب الذي تحكمه ، فالتهديدات والشتائم التي تنالني يوميا من عباد المرشد ومجاذيب السيسي ، لم يصدر مثلها عن السلطة الحاكمة حتى الآن ، وإذا كانت هذه السلطة تستبد بقطاع من معارضيها وتتسامح إزاء أصوات ناقدة ، تعلم جيدا طهرها وصدق مواقفها واتساقها مع ذاتها، فإنها لا تخرج عن مقولة "كيفما تكونوا يولى عليكم". المشهد .. لاسقف للحرية المشهد .. لاسقف للحرية