كلما ضاقتْ علينا الدنيا أو غَلَبَتْ علينا الأحزان ، و أضْحَتِ الحياةُ قصيدةً بائسةً تنحدرُ الدموعُ مِنْ بينِ أحرُفِها !! .. نَأوي إلى القلب فنلتقطُ منه تِرياقاً يُذْهِبُ شيئاً مِمَّا نكتوي بهِ مِنْ أوجاعِ الحياة .. حين تتربَّصُ بنا الآهات وتطاردُنا حتى في أحلامنا ، ففي أيِّ غَارٍ نختبئ في طريقِ هجرتِنَا مِنْ زيفِ الواقعِ وفسادِ البشر ؟ أيُّ مكانٍ غيرُ القلبِ يحتوينا ويحنو علينا ؟ ليس ثمَّةَ مكانٌ غيرُه ، نحتمي بالمعاني الحلوة التي تسكنه والذكريات الجميلة التي تُظَلِّلُ عليه ... فإذا بنا نتسَمَّعُ زقزقاتِ عصافيرِ الأمل تشدو على أغصانِ القلبِ المُورِقِ حُبَّاً !! فهل ندقُّ على بابِهِ قبلَ أنْ يذهبَ نبضُه !؟ وهل ننقشُ على صفحَتِهِ أنَّنا نحبُّ الحياةَ فتحبُّنَا الحياة ؟ لكن لماذا القلب ؟ لأنه سيِّدُ الموقف ، وكلُّ الجوارحِ له تَبَعٌ .. إليه يُرْجَعُ الأمرُ كلُّه .. وعلى نقائِهِ يُعَوَّلُ الخيرُ كلُّه ..هو مقياسُ السلامةِ في الأبدان .. عن القلب السليم أتحدث .. القلب التقيّ النقيّ الذي يرى بنور الله .. فهو تذكرة الدخول إلى الجنَّة..! قال العليُّ الحكيم تقدستْ أسماؤه : [ يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بنون إلا مَنْ أتَى اللهَ بقلبٍ سليم .. ] هو القلب الأزهر فيه سراج يزهر كما وصفه سيدي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وذلك قلبُ المؤمن ..هو المسكونُ بنورٍ من الله يبدِّدُ ظلماتِ الأحزان وغبشِ اليقين وقتامةِ الأيام .. نور كاشف لا يخبو سناه يصحبك حتى تصل إلى برِّ السلامة ..يزيح عنك ظلمات اليأس ، و يعينك على وعورة الأيام ... [ يا أيُّها الذين آمنوا اتقوا اللهَ وآمنوا برسوله يؤتِكُم كِفْلَيْنِ مِن رحمته ويجعلْ لكم نوراً تمشون به ويغفرْ لكم والله غفورٌ رحيم ..] لكنَّ هذا النور لا يتأتي إلى قلبك إلا إذا كنتَ من أهل الرحمة والمحبة ونقاء السريرة وتقوى الله جلَّ وعلا ..فإذا رُزِقْتَهُ فإنَّهُ سوف يقودُ خطواتِكَ فلا تتعثَّر، ثم لا يحولُ دونك والسعادةِ شيئٌ مِنْ ظلام ... لكنْ مابالُنَا نحنُ في برِّ المحروسة قدِ اتشحَتْ قلوبنا بالسَّواد إلا قليلاً مِمَّنْ أنجى اللهُ .. لِمَ كلُّ هذا التباغض والكراهية والتلاسن والتربُّص وسوء الظن بالآخرين حتى ولو كان على سبيلِ الاحتياط !!؟ لقد عُرِفَ المصريون دوماً أنهم أصحابُ قلبٍ أبيض كَمَا الفُلّ ..فما الذي غيَّرَ كيمياء هذا القلب وجعله مَنْكُوساً مُرْبَاداً يعني شديد السواد كالكُوزِ مُجَخِّياً يعني كالكأس المقلوب لا يبقى فيه خير لا يعرف معروفاً ولا ينكرُ منكراً إلا ما أُشْرِبَ مِنْ هواه وهذا هو وصفُ النبي صلى الله عليه وسلم للقلب القاسي الذي يتشرَّبُ الفتنة ويخلو من معاني الرحمة والانسانية وحسن الظن ... حين تغتربُ عن الوطن وتولِّي بعيداً سعياً إلى رزق قد يكتبه الله لك ، تبقى مناقبُ الطيبين في ذاكرتك لا تبارِحُهَا ..فإذا استبد بك الشوق وعدتَ بعد الغياب ، هالك ما يعكِّرُ صفوَ الحنين من فسادِ القلوب وتغيرِ الأخلاق .. وتسألُ نفسك ما الذي حدث ؟ الذي يحدث دوماً أنَّ هناك مَنْ يَنْزِعُ عن شَعْبِنَا لِباسَ المحبَّة لتبدو سوءتُهُ أمامَ العالمين .. اللهم أعِدْ لمصرَ صفاءً في النفوسِ غَيَّبَتْهُ الأنفسُ الخبيثة وامحُ عن قُلوبِ أبنائِها رَانَ الجَفَاء .. يا حَيُّ يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام .. [ إنَّ في ذلكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لهُ قَلْب ..] [email protected] المشهد لا سقف للحرية المشهد لا سقف للحرية